أصبح الارتباط بين محاولة عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وانتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية، أكثر وضوحاً اليوم من أي وقت مضى، وسيزداد هذا الارتباط وضوحاً، عندما يبدأ مجلس الشيوخ في عقد جلسات محاكمة ترامب، بعد أن وجهت الأغلبية «الديمقراطية» في مجلس النواب تهمتين ضده، وهما استغلال منصبه الرئاسي وعرقلة عمل الكونغرس.
ويعرف النواب «الديمقراطيون»، الذين فتحوا هذه المعركة في مجلس النواب، أن الأغلبية «الجمهورية» في مجلس الشيوخ تستطيع إحباط مسعاهم، ولعل هذا يفسر الارتباك الذي يبدو أنه أصابهم بعد الاقتراع على التهمتين، وأدى إلى تأخير إرسال الملف إلى مجلس الشيوخ.
وتتسم حسابات هذه المعركة بالتعقيد الشديد، مثلها مثل المعارك المركبة التي تتداخل فيها قضيتان أو أكثر، يسعى قادة «الحزب الديمقراطي» في مجلسي الكونجرس، إلى إقناع عدد كافٍ من الجمهوريين في مجلس الشيوخ بالتخلي عن ترامب، أو إرغامهم على ذلك عبر التأثير في قواعدهم الانتخابية في ولاياتهم، لكنهم لم يحققوا أي تقدم في هذا الاتجاه، ويسعى «المطبخ» الذي يدير عملية الدفاع عن ترامب، إلى تثبيت موقف الجمهوريين في مجلس الشيوخ، والحيلولة دون حدوث أي تغيير فيه، وقد نجحوا في ذلك حتى الآن.
لكن الأهم في حسابات هذه المعركة، هو ما يتعلق بتأثيرها في نتيجة الانتخابات الرئاسية، ومن الطبيعي أن يتبع كل من الطرفين أساليب وتكتيكات مختلفة عن الآخر، فقد سعى الديمقراطيون إلى استثمار جلسات الاستماع التي عُقدت في مجلس النواب، من أجل إضعاف مركز ترامب الانتخابي، عبر محاولة إلحاق الأذى بسمعته، ولم يكن بإمكان الجمهوريين في تلك المرحلة سوى الدفاع عن ترامب، ومحاولة تفنيد التهمتين الموجهتين ضده، لكنهم راهنوا على أن الاهتمام الشعبي الواسع بمتابعة قضية عزل ترامب، يمكن أن يُلحق ضررين بالحزب الديمقراطي، ربما ينتج الضرر الأول عن انصراف أعضائه الذين سيدلون بأصواتهم في الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشحه للانتخابات الرئاسية، عن متابعة طروحات المتنافسين للفوز بهذا الترشيح، الأمر الذي قد يُضعف قدرتهم على الفرز والاختيار، فيصعد مرشح لا يملك المقومات الكافية لمنافسة ترامب، وقد ينتج الضرر الثاني عن انشغال الناخبين الأميركيين بقضية عزل ترامب، في فترة يُفترض أن يبدأوا خلالها في تكوين فكرة عن المتنافسين، الذين سيكون أحدهم مرشحاً للرئاسة في نوفمبر 2020، فمن شأن الاهتمام بقضية العزل، وفق هذا الرهان، أن يجعل المتنافسين داخل الحزب الديمقراطي غير معروفين لكثير من الناخبين، خاصة أن أكثرهم يظهرون للمرة الأولى في منافسة خارج ولاياتهم، وعندما يُختار أحدهم في النهاية، يكون الوقت قد تأخر لتقديم نفسه إلى ناخبين لا يعرفونه، الأمر الذي يدعم مركز ترامب بعد أن بدأ حملته الانتخابية مبكراً جداً، لأنه ليس بحاجة لخوض سباق تمهيدي داخل حزبه.
كما أنه لدى الجمهوريين، فرصة للانتقال من حالة السعي لتقليل الخسائر، إلى محاولة تحقيق مكاسب عندما تبدأ المحاكمة في مجلس الشيوخ، سواء قصر أمدها كما يرغب ترامب أو طال. فالمحاكمة القصيرة لا تتيح للديمقراطيين استدعاء شهود، لم يتمكنوا من إحضارهم في جلسات التحقيق في مجلس النواب، وفي هذه الحالة سيكون الجمهوريون في موقف أقوى عندما يُبرئون ترامب.
أما في حالة محاكمة أطول، فيمكن للجمهوريين الاستفادة من اضطرار أعضاء المجلس المتنافسين للحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة، للغياب عن حملاتهم الانتخابية التمهيدية في فترة دقيقة بالنسبة لكل منهم، وعندما نعلم أن بينهم اثنين يمكن أن تكون لدى كل منهما فرصة جيدة لمنافسة ترامب، إذا حصل على ترشيح الحزب الديمقراطي (اليزابيث وارن، وبيرني ساندرز)، فسيؤثر الانشغال بمعركة العزل في قدرته على المنافسة، والأرجح -في هذه الحالة- أن يضعف موقف الحزب الديمقراطي في الانتخابات، خاصة إذا تأكد أن صورة المتنافس الثالث القادر على منافسة ترامب (جو بايدن) تأثرت سلبياً، بعد أن اتهمه ترامب بالتدخل لحماية نجله من المساءلة في قضية فساد في أوكرانيا.
مثيرة جداً هي قضية عزل ترامب، في تحولها إلى معركة انتخابية مبكرة، عبر سعي كل من طرفيها لاستثمارها لدعم مركزه في الانتخابات الرئاسية.
*مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية