يتزامن نشر هذا المقال مع بداية عام جديد، وهو في الواقع بداية عقد جديد أيضاً: العقد الثالث من الألفية الثالثة، وهي مناسبة للبدء بحلحلة بعض الملفات العربية، خاصة ما يحدث في سوريا وليبيا، كما تشير العديد من التنبؤات التي تُنشر حالياً.
بداية عام جديد وعقد جديد تتطلب إثارة سؤال أكثر جذرية: مع زيادة التنوع والتفاوت في منطقة الشرق الأوسط، والذي سيستمر في سنة 2020، ما هي إذن هوية هذه المنطقة؟
يبدأ العام الجديد ببعض العوامل الإيجابية لمعظم سكان المنطقة في المتوسط العام، وتتركز هذه العوامل في انتشار التكنولوجيا بدرجات مختلفة، حتى ولو أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما يحدث في دولة الإمارات مثلاً من تكثيف لاستعمال الذكاء الاصطناعي، وبين ما يحدث على هذا الصعيد في دول عربية أخرى حيث البدايات متواضعة وبطيئة.
هناك أيضاً تقدم ملحوظ في مواجهة الفقر وجهود التقليل من مستوياته، وكذلك الحال بالنسبة للأوضاع الصحية، حيث ينخفض تدريجياً عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة، وكذلك نسبة وفيات النساء الحوامل.
وللتذكير، فإننا نتحدث هنا عن متوسطات عامة، وهي كالعادة متوسطات تخفي تباينات كبيرة، منها أن تقدم هذه المؤشرات في دول الخليج هو أكثر بكثير من معظم أنحاء المنطقة العربية، خاصة في البلدان التي تسودها الصراعات المسلحة الحادة، من سوريا إلى اليمن فليبيا. والحقيقة أن البيانات والمعلومات المتوافرة حول أوضاع الدول العربية تلقي بظلال من الشك حول تقدم المنطقة ككل، وتؤثر على مصداقية متوسطات المؤشرات المنوّه عنها هنا. بمعنى أن المنطقة أصبحت شديدة التنوع والتفاوت في المؤشرات التنموية، مثل: الصحة والفقر واستخدام التكنولوجيا.
وقد يكون اشتداد التفاوت في المنطقة أهم سمة لعامنا الجديد، وذلك أساساً بسبب استمرار الصراعات الدامية في بعض الدول، وبسبب ظاهرة احتجاجات الشارع التي بدأت تعرفها دول أخرى وأخذت تعاني آثارها الاقتصادية.
الصورة العالمية عن المنطقة أنها منطقة صراعات دامية، والإحصاءات تؤكد هذا بالفعل، فمثلاً يشكل سكان المنطقة ككل حوالي 5.2% من سكان العالم، لكن صراعاتها تشكل نحو 17.5% من الصراعات القائمة في العالم، أي أكثر من ثلاث أضعاف نسبة السكان.
ونعلم أن بعض الدول العربية، مثل الصومال واليمن والعراق.. تتصدر منذ أعوام قائمة «الدول الفاشلة» التي ترتبط عادة بالفوضى الداخلية والتدخلات الخارجية وبتصدير أعداد متزايدة من المهاجرين غير المنتظمين واللاجئين خارج الحدود. ولا ننسى أن استمرار ظاهرة «الدولة الفاشلة» قد يؤدي إلى إخفاقات أكثر خطراً، حيث حدث مثلاً انفصال جنوب السودان عن شماله، دون حدوث إصلاح في أي منها.
ويرث عام 2020 عاملاً آخر مرتبطاً بتلك الصراعات الداخلية، ألا وهو نزول قطاعات سكانية للاحتجاج. نعلم أن العقد الماضي بدأ باحتجاجات مماثلة في تونس (ديسمبر 2010)، قبل أن تنتشر إلى بلاد عربية أخرى فيما أطلق عليه «الربيع العربي».
لكن سنة 2020 والعقد الثالث من الألفية الثالثة يشهد احتجاجات لم تكن جزءاً من هذا «الربيع العربي»، خاصة في دول مثل السودان والجزائر ولبنان والعراق. فقد نجح المتظاهرون في إجبار رئيس الجمهورية في الجزائر ورئيس الوزراء في لبنان ورئيس الوزراء في العراق على الاستقالة، وقبل ذلك استطاعوا إطاحة رئيس الجمهورية في السودان.
لكن المحتجين في تلك الدول يطمحون إلى ما هو أكثر من ذلك، إذ يطالبون بـ «نظام جديد» دون أن يتمكنوا من رسم خطوات محددة وبرنامج عمل للوصول إلى «النظام المنشود». لذلك فقد تخفق الاحتجاجات في الوصول إلى مبتغياتها، لتكون النتيجة مزيداً من الإحباط والتقهقر إلى الوراء، بينما تستمر مجتمعات عربية أخرى في البناء ومراكمة الإنجازات التنموية.
فهل زيادة هذه الفجوة في سنة 2020 ستجعل من المنطقة العربية منطقة ثقافية بالأساس، مع تفاوت اقتصادي وتكنولوجي كبير فيما بينها، وتباين في أحوال المجتمع والسياسة؟
*أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأميركية -القاهرة