تحتفل دول العالم هذه الأيام بأعياد مولد سيدنا المسيح عليه السلام، وبقدوم السنة الميلادية الجديدة، ونغتنم فرصة هذه المناسبة لنبارك لإخوتنا من المسيحيين في الخليج وكل المسيحيين والمقيمين معنا، وفي كل دول العالم، ونأمل أن يكون هذا العام الجديد عام خير وسلام ومحبة لكل البشرية.
وتأتي احتفالات هذا العام والعالم العربي والإسلامي يشهد حروباً واضطرابات أدّت إلى تشريد مئات الآلاف من الناس في عدة بلدان في المنطقة، بل الملايين من الأطفال والنساء وكبار السن، ما دفع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، إلى مطالبة العالم بضمان الأمن والتعايش السلمي لشعوب الشرق الأوسط، خلال كلمته بمناسبة عيد الميلاد، حيث دعا إلى ضمان الأمن في سوريا، متمنياً الراحة للشعب السوري الحبيب الذي لم يستطع بعد أن يعبر نهاية العنف التي مزقت بلاده وجلبت له كثيراً من المعاناة. وتطرق قداسة البابا إلى الأطفال الذين يعانون من ويلات الحروب والنزاعات الأهلية، وقال إنه علينا كمجتمع أن نستغل فرصة الأعياد لمراجعة ثقافة العنف التي يعاني منها العالم والمتمثلة في الغلو والتطرف الديني. لقد عجزت كثيرٌ من الدول والمجتمعات عن إبراز روح المحبة والتسامح التي يؤكدها تراثنا الإنساني.
وإنه لأمر مؤسف أن لا يستفيد العرب والمسلمون من التجربة الأوروبية، فالغرب مر بتجربة الحروب الدينية، حيث تصارع الكاثوليك والبروتستانت لفترة طويلة.. لكنهم في النهاية أوقفوا حروبهم، وتبنّوا مفهوم الدولة الوطنية الحديثة والولاء لها، فرفعوا شعار «الدين لله والوطن للجميع»، بمعنى ترك الفرد يختار عبادته بحرية مطلقة شريطة أن لا يتم زج الدين في السياسة، وعلى الجميع احترام التعددية الدينية مهما كانت طبيعتها.
والسؤال المهم حالياً هو: هل مجتمعاتنا العربية والإسلامية لديها الاستعداد لتقبل التعددية الدينية والفكرية؟
الجواب بكل أسف هو: «لا».. لأنَّ ثقافتنا العربية الإسلامية، أو بالأحرى نسختها الطاغية حالياً، لا تملك تراثاً في مجال التعددية الفكرية والدينية.. فالغرب في خلفيته التاريخية يعود إلى الحضارة اليونانية وتراث مدينة أثينا الديمقراطي، وبعد الحضارة اليونانية برزت الحضارة الرومانية التي رسّخت المفاهيم القانونية، وأصبحت من منابع التراث الإنساني. أما الحضارات الشرقية التي حكمت منطقتنا فهي في معظمها ذات طابع استبدادي فردي، وكلها تقريباً لم تعرف مفهوم المشاركة أو تداول السلطة.
ما يهمنا هنا هو أن المجتمعات العربية اليوم لا تعرف لغة الحوار ولم تستطع الابتعاد عن العنف وترسيخ مفهوم التفاهم واحترام الرأي والرأي الآخر، بدل اللجوء إلى العنف أو إلغاء الآخر وإقصائه.
جريدة «نيويورك تايمز» الأميركية نشرت في الآونة الأخيرة تقريراً تحت عنوان: «موجة علمانية جديدة في العالم الإسلامي»، وأشارت فيه إلى تراجع ثقة الشارع العربي بالأحزاب ذات الخلفية الدينية، وإلى انتشار العلمانية بدرجة ملحوظة، وأكدت أن الدين الإسلامي ينطوي على الكثير من الفضائل لإلهام البشرية، لكنها بقيت محجوبة لفترة طويلة للغاية بسبب إملاءات التعصب.
وأخيراً نتمنى للجميع مرة أخرى عاماً سعيداً يسوده الأمن والسلام وتعمُّه المحبة والرخاء.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت