هل سيغيّر الرحيل المفاجئ لرئيس أركان الجيش الجزائري، أحمد قايد صالح، الأوراق في الجزائر؟ وهل ستكون وفاته مضرة للرئيس المنتخَب عبدالمجيد تبون، الذي كان جد مقرب منه؟ أو ستتيح له هامش مناورة أكبر؟ وهل سيحتفظ رئيس الأركان الجديد بنفس النفوذ الذي كان لصالح؟
المتظاهرون يطعنون في الانتخابات التي عرفتها الجزائر 12 ديسمبر الجاري، وهم أنفسهم كانوا وراء الإطاحة بالرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ويطالبون بدستور جديد، ويعتبرون أن هذه الانتخابات ليست سوى استمرار للنظام السابق، وأن المرشحين الخمسة الذين تنافسوا في الانتخابات كانوا موالين للنظام، ولهذا فهم يريدون قطيعة تامة مع النظام السابق!
الجنرال قايد صالح أصر على الانتخابات، لأنه كان يأمل أنه بمجرد انتخاب رئيس جديد، سينتقل المتظاهرون إلى شيء آخر، وأن إصابتهم بالإرهاق سترجح حدوث هذا الأمر، لكنه منذ اليوم الأول بعد الانتخابات، نزل المتظاهرون بأعداد كبيرة إلى الشارع، وخاضوا الأسبوع الثالث والأربعين لاحتجاجاتهم.
صحيح أن السلطة الشرعية لا تأتي من الشارع، بل من صناديق الاقتراع، غير أنه لا يمكن تجاهل الامتناع الكبير عن التصويت، والذي بلغ 60% على أقل تقدير، ومع ذلك، فقد انتُخب تبون في الجولة الأولى للانتخابات بـ58% من الأصوات.
وكانت الاحتجاجات قد بدأت في فبراير 2019، عندما أُعلن عن اعتزام الرئيس بوتفليقة الترشح لولاية رئاسية خامسة، والحال أن بوتفليقة لم يظهر أمام الجمهور منذ أربع سنوات، وذلك بعد تعرضه لسكتة دماغية خطيرة.
الجزائريون الذين اعترفوا له بالفضل في إنهاء الحرب الأهلية، التي عرفتها البلاد خلال التسعينيات، اعتبروا أنه يستحيل أن يكون على رأس السلطة رجل مريض.
والآن، الوضع الجزائري في طريق مسدود، لأن إجراء الانتخابات لم يكن كافياً لإنهاء الاحتجاجات، صحيح أنها كانت انتخابات حرة، ومعدل الامتناع عن التصويت لا يكفي من وجهة نظر قانونية للطعن في صحتها.. لكن الشروط السياسية هي ما يهم أساساً، وبالنسبة للمحتجين فإن الحكم على بعض المسؤولين السابقين في النظام بـ12 أو 15 عاماً سجناً إجراء غير كاف، وإن تعلق الأمر بطريقة لإسكات المعارضة، وتقديم ضمانات للمحتجين.
الرئيس الجديد لا يعطي المحتجين ضمانات ملموسة، والاحتجاجات مستمرة، والذين راهنوا في الجزائر العاصمة، على إصابة الحركة الاحتجاجية بالإرهاق، قد يصابون بخيبة الأمل، ويفسَّر غضب المحتجين بمآخذهم على النظام واستخدامه للإيرادات النفطية.
بيد أنه لا بد من اتفاق بين المحتجين والرئيس المنتخب، وإلا فسيعاني اقتصاد البلاد جراء استمرار الوضع الحالي، فالجزائر تعتمد على النفط، الذي يشكل 95% من إيراداتها، والعائدات النفطية التي كانت نعمة في البداية، لم تصحبها جهود لتنويع الاقتصاد الجزائري، بل إنهار القطاع الزراعي، ولم تعرف البلاد تصنيعاً حقيقياً، على أن غياب التنويع الاقتصادي لم يكن مقلقاً، عندما كان سعر برميل النفط 120 دولاراً، إذ استطاع نظام بوتفليقة الانخراط في سياسة إعادة توزيع من شأنها إرضاء السكان، لكن مع انخفاض سعر البرميل إلى 60 دولاراً، لم يعد ذلك ممكناً.
إن الجزائر تعاني، لأنها لم تستطع اعتماد سياسة لتنويع اقتصادها، مثلما فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة، حتى لا ترهن اقتصادها بالعائدات البترولية. لم تعرف الجزائر كيف تستفيد بالطريقة القصوى من العائدات النفطية، فهذه الأخيرة شكّلت فخاً بالنسبة للدول التي لم تضع خططاً طويلة المدى، في حين مثّلت رافعة للتنمية في البلدان التي عرفت كيف تفعل ذلك.