تأتي لحظة في كل حملة انتخابات رئاسية لا يرجح أن تنجح فيها الحملة، وتكون العقبة الوحيدة المتبقية فيها هي عدم التصديق. وحينها يصبح الانتصار مستحيلاً، لأن الناس يخبرون أنفسهم أنه مستحيل. وإذا تلاشت هذه العقبة، كأن يتفوق، مثلاً، أميركي من أصل أفريقي له باع سياسي قصير على السيدة الأولى للولايات المتحدة ومرشح حزبه السابق لنائب الرئيس في مؤتمرات «أيوا» الانتخابية الحزبية عام 2008، أو أن يتصدر ممثل برامج الواقع في التلفزيون ساحة متسابقي الحزب الجمهوري في الانتخابات الأولية في ولاية نيوهامبشير عام 2016.. حينها يصبح المستحيل بين عشية وضحاها، قريب المنال فجأة.
وهذه اللحظة وافت أكثر المرشحين إثارةً للانتباه عام 2019، وهو الديمقراطي أندرو يانج. فبعد بداية كان يجهله الناس فيها إلى حد كبير، أصبح المحامي والمستثمر البالغ من العمر 44 عاماً، أحد سبعة مرشحين مازال يتعين عليهم إزالة كل العراقيل في المناظرات مع اقتراب عملية التصويت في الانتخابات التمهيدية. و«يانج» ليس مسؤولاً منتخباً ولا مليارديراً، لكنه ابن شديد الذكاء لمهاجرين من تايوان، استطاع الصمود في السباق بعد خروج السيناتور كامالا هاريس، وجمع مالاً في الربع الثالث من هذا العام أكثر مما جمعه السناتور كوري بوكر، ويضاهي السناتور آمي كلوبتشار في استطلاعات الرأي. ونهج «يانج» مبتكر؛ فهو يتحدث بهدوء وبعقلانية عن القضايا الحيوية لمستقبل الولايات المتحدة، وذلك بطريقة مفحمة على نحو غريب، فهو يفتقر بشدة إلى الكاريزما، لدرجة أن هناك نوعاً ما من الكاريزما في هذا الافتقار إليها.
ورغم أنه يتحدث أثناء المناظرات أقل من المرشحين البارزين، وبصوت أكثر انخفاضاً بكثير، لكنه استأثر بنصيب الأسد في تقديم رؤى جديدة. فبينما تحدث الآخرون عن إحياء التصنيع كثيف العمالة ونقابات العمال.. يدرك يانج أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تلتهم الوظائف بسرعة تتزايد بشدة. ومعالجته المقترحة لهذه المشكلة، والمتمثلة في تقديم ألف دولار شهرياً كدخل أساسي لكل أسرة، قد لا تكون أفضل معالجة. لكنه يطرح السؤال الصحيح تماماً: كيف يمكننا جعل المستقبل الآلي يخدم الكرامة الإنسانية ولا يهينها؟
وبالمثل، توحي فكرة يانج عن إصلاح تمويل الحملات الانتخابية بأن لديه معرفة دقيقة بسوابق المحكمة العليا. فمعظم المرشحين يرددون اقتراح إلغاء قانون أصدرته المحكمة عام 2010 خفف القيود على تبرع الشركات للحملات الانتخابية. واقترح يانج حلاً يعطي المزيد من النفوذ للأفراد، دون انتهاك التعديل الأول في الدستور. ويرى يانج أن يمنح كل ناخب إمكانية الحصول على 100 دولار ليتبرع بها للحملات الانتخابية. وأشار أثناء أحدث مناظرة للديمقراطيين إلى أن «أقل من 5% من الأميركيين يتبرعون للحملات السياسية. أتعرفون ما يتعين التبرع به للحملات السياسية؟ إنه دخل يمكن الاستغناء عنه».
وقبل عقد، كان يمكنني القول إن يانج يفتقر إلى الخبرة لتولي منصب الرئيس، لكن الأمر ليس كذلك الآن. فقد التحق يانج في عمر صغير بمدرسة نيو إنجلاند المرموقة، حيث أصبح متحدثاً قوي الحجة، ثم حصل على درجات علمية من جامعتي براون وكولومبيا. وبعد محاولة قصيرة في شركة قانونية كبيرة، اقتنع أنه يجب أن يدير عمله بنفسه.
وساعد يانج في إقامة برنامج «فينشر فور أميركا» الذي يقدم منح دراسة لأبرز خريجي الجامعات، لتشجيعهم على تدشين مشروعات اقتصادية في المدن الأميركية متوسطة الحجم. وهذا النوع من المدن هو الأكثر تضرراً من التقدم التكنولوجي والعولمة. ويعتقد يانج أن أفضل وسيلة لإعادة الحيوية إليها، هي المشروعات الاستثمارية والابتكار، وليس الحروب التجارية والخوف من الأجانب. وقدم يانج أفكاراً مهمةً، بشأن صعود ترامب ونقاط ضعفه الانتخابي. وفي أفضل لحظات مناظراته، بسط يانج أفكاره تلك.
فقد أعاد المرشحون الآخرون، واحداً بعد الآخر، الحديث عن موضوع مساءلة ترامب. لكن يانج تحدث في النهاية قائلاً: «يتعين علينا التوقف عن الانشغال الشديد بمساءلة الرئيس التي تثير، للأسف، حماس كثير من الأميركيين، وأن نبدأ بالفعل البحث وحل المشكلات التي جعلت ترامب ينتخب في المقام الأول». ويرى أن الهوس بالتدخل الروسي والتدخلات الأجنبية الأخرى، ينقل الإشارة الخطأ للناخبين. ومضى يقول: «كلّما تصرفنا كما لو أن ترامب هو سبب كل مشاكلنا، كثُر عدد الأميركيين الذين يفقدون الثقة في قدرتنا الفعلية على رؤية ما يحدث في مجتمعنا وحل مشكلاته». وجمع يانج 10 ملايين دولار في الربع الثالث من العام. وأشار أحد استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة إلى أنه أقوى المرشحين للتصدي لترامب وسط طلاب الجامعات، بفضل شعبيته وسط المستقلين، بل والجمهوريين، لكن ليس من المرجح فوزه، وهذا مؤكد، على الأقل، في الوقت الحالي.
ديفيد فان درهل
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
وهذه اللحظة وافت أكثر المرشحين إثارةً للانتباه عام 2019، وهو الديمقراطي أندرو يانج. فبعد بداية كان يجهله الناس فيها إلى حد كبير، أصبح المحامي والمستثمر البالغ من العمر 44 عاماً، أحد سبعة مرشحين مازال يتعين عليهم إزالة كل العراقيل في المناظرات مع اقتراب عملية التصويت في الانتخابات التمهيدية. و«يانج» ليس مسؤولاً منتخباً ولا مليارديراً، لكنه ابن شديد الذكاء لمهاجرين من تايوان، استطاع الصمود في السباق بعد خروج السيناتور كامالا هاريس، وجمع مالاً في الربع الثالث من هذا العام أكثر مما جمعه السناتور كوري بوكر، ويضاهي السناتور آمي كلوبتشار في استطلاعات الرأي. ونهج «يانج» مبتكر؛ فهو يتحدث بهدوء وبعقلانية عن القضايا الحيوية لمستقبل الولايات المتحدة، وذلك بطريقة مفحمة على نحو غريب، فهو يفتقر بشدة إلى الكاريزما، لدرجة أن هناك نوعاً ما من الكاريزما في هذا الافتقار إليها.
ورغم أنه يتحدث أثناء المناظرات أقل من المرشحين البارزين، وبصوت أكثر انخفاضاً بكثير، لكنه استأثر بنصيب الأسد في تقديم رؤى جديدة. فبينما تحدث الآخرون عن إحياء التصنيع كثيف العمالة ونقابات العمال.. يدرك يانج أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي تلتهم الوظائف بسرعة تتزايد بشدة. ومعالجته المقترحة لهذه المشكلة، والمتمثلة في تقديم ألف دولار شهرياً كدخل أساسي لكل أسرة، قد لا تكون أفضل معالجة. لكنه يطرح السؤال الصحيح تماماً: كيف يمكننا جعل المستقبل الآلي يخدم الكرامة الإنسانية ولا يهينها؟
وبالمثل، توحي فكرة يانج عن إصلاح تمويل الحملات الانتخابية بأن لديه معرفة دقيقة بسوابق المحكمة العليا. فمعظم المرشحين يرددون اقتراح إلغاء قانون أصدرته المحكمة عام 2010 خفف القيود على تبرع الشركات للحملات الانتخابية. واقترح يانج حلاً يعطي المزيد من النفوذ للأفراد، دون انتهاك التعديل الأول في الدستور. ويرى يانج أن يمنح كل ناخب إمكانية الحصول على 100 دولار ليتبرع بها للحملات الانتخابية. وأشار أثناء أحدث مناظرة للديمقراطيين إلى أن «أقل من 5% من الأميركيين يتبرعون للحملات السياسية. أتعرفون ما يتعين التبرع به للحملات السياسية؟ إنه دخل يمكن الاستغناء عنه».
وقبل عقد، كان يمكنني القول إن يانج يفتقر إلى الخبرة لتولي منصب الرئيس، لكن الأمر ليس كذلك الآن. فقد التحق يانج في عمر صغير بمدرسة نيو إنجلاند المرموقة، حيث أصبح متحدثاً قوي الحجة، ثم حصل على درجات علمية من جامعتي براون وكولومبيا. وبعد محاولة قصيرة في شركة قانونية كبيرة، اقتنع أنه يجب أن يدير عمله بنفسه.
وساعد يانج في إقامة برنامج «فينشر فور أميركا» الذي يقدم منح دراسة لأبرز خريجي الجامعات، لتشجيعهم على تدشين مشروعات اقتصادية في المدن الأميركية متوسطة الحجم. وهذا النوع من المدن هو الأكثر تضرراً من التقدم التكنولوجي والعولمة. ويعتقد يانج أن أفضل وسيلة لإعادة الحيوية إليها، هي المشروعات الاستثمارية والابتكار، وليس الحروب التجارية والخوف من الأجانب. وقدم يانج أفكاراً مهمةً، بشأن صعود ترامب ونقاط ضعفه الانتخابي. وفي أفضل لحظات مناظراته، بسط يانج أفكاره تلك.
فقد أعاد المرشحون الآخرون، واحداً بعد الآخر، الحديث عن موضوع مساءلة ترامب. لكن يانج تحدث في النهاية قائلاً: «يتعين علينا التوقف عن الانشغال الشديد بمساءلة الرئيس التي تثير، للأسف، حماس كثير من الأميركيين، وأن نبدأ بالفعل البحث وحل المشكلات التي جعلت ترامب ينتخب في المقام الأول». ويرى أن الهوس بالتدخل الروسي والتدخلات الأجنبية الأخرى، ينقل الإشارة الخطأ للناخبين. ومضى يقول: «كلّما تصرفنا كما لو أن ترامب هو سبب كل مشاكلنا، كثُر عدد الأميركيين الذين يفقدون الثقة في قدرتنا الفعلية على رؤية ما يحدث في مجتمعنا وحل مشكلاته». وجمع يانج 10 ملايين دولار في الربع الثالث من العام. وأشار أحد استطلاعات الرأي في الآونة الأخيرة إلى أنه أقوى المرشحين للتصدي لترامب وسط طلاب الجامعات، بفضل شعبيته وسط المستقلين، بل والجمهوريين، لكن ليس من المرجح فوزه، وهذا مؤكد، على الأقل، في الوقت الحالي.
ديفيد فان درهل
صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»