في الوقت الذي تنشغل فيه الدول العربية بصراعاتها الداخلية وفيما بين بعضها بعضا لأسباب لا معنى لها في كثير من الحالات، يسودُ العالمَ المعاصرَ صراعٌ جديد يتمركز حول القوة الاقتصادية والأمنية والسياسية. فقد تزايد الاهتمام الدولي والعربي بالصراع الجديد بين الولايات المتحدة الأميركية وجمهورية الصين الشعبية، الصراع الذي تصاعد في السنوات الثلاث المنقضية من رئاسة دونالد ترامب، لاسيما في مجال التجارة. لكن الولايات المتحدة والصين وافقتا أخيراً على تأجيل الحرب التجارية بينهما، وبهذا تفادت الدولتان الصراعَ مراعاةً لمصالحهما ومصالح دول العالم الأخرى.
جوهر الصراع بين واشنطن وبكين يعود إلى طموح كل دولة إلى القيادة والهيمنة على المستوى العالمي. فالولايات المتحدة ترى في الصين قوة اقتصادية صاعدة، وقد أصبحت القوة الاقتصادية الثانية بعد الولايات المتحدة نفسها. والدولتان معاً تملكان 40? من قيمة الاقتصاد العالمي. لكن العجز التجاري بين الصين وأميركا في عام 2018 بلغ نحو 443 مليار دولار سنوياً لصالح الصين، مما أزعج الرئيس ترامب وجعله يطلق شعار «أميركا أولاً» في ظل تفاقم العجز الأميركي تجاه الصين، فاتخذ عدة خطوات حمائية للاقتصاد الأميركي لا يتسع المجال لذكرها وشرحها هنا، بل ما يهمنا هنا هو ماذا تعني هذه الخلافات للدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط.. وهل من المتوقع أن تدفع واشنطن دول المنطقة للاختيار بينها وبين بكين؟
المعضلة أن هذا الصراع بين الكبار يأتي في وقت بدأت تحس فيها المنطقة بضعف الطلب على النفط مع توافر البدائل من النفط الصخري. الحرب التجارية بين العمالقة قد تؤدي إلى ركود عالمي، مما يؤثر على الطلب من الطاقة. وقد اتخذت الدول النفطية من خلال منظمة «أوبك» خطوات لتخفيض الأسعار للتصدي لانعكاسات التباطؤ المحتمل. لكن التطور والتنافس بين الدولتين في مجال الاتصالات، خصوصاً بعد بروز شركة «هواوي» الصينية.. يجعل الولايات المتحدة تحاول الضغط على بعض الدول في العالم، ومنها الدول العربية، للحد من استيراد التكنولوجيا الصينية.
نتوقع أن تتعرض دول الشرق الأوسط لضغوطات أميركية أكثر من السابق للحد من حرية هذه الدول في التعامل مع الصين. ويبقى السؤال هنا هو: هل يستطيع العرب توظيف هذا التنافس الصيني الأميركي لمصلحتهم وضمان حريتهم وكسب ود الدولتين لمصلحتهم وتطويع هذا التنافس لمصلحة البلدان والشعوب العربية؟
يمكن أن يحدث ذلك إذا توحدت إرادات الدول العربية وقررت معاً بناء اقتصاد قومي متكامل، والاهتمام بالتطوير والتنمية الاقتصادية أكثر مما هو عليه الحال في الوقت الراهن.
السياسة الأميركية في المنطقة تقوم على أولويات تتقدّمها حمايةُ أمن إسرائيل، لذلك نجد أن واشنطن تسعى إلى كل ما يصب أخيراً في المصلحة الإسرائيلية. أما الصين فلديها سياسياً مواقف مشرفة تجاه «قضية العرب الأولى»، إذ يؤمن الصينيون بضرورة التعايش السلمي في المنطقة وبـ«مبدأ حل الدولتين» (فلسطين وإسرائيل).. كما يعملون بكل جهدهم لإحياء طريق الحرير الذي تستفيد منه عدة دول عربية.
لكن يصعب على العرب، لعب أي دور في الصراع بين الدول الكبرى، ويبقى كل أملهم أن يتم حل الصراع سلمياً.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت