أرادوها أن تكون قمة في كوالالمبور، لكن المقاطعة الإسلامية الرافضة للخروج على منظمة التعاون الإسلامي، حولت الحدث الفقير إلى اجتماع مصغر، قاده الثلاثي المعتاد، الذي أطلق هذه المرة ما يشبه الزفرة الأخيرة للإسلام السياسي والتطرف، المدعوم بثلاث حواضن رسمية إقليمية. ويقال إن البجعة قبل أن تموت تطلق تغريدة ألم أخيرة، وما قام به ثلاثي الشر والتطرف لا يختلف عن التغريدة الأخيرة للبجعة. ولطالما غرد الثلاثي إياه خارج السرب كثيراً، وانتهج نهج الانسلاخ الأعمى ضد مصالح الشعوب ومستقبلها، بما لا يخدم سوى توجهات وميول متطرفة تضر بسمعة المسلمين، وتنتج الرهاب والإسلاموفوبيا. فكيف يظن من كانوا سبباً في هذه الإشكالية أن باستطاعتهم معالجتها؟
كان الخطاب السياسي للقمم الإسلامية وسيظل أرقى وأكثر اتساقاً مع معالجة هموم الأمة وشعوبها، ومع الوعي التام بأهمية التلاحم ووحدة الصف وتجاوز الأهداف الضيقة، أما اجتماع كوالالمبور الفاشل فأثبت أننا أمام دول تجند طاقاتها لحماية واحتضان أجندة تخص الجماعات والأفكار التي تفضي إلى التطرف والإرهاب. وليس سراً أن مشروع القمة الفاشلة كان يهدف إلى بلورة تحالف بين الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي، بهدف مواجهة الأزمات التي يعانيها نظامان معروفان، وبينهما انسداد أفق مشروع المتاجرة بالدين وتساقط كل رموزه وفساد برامجه.
ولا يمكن الربط بين النظام التركي الحالم بالخلافة الإخوانية ونظام الولي الفقيه، إلا من زاوية التحالف بين الشبيهين أيديولوجياً، وما يجمع بينهما من ميول متطرفة، وكذلك اشتراكهما في عدم الالتزام بتقاليد وقوانين الدول الحديثة في هذا العصر. وفي مقدمتها عدم الالتزام من قبل النظامين بنبذ المتطرفين وتجريم الإرهاب. على العكس من ذلك كل الشواهد تدين النظامين، ومعهما الحليف الثالث الصغير، بإيواء ودعم وتسهيل تحركات كل من لهم صلة بالإرهاب والتطرف. بينما يضيف الحليف الصغير إلى مهامه التحرك في المشهد على هيئة حقيبة لتمويل الانسلاخ عن وحدة الصف الإقليمي والعربي والإسلامي. وبعد فشل الاجتماع الذي عقد في العاصمة الماليزية، أصبح توصيف إشكالية الحليف الصغير مع ذاته ومحيطه هو المدخل لعلاج الأخطاء التي يكررها، وعليه أن يتساءل لماذا يقع دائماً في الأخطاء بهذا القدر من التكرار؟ فهذا دليل على أنه يسير عكس التيار، ليس على مستوى منطقة الخليج فقط، بل على مستوى العالم الإسلامي، ولن تمر محاولة شق الصف وتجاوز منظمة التعاون الإسلامي بسهولة، ولن يكون فشل اجتماع كوالالمبور إلا جرس إنذار لتنبيه آخرين وتعرية أكاذيب ونزوات من يمول التطرف ويجمع بين النقيضين على بساط واحد، لكن قادة العالم الإسلامي رفضوا أن يشرعنوا السير على ذلك البساط. لسبب معروف للجميع، وهو أن الدول الإسلامية تعرف الوجهة الصحيحة لجمع الكلمة وإطلاق الرؤى السليمة ووضع الاستراتيجيات العالمية التي تقدم صورة مشرقة لدولنا ومجتمعاتنا. ولا يمكن لقمة يحاول البعض تنظيمها من باب النكاية بالمملكة العربية السعودية أن تنجح.
لقد كان من أبرز أهداف اجتماع الثلاثي الفاشل في ماليزيا، تقديم صورة إيجابية للعالم عن فكر التطرف، بشقيه الإخواني والشيعي. ويبدو أن ما يجمع بين الجانبين أكثر بكثير من أسلمة السياسة والمتاجرة بالدين.
من جهة أخرى نستنتج من قمة الضرار الفاشلة وذات التمثيل الهزيل أن عصر الإسلام السياسي يقترب من نهايته، وأن المحاولة التي قامت بها «الثلاثي» وقوبلت بالرفض من أغلبية الدول الإسلامية، تعتبر بمثابة الزفرة الأخيرة للواجهات الرسمية للتطرف والإرهاب في المنطقة.
لقد نضجت الشعوب العربية والإسلامية وأدركت خلال العقد الماضي حجم الخديعة التي يتخفى خلفها كل من ينطق بلسان «الإخوان» ويروج لفكرهم، سواء كان فرداً أم دولة. ومن يحاول البحث عن حل للمأزق الذي سقط فيه، لن يجد ذلك الحل في المزيد من الهروب والمناكفة، لكن الحقد الأعمى يوقع البعض في شر أعمالهم. وهذا ما يحدث للثلاثي الذي يحاول معالجة أزماته بطرق فاشلة. ومع الوقت يتأكد لنا في الإمارات صواب التوجه وجدوى التوعية بخطر الانحرافات الفكرية، لأن ضررها لا يصيب الأفراد فقط، بل يصيب الدول أيضاً، والعلاج الأفضل للتطرف هو التسامح والتعايش، وهذا نهجنا في الإمارات.
*كاتب إماراتي