اليأس الذي انتاب علماء المناخ وعلماء البيئة الذين يراقبون ما يتعرض له شيء ثمين وغير قابل للتعويض، يوصف أحياناً بـ«حزن المناخ». فالأشخاص الذين يولون انتباهاً كبيراً للكارثة البيئية التي تتسبب فيها الحضارة لنفسها، كثيراً ما يتحدثون عن مشاعر غضب وقلق ويأس، وجميعها مشاعر يضخّمها إنكار اليمين المتعمد. وقد تحدثت الناشطة الشابة غريتا تونبرغ، التي اختارتها مجلة تايم «شخصية العام»، عن سقوطها في كآبة عميقة بعد استيعابها تداعيات تغير المناخ ورفض كثير من المسؤولين الرسميين في الغرب لأن يكونوا في مستوى التحدي، إذ قالت: «إذا كان إحراق الوقود الأحفوري جد سيئ، لدرجة أنه يهدد وجودنا نفسه، فكيف لنا أن نواصل استخدامه مثلما كنا نفعل من قبل؟».
وأعتقدُ أنني بدأت منذ بعض الوقت أعيش «حزن الديمقراطية». فبالنسبة لأي شخص مثلي، وُلد بعد تمكّن حركة الحقوق المدنية من جعل الديمقراطية في أميركا حقيقةً معاشة، يعلم أن الديمقراطية الليبرالية كانت على الدوام جزءاً من المناخ، ومن السهل اعتبارها من المسلَّمات، تماماً على غرار الهواء النظيف أو تغير المواسم. ولهذا، فعندما أفكر في نوع الأوليغارشية غير الليبرالية التي ستنتظر أطفالي في حال فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية أخرى، يبدو لي حجم الخسارة كبيراً، لدرجة أنني بالكاد أستطيع استيعابه.
بعد انتخاب ترامب، أصدر عدد من المؤرخين والعلماء والساسة كتباً تشرح «كيف تموت الديمقراطيات»، كما جاء في عنوان أحدها. ومنذ ذلك الحين، مات من الأشياء حتى الآن ما يبعث على الذهول. ورغم أنه بات من شبه المؤكد مساءلة الرئيس في مجلس النواب بتهمة ابتزاز أوكرانيا، قصد مساعدته على إعادة انتخابه، فمن المؤكد أيضاً أنه ستتم تبرئة ساحته في مجلس الشيوخ، وهو تأكيد ضمني بأنه فوق القانون. وفي الأثناء، يعمل وزيره في العدل على تأجيج الصراع الحزبي، ويبعد الموظفين المهنيين مستبدلاً إياهم بالأتباع والموالين، وتُملأ المحاكم بشباب يميني مؤدلج.
في كتاب «كيف تموت الديمقراطيات»، يصف ستيفن ليفتسكي ودانييل زيبلات (وهما من جامعة هارفرد)، كيف «جُلب حكامُ اللعبة الديمقراطية (في الديمقراطيات التي تحتضر) إلى صف الحكومة، فأمدّوا الشخص الذي في السلطة بدرع ضد التحديات الدستورية وبسلاح قوي (قانوني) ليهاجم به خصومه». وهذا تقريباً ما يحدث اليوم.
فقد تميزت كل رئاسة ترامب بالقلق والغضب، بالنسبة للكثير. وفي الآونة الأخيرة لاحظتُ درجة محبِطة من الخوف، بل وحتى الاكتئاب، وهو ما يمكن للمرء أن يلمسه على شبكة الإنترنت متمثلاً في سلبية بعض الليبراليين الذين يعلنون على تويتر أن ترامب سيفوز بإعادة الانتخاب. وفي صحيفة «واشنطن بوست»، وصف مايكل جيرسون، وهو كاتب خطابات سابق لجورج دبليو. بوش وأحد أعضاء «حركة أوقفوا ترامب» المحافظة، معاناته الروحية ضد مشاعر اليأس السياسي؛ إذ قال: «أستطيع أن أؤكد أن الإصابة بهذا النوع من اللايقين المحزن لفترات طويلة هي أشبه بقطعة من العذاب».
وقد اتصلتُ بعدد من الأخصائيين المعالجين، الذين قالوا إنهم يرون هذا الحزن الذي يعزى إلى السياسة في مرضاهم. فقبل ثلاث سنوات، تقول كارن ستار، وهي طبيبة نفسية تزاول عملها في نيويورك، كان بعض المرضى لدي «في حالة قلق»، لكن ذلك تحول إلى «شعور مزمن يقع على حدود اليأس». وتضيف ستار: «إن الأمر يتعلق بهذا الشعور العام، بأن المؤسسات التي نعتمد عليها من أجل حمايتنا قد تفشل».
ومن جانبها، قالت لي «كيمبرلي غروتشر»، وهي معالجة نفسية تعمل في كل من نيويورك وجنوب فلوريدا، وتشكّل النساء الملونات معظم زبائنها، إن الوضع السياسي «حاضر دائماً» في جلساتها. لقد أصبح التعصب صريحاً أكثر ومقبولاً أكثر، كما تقول، وهو شيء يشعر به مرضاها في حياتهم اليومية.
وفي أبريل 2017، سافرتُ إلى ضواحي أتلنتا (ولاية جورجيا) لتغطية الانتخابات الخاصة في الدائرة السادسة للكونجرس. وكان الالتقاء هناك بنساء كان انتخابُ ترامب قد شكّل صدمةً قويةً لهن دفعتهن للعمل السياسي المستمر، مما أشعرني بالتفاؤل لأول مرة هذا العام. أولئك النسوة كن في نهاية المطاف السببَ في أن الدائرة الانتخابية التي كان يمثّلها ذات يوم الجمهوري نيوت غينغريتش، باتت ممثَّلة من قبل ديمقراطية في مجلس النواب، هي لوسي ماكباث. ومؤخراً، عدتُ للتواصل مع امرأة كنت قد التقيتها هناك، وهي جندية سابقة في الجيش وأم لثلاثة أبناء تدعى كيتي لاندزمان.. فوجدت أنها تشعر باليأس. «الأمر أشبه بمشاهدة شخص تحبه يموت جراء مرض خبيث»، هكذا قالت لي متحدثة عن بلدنا، مضيفة: «في كل يوم، لديك رغم كل شيء، ذاك القليل من الأمل بغض النظر عما يحدث، سيظل لديك دائماً ذاك القليل من الأمل بأن كل شيء سيصبح على ما يرام من جديد، غير أنه في كل يوم يبدو كما لو أننا نبتلي بشيء آخر». وفي بعض الصباحات، تتابع لاندزمان، يكون من الصعب النهوض من السرير. «إن هذا لا يبدو اكتئاباً، بل يبدو أقرب إلى الحزن».
*كاتبة وصحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/12/13/opinion/sunday/trump-democracy.html
وأعتقدُ أنني بدأت منذ بعض الوقت أعيش «حزن الديمقراطية». فبالنسبة لأي شخص مثلي، وُلد بعد تمكّن حركة الحقوق المدنية من جعل الديمقراطية في أميركا حقيقةً معاشة، يعلم أن الديمقراطية الليبرالية كانت على الدوام جزءاً من المناخ، ومن السهل اعتبارها من المسلَّمات، تماماً على غرار الهواء النظيف أو تغير المواسم. ولهذا، فعندما أفكر في نوع الأوليغارشية غير الليبرالية التي ستنتظر أطفالي في حال فاز دونالد ترامب بولاية رئاسية أخرى، يبدو لي حجم الخسارة كبيراً، لدرجة أنني بالكاد أستطيع استيعابه.
بعد انتخاب ترامب، أصدر عدد من المؤرخين والعلماء والساسة كتباً تشرح «كيف تموت الديمقراطيات»، كما جاء في عنوان أحدها. ومنذ ذلك الحين، مات من الأشياء حتى الآن ما يبعث على الذهول. ورغم أنه بات من شبه المؤكد مساءلة الرئيس في مجلس النواب بتهمة ابتزاز أوكرانيا، قصد مساعدته على إعادة انتخابه، فمن المؤكد أيضاً أنه ستتم تبرئة ساحته في مجلس الشيوخ، وهو تأكيد ضمني بأنه فوق القانون. وفي الأثناء، يعمل وزيره في العدل على تأجيج الصراع الحزبي، ويبعد الموظفين المهنيين مستبدلاً إياهم بالأتباع والموالين، وتُملأ المحاكم بشباب يميني مؤدلج.
في كتاب «كيف تموت الديمقراطيات»، يصف ستيفن ليفتسكي ودانييل زيبلات (وهما من جامعة هارفرد)، كيف «جُلب حكامُ اللعبة الديمقراطية (في الديمقراطيات التي تحتضر) إلى صف الحكومة، فأمدّوا الشخص الذي في السلطة بدرع ضد التحديات الدستورية وبسلاح قوي (قانوني) ليهاجم به خصومه». وهذا تقريباً ما يحدث اليوم.
فقد تميزت كل رئاسة ترامب بالقلق والغضب، بالنسبة للكثير. وفي الآونة الأخيرة لاحظتُ درجة محبِطة من الخوف، بل وحتى الاكتئاب، وهو ما يمكن للمرء أن يلمسه على شبكة الإنترنت متمثلاً في سلبية بعض الليبراليين الذين يعلنون على تويتر أن ترامب سيفوز بإعادة الانتخاب. وفي صحيفة «واشنطن بوست»، وصف مايكل جيرسون، وهو كاتب خطابات سابق لجورج دبليو. بوش وأحد أعضاء «حركة أوقفوا ترامب» المحافظة، معاناته الروحية ضد مشاعر اليأس السياسي؛ إذ قال: «أستطيع أن أؤكد أن الإصابة بهذا النوع من اللايقين المحزن لفترات طويلة هي أشبه بقطعة من العذاب».
وقد اتصلتُ بعدد من الأخصائيين المعالجين، الذين قالوا إنهم يرون هذا الحزن الذي يعزى إلى السياسة في مرضاهم. فقبل ثلاث سنوات، تقول كارن ستار، وهي طبيبة نفسية تزاول عملها في نيويورك، كان بعض المرضى لدي «في حالة قلق»، لكن ذلك تحول إلى «شعور مزمن يقع على حدود اليأس». وتضيف ستار: «إن الأمر يتعلق بهذا الشعور العام، بأن المؤسسات التي نعتمد عليها من أجل حمايتنا قد تفشل».
ومن جانبها، قالت لي «كيمبرلي غروتشر»، وهي معالجة نفسية تعمل في كل من نيويورك وجنوب فلوريدا، وتشكّل النساء الملونات معظم زبائنها، إن الوضع السياسي «حاضر دائماً» في جلساتها. لقد أصبح التعصب صريحاً أكثر ومقبولاً أكثر، كما تقول، وهو شيء يشعر به مرضاها في حياتهم اليومية.
وفي أبريل 2017، سافرتُ إلى ضواحي أتلنتا (ولاية جورجيا) لتغطية الانتخابات الخاصة في الدائرة السادسة للكونجرس. وكان الالتقاء هناك بنساء كان انتخابُ ترامب قد شكّل صدمةً قويةً لهن دفعتهن للعمل السياسي المستمر، مما أشعرني بالتفاؤل لأول مرة هذا العام. أولئك النسوة كن في نهاية المطاف السببَ في أن الدائرة الانتخابية التي كان يمثّلها ذات يوم الجمهوري نيوت غينغريتش، باتت ممثَّلة من قبل ديمقراطية في مجلس النواب، هي لوسي ماكباث. ومؤخراً، عدتُ للتواصل مع امرأة كنت قد التقيتها هناك، وهي جندية سابقة في الجيش وأم لثلاثة أبناء تدعى كيتي لاندزمان.. فوجدت أنها تشعر باليأس. «الأمر أشبه بمشاهدة شخص تحبه يموت جراء مرض خبيث»، هكذا قالت لي متحدثة عن بلدنا، مضيفة: «في كل يوم، لديك رغم كل شيء، ذاك القليل من الأمل بغض النظر عما يحدث، سيظل لديك دائماً ذاك القليل من الأمل بأن كل شيء سيصبح على ما يرام من جديد، غير أنه في كل يوم يبدو كما لو أننا نبتلي بشيء آخر». وفي بعض الصباحات، تتابع لاندزمان، يكون من الصعب النهوض من السرير. «إن هذا لا يبدو اكتئاباً، بل يبدو أقرب إلى الحزن».
*كاتبة وصحفية أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/12/13/opinion/sunday/trump-democracy.html