اختارت مجلة «تايم» الأميركية الناشطة السويدية من أجل المناخ» غريتا تونبرغ» شخصية العام 2019، وعنونت على صفحتها الأولى «قوة الشباب». وهذه السويدية البالغة من العمر 16 عاماً أصبحت رمزاً للتحرك من أجل محاربة التغير المناخي عبر العالم، وجمعت ملايين المناصرين لقضيتها، لكنها لم تحصل على جائزة نوبل للسلام بعدما تم تداول اسمها كثيراً في المنابر الإعلامية العالمية.
كانت جريتا تونبرج مجرد فتاة تعتصم أمام مبنى برلمان ستوكهولم، مجهولة الهوية قبل عام فقط، لكنها أصبحت عنواناً للضمير الإنساني المعني بالمناخ العالمي، وباتت تجسد أصوات الجيل الجديد من البشر الغاضب إزاء النفاق الدولي في هذا المجال وتقاعس الدول والمؤسسات عن تحمل مسؤولياتها.
وبدأت تونبرغ نشاطها بـ«الإضراب المدرسي من أجل المناخ»، مسلحةً فقط بلافتة من الكرتون. وسرعان ما جذبت اهتمام الإعلام السويدي ثم العالمي، وبعد أشهر باتت هذه الفتاة التي تعاني من متلازمة آسبرغر بمثابة رمز للدفاع عن الكوكب الأزرق.
وكما أن الشباب من كافة أنحاء العالم تظاهروا تحت راية قضية المناخ التي رفعتها تونبرج، ونزل الملايين منهم في سبتمبر الماضي، قبيل قمة الأمم المتحدة في نيويورك، والتي توجهت إليها تونبرغ عبر السفينة لتفادي تلويث البيئة بالتنقل عبر الطائرة. وفي تلك المدينة الأميركية، قالت تونبرغ لأقوى قادة العالم: «كيف تجرؤون؟ سرقتم أحلامي وطفولتي بكلامكم الفارغ». قد تكون محبوبة ومكروهة في الوقت نفسه، لكن تونبرغ أسهمت في جعل مسألة التغير المناخي مسألة طارئة وفي صلب الاهتمام العالمي.
ومع ازدياد عدد السكان في العالم، يكثر الحديث عن التغير المناخي الذي يعرّفه المختصون بأنه اختلال في الظروف المناخية المعتادة كالحرارة وأنماط الرياح والأمطار التي تميز كل منطقة على الأرض، علما بأن هذه التغيرات تحصل بسبب رفع النشاط البشري لنسب الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي الذي بات يحبس المزيد من الحرارة. فكلّما اتبعت المجتمعات البشرية أنماط حياة أكثر اعتماداً على الآلات، احتاجت إلى مزيد من الطاقة. وارتفاع الطلب على الطاقة يعني حرق المزيد من الوقود الأحفوري (النفط، الغاز، الفحم)، وبالتالي رفع نسب الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي. وبذلك نساهم نحن البشر في تضخيم قدرة مفعول الدفيئة الطبيعي على حبس الحرارة، ومفعول الدفيئة المضخم هذا هو ما يدعو للقلق. وتشير منظمة كرينبيس إلى بعض العواقب المحتملة من قبيل:
-خسارة مخزون مياه الشفة: في غضون 50 عاماً سيرتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص في مياه الشرب من 5 مليارات إلى 8 مليارات شخص.
- تراجع المحصول الزراعي: من البديهي أن يؤدي أي تغير في المناخ الشامل إلى تأثر الزراعات المحلية وبالتالي تقلص المخزون الغذائي.
- تراجع خصوبة التربة وتفاقم التعرية: إن تغير مواطن النباتات وازدياد الجفاف وتغير أنماط التساقطات المطرية سيؤدي إلى تفاقم التصحر. وتلقائياً سيزداد بشكل غير مباشر استخدام الأسمدة الكيميائية وبالتالي سيتفاقم التلوث السام.
-الآفات والأمراض: يشكل ارتفاع درجات الحرارة ظرفاً مؤاتياً لانتشار الآفات والحشرات، كالبعوض الناقل للملاريا.
- ارتفاع مستوى البحار: سيؤدي ارتفاع حرارة العالم إلى تمدد كتلة مياه المحيطات، إضافة إلى ذوبان الكتل الجليدية الضخمة ككتلة غرينلاند، ما سيرفع مستوى البحر من 0,1 إلى 0,5 متر بحلول منتصف القرن الحالي. هذا الارتفاع المحتمل سيشكل تهديداً للتجمعات السكنية الساحلية وزراعاتها إضافة إلى موارد المياه العذبة قرب السواحل ووجود بعض الجزر التي ستغمرها المياه.
- تواتر الكوارث المناخية المتسارع: إن ارتفاع تواتر موجات الجفاف والفيضانات والعواصف، وغيرها، يؤذي المجتمعات واقتصاداتها.
وقد التزمت الأطراف في اتفاقي باريس ومراكش بالحد من الانبعاثات على المستوى العالمي في أقرب وقت، لكي يتسنى تحقيق التوازن بين الانبعاثات والتعويض عنها في النصف الثاني من القرن. كما التزمت الدول بزيادة جهودها فيما يخص التخفيف وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة. لكن للأسف الشديد تبقى هذه الاتفاقيات الدولية رهينة للتقلبات السياسية في العديد من دول العالم ولطبيعة النظام العالمي الجديد، حيث يتنصل كبار الملوثين من مسؤولياتهم، ما يجعل مستقبل البشرية في خطر.
*أكاديمي مغربي