في كل مرة تبصر عيوننا أبوظبي، نحن القادمين من خارجها، تبدو لنا في ألق جديد، كعروس شابة تتجمل بالحلي والزينة، تتجدد في كل شهر، فلا نكاد نعرفها لتجددها السريع. وفي كل مرة هناك مشروع تواصلي مع العالم، يبث قيم التسامح والتواصل بين الحضارات ويمد يد العون لمن يحتاج للعون، إنها يد المحبة التي امتدت نحو العالم، فغرست في الذاكرة الجمعية أزهاراً بكل ألوان قوس قزح، ورسمت لوحة جميلة للواحات الآمنة التي لن ينساها أحد. ولا شك أن هذا ما كان ليتم لولا القيادة الحكيمة التي تبذل الغالي والنفيس لتكون أبوظبي بهذا الجمال وهذا التقدم. وعندما تكون القيادة من المثقفين، كما هو حال حكام الإمارات الكرام، فلا عجب إذن أن يكون هناك اهتمام كبير خاص بالشؤون الثقافية والفكرية.
تشرفت في الأسبوع الماضي بدعوة كريمة من مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة ومشروع «كلمة» للترجمة فحضرت وشاركت بجهد المقل في فعاليات المؤتمر، وجددنا العهد مع أصدقائنا القدامى واكتسبنا صداقات جديدة سواء من إخوتنا العرب أو من الضيوف الأجانب الذين قدِموا من كل حدب وصوب إلى هذه الاحتفالية الثقافية الكبرى.
إنه الجهد الموصول للسنة السابعة على التوالي بتنظيم من دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، والذي حضره الضيوف من كل أنحاء العالم، شرقاً وغرباً، مؤلفون ومترجمون وناشرون، ووضعت على الطاولة مشكلات النشر والتواصل الثقافي، وسلّط المؤتمر الضوء بصورة أخص على دور المستشرقين في نقل النصوص العربية، الفكرية والفلسفية والأدبية، إلى لغات الغرب. وكان هناك جهد خاص للتركيز على دور الترجمة من العربية وإليها في بناء جسور المحبة بين الثقافات والجهود الخاصة والكبيرة التي بذلتها دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي من خلال مشروع «كلمة» للترجمة. وعبر ثلاثة أيام، وأربع جلسات في كل يوم، وأوراق بحثية وعملية، تم التطرق لما يُترجم وما لا يترجم من اللغة العربية وإليها وواقع الترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى والصعوبات التي تواجه هذا المنحى، وكانت هناك جهود كبيرة للمتحدثين لتسليط الأضواء على دور المستشرقين في حركة الترجمة من العربية، خصوصاً في القرنين التاسع عشر والعشرين وإلى يومنا هذا، وكان هناك استعراض دقيق ظهر في عدة أوراق للدور الذي لعبته دور النشر العالمية الكبرى في ترجمة الأدب العربي، واستعراض للتجارب المؤثرة في الترجمة من العربية واستنطاق التحديات وسبل تطوير الترجمة من العربية ونقل تراثها إلى العالم.
أمر آخر كان من صميم اهتمام مؤتمر أبوظبي الدولي للترجمة، ألا وهو تطوير قدرات المترجمين الشباب ودعم الجيل القادم لمواصلة مسيرة نقل الثقافة والعلوم والفنون من وإلى اللغة العربية، وإعداد المترجمين في مختلف المجالات ، وربط المترجم المحترف مع المترجم الجديد بإشراك الطرفين في عمل واحد يقوم فيه المترجم المحترف بمراجعة إنتاج المترجم الجديد وإخراجه كعمل مشترك.
أبوظبي، كعادتها، تبعث الأمل في حركة إحيائية شاملة للثقافة العربية وللفكر العربي وللترجمة.
*كاتب سعودي