في إحدى الأمسيات، قبل ما يقرب من عقدين من الزمان، حللت ضيفا على برنامج «كروس فاير» الذي تذيعه شبكة «سي إن إن»، وكان أمامي عضو الكونجرس الديمقراطي (الذي لم يعد في منصبه بعد أن فضح نفسه مرارا وتكرارا بإرسال«رسائل جنسية»). كنا هناك لمناقشة اغتيال إسرائيل لزعيم «حماس» في غزة. لقد قتلوه، ولكن من خلال «قصفهم الدقيق» لمنطقة مكتظة بالسكان، قتلت إسرائيل أيضا عشرات آخرين، كانت جريمتهم الوحيدة أنهم فلسطينيون وموجودون في المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ.
وعندما سُئل عن رأيه في الهجوم الإسرائيلي، بدأ عضو الكونجرس بقول إنه «أمر مؤسف»، لكنه بعد ذلك أضاف قائلاً: «أحيانا يتعين علينا القيام بأشياء مثل هذا». ولم أستطع مقاومة سؤاله ما الذي يعنيه بقوله «نحن؟» وذكّرته بأنه عضو كونجرس أميركي، وليس متحدثا باسم الحكومة الإسرائيلية.
وبالعودة إلى الموضوع المطروح، أوضحت نقطتين، الأولى تتعلق بـ «التفجيرات الدقيقة» والأخرى بحماقة وفجور دائرة العنف برمتها.
لأننا كنا جالسين على المنصة أمام جمهور حي، أشرت إلى فردٍ جالس في منتصف المسرح ولاحظت أنني إذا استهدفت هذا الشخص بنفس نوع القنبلة الهائلة التي استخدمتها إسرائيل في الهجوم، فإن جميع من حول هذا الشخص سيموتون.
ومن هذا المنطلق، ما الذي فعله سلاح الجو الإسرائيلي؟ لم يكن مختلفا عما يفعله الإرهابي. فكلاهما يقتل المارة الأبرياء الذين يتصادف وجودهم في المكان الخطأ، وفي الوقت الخطأ. وكلاهما يستخدم قوة قاتلة مع اعتقاد خاطئ بأنهم «يلقنون العدو درسا»، وهو التعريف الكلاسيكي للإرهاب: استخدام القوة ضد الأبرياء لإثارة الخوف من أجل دفع أجندة سياسية.
واستطردت قائلا: إنني كنت أتمنى أن أشاهد زعيم حماس عندما أرسل رجاله في مهمتهم القاتلة أو عندما أمر الضابط الإسرائيلي طياريه لتنفيذ مهمتهم. هل تعتقد حماس حقا إن المهاجم الانتحاري سيعجّل بنهاية الاحتلال؟ وهل كان القائد الإسرائيلي يعتقد أن عمليات القتل التي يأمر بتنفيذها ستعجّل بمقاومة الاحتلال؟ بعد عقود من دوامة العنف المجنونة، هل أمكنهم تجاهل الحقيقة؟
أتذكر هذا النقاش، لأنه بعد مرور عقدين، وإسرائيل ما زالت تعتقد أنه بسبب امتلاكها قوة ساحقة، يمكن أن تستخدمها مع الإفلات من العقاب وتحقيق النتيجة المرجوة –أن تسحق المقاومة لاحتلالها. إن قتلهم زعيم «الجهاد الإسلامي»، أدى فقط إلى جلب نيران الصواريخ الانتقامية من غزة. وكما يمكن أن يكون متوقعا، فقد ردت إسرائيل بعد ذلك بقصف مكثف لغزة، لتقتل العشرات، من بينهم أسرة فلسطينية تضم عددا من الأطفال الصغار سقطوا صرعى.
وإذا كان التاريخ يقدم درسا فلن تكون هذه نهايته. فحركة «الجهاد الإسلامي»، بلا شك، تخطط للانتقام وستستمر الدورة. ولكن، ومن الضروري أن نسأل: «إلى أي حد؟» يتأكد أن الانتقام أو الغضب الناجم عن اليأس ليس استراتيجية سياسية ولن ينهي الحكم الإسرائيلي القمعي، تماما كما أن استخدام إسرائيل غير المتناسب للعنف لن يجبر الفلسطينيين على القبول بسياسة تل أبيب الوحشية.
والأمر المحبط بنفس القدر هو ردود الأفعال الأميركية على «الاستمرار في هذه الممارسات حتى الموت» من قبل الإسرائيليين والفلسطينيين. واستجابة للمأساة التي وقعت هذا الأسبوع، ردت الصحافة الأميركية والقيادة السياسية على الفور بتعبيرات مألوفة من الدعم: «لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها» متجاهلين حقيقة أن هذه الجولة من العنف، مثل جولات كثيرة غيرها، بدأت باغتيال إسرائيلي وانطوت في النهاية على تفجيرات أودت بأرواح الأبرياء الفلسطينيين. هذا ليس دفاعاً عن النفس. إنه إرهاب وجريمة.
ومما يبعث على القلق بنفس القدر أن التعليقات التي أبداها البعض في وسائل الإعلام العربية التي ما زالت تشير إلى «الجهاد الإسلامي» و«حماس» باعتبارهما «المقاومة». والتفجيرات الانتحارية التي حدثت في الماضي لم تكن مقاومة – لقد كانت أعمال إرهاب وقتل. والصواريخ التي تُطلق اليوم تلقائيا عبر الحدود لا يمكن تصنيفها أيضا على أنها مقاومة. والغرض الوحيد منها هو إثارة الخوف بين المدنيين وإعطاء إسرائيل الفرصة للرد عليه بشكل قاتل، لذا فإن هذه الصواريخ هي أيضا انتحارية وأسلحة إرهابية.
إن كلا من الإسرائيليين وبعض الجماعات الفلسطينية، ومؤيديهم يمكنهم السعي لتبرير أو حتى تمجيد الحماقة، لكن الحقيقة المرة تخبرنا بعكس ذلك. إن «الدفاع عن النفس» لا يعني قتل الناس من الجو. و«المقاومة» لا تعني إلقاء الصواريخ عبر الحدود، لا سيما، نظرا للاأخلاقية عدوك، عندما تستفزهم فقط لجلب المزيد من الموت والدمار لشعبكم.
بعد عقود من هذا، حان الوقت لرؤية جديدة واستراتيجية جديدة من أجل تحدي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي القمعي وإنهاء دورة العنف. ومن أجل هذا يجب أن تثوب الفصائل الفلسطينية إلى رشدها وتدرك أن ما تفعله سيؤدي إلى طريق مسدود. وحتى تفعل ذلك، فإن دائرة العنف ستستمر، بما في ذلك العنف المتأصل في الاحتلال الإسرائيلي الوحشي.
*رئيس المعهد العربي الأميركي - واشنطن