أعرب البيت الأبيض في بيان عن قلق الولايات المتحدة الأميركية إزاء استمرار الهجمات من جانب قوات الأمن ضد المتظاهرين ونشطاء المجتمع المدني والإعلام في العراق، وكذلك القيود المفروضة على شبكة الإنترنت. وقال البيان إن العراقيين لن يقفوا مكتوفي الأيدي بينما يستفيد آخرون من موارد بلادهم وتستخدمها المجموعات المسلحة وحلفاؤها السياسيون. وأكد البيان الرئاسي الأميركي أن الولايات المتحدة تنضم إلى بعثة الأمم المتحدة في العراق في الدعوة التي وجهتها إلى الحكومة العراقية مطالِبةً إياها بوقف العنف ضد المتظاهرين وإجراء انتخابات مبكرة، داعياً (البيان) المجتمع الدولي إلى الانضمام إلى واشنطن من أجل العمل على بناء مستقبل أفضل للشعب العراقي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تأخر التحرك الأميركي تجاه العراق، رغم مرور شهر على المظاهرات التي راح ضحيتها حتى الآن أكثر من 350 شهيداً و15000 جريح حسب تقديرات الأمم المتحدة؟
يبدو أن الإدارة الأميركية الحالية تواجه مشاكل داخلية تتعلق بالانتخابات الرئاسية المقبلة وبالاتهامات المثارة من جانب «الحزب الديمقراطي» ضد الرئيس دونالد ترامب، والتي تزعم تجاوزه القوانين عبر اتصالاته بالرئيس الأوكراني فيما يخص جو بايدن ونجله. الرئيس ترامب لا يود الزج بأي قوات أميركية جديدة في مناطق الصراع في العالم، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، لأنه مقبل على انتخابات جديدة العام المقبل.
والأمر المؤكد بالنسبة لنا هو أن الولايات المتحدة هي أحد الأطراف المسؤولة عن تدهور الأمور في العراق، فهي التي حلت الجيش العراقي السابق، وهي التي صاغت الدستور العراقي الحالي، وهي التي منحت الأكراد مناطق شبه مستقلة، وسلمت الحكم للأحزاب الشيعية الطائفية ذات الأجندة الإقليمية، ومنحت دولا أخرى موقعاً قوياً داخل العراق وفي خريطته السياسية.
وربما لم تكن الولايات المتحدة عازمة على التدخل أو إصدار بيان عن العراق لولا مبادرة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الرامية لاتخاذ خطوات تدعو للتهدئة، وإجراء انتخابات جديدة، وتغيير الدستور والنظام الانتخابي، وتغيير الهيئة العليا للانتخابات.
وأخيراً نتساءل: هل تدعم الولايات المتحدة المطالب الشعبية التي عبّر عنها المحتجون العراقيون في تظاهراتهم الكبيرة وتضحياتهم الوطنية الجسيمة المطالِبة برفض نظام المحاصصة الطائفية الذي فشل منذ استلامه للسلطة من الولايات المتحدة عقب غزوها للبلاد في عام 2003؟
الولايات المتحدة وبعض خصومها الإقليميين في المنطقة، هم مَن يهيمن على العراق، وكل منهم لديه مصالحه الخاصة في بلاد الرافدين، مما أدى إلى إفقار الشعب العراقي وتمزيق نسيجه الاجتماعي.
واليوم فإن المطلوب من جميع الدول المحبة للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم هو احترام إرادة الشعب العراقي كما يعكسها حراكه الاحتجاجي الراهن، إذ من حق العراقيين وحدهم تحديد مستقبل العراق.
نتمنى الأمن والاستقرار لهذا البلد المنكوب، بعيداً عن التدخلات الإقليمية والدولية.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت