تسير سريلانكا نحو إجراء انتخابات رئاسية، في مناورة حيوية بعد شهور من عدم الاستقرار السياسي. ودخلت الانتخابات مرحلتها النهائية، وسيجري اختيار رئيس جديد الأسبوع المقبل. والانتخابات مثيرة للشقاق، ونتيجتها سترسم الاتجاه الذي ستمضي فيه البلاد قدماً. وهناك 35 مرشحاً يتنافسون في هذه الانتخابات، لكن أبرز المرشحين هم مرشح حزب «الجبهة الشعبية» السريلانكية، «غوتابايا راجاباكسا»، ونائب زعيم حزب «الجبهة الوطنية المتحدة» الحاكم ساجيث بريماداسا كمرشح عن «الجبهة الوطنية الديمقراطية».
و«راجاباكسا» معروف جيداً داخل الهند وخارجها، كما أنه معروف بإثارته للجدل. وكان قد شغل منصب وزير الدفاع خلال رئاسة شقيقه الأكبر «ماهيندا راجاباكسا». واضطلع بدور مهم في العملية العسكرية التي شنتها الحكومة، وأدت إلى إنهاء الحرب الأهلية السريلانكية عام 2009 بعد 25 عاماً من القتال. ويواجه «راجاباكسا» تهماً بارتكاب جرائم خلال المرحلة الأخيرة من الحرب مع جماعة التاميل الانفصالية عام 2009. كما اُتهم بمحاولة تكميم وسائل الإعلام، حتى لو كلفه الأمر استخدام العنف. وبالرغم من هذه المزاعم، يُنظر إليه باعتباره مرشحاً قوياً. ويشتهر عنه الحسم والقوة كزعيم. ويعد «راجاباكسا» بتطوير اقتصادي، وهاجم الحكومة المنتهية ولايتها لفشلها في منع هجمات «أحد السعف» الإرهابية، وحماية كبار الضباط العسكريين من الاضطهاد. ويركز «راجاباكسا» حملته الانتخابية على كسب تأييد الأغلبية السنهالية التي تشكل 70% من سكان الجزيرة.
وصرح الرئيس السابق «ماهيندا راجاباكسا» أن هذه الانتخابات الرئاسية ستكون بمثابة استفتاء على الانتخابات البرلمانية العام المقبل. وأعلن الرئيس السابق أن الانتخابات البرلمانية ستتم على الفور إذا فاز «غوتابايا» بالرئاسة. وربما تكون هذه هي المرة الأولى التي لا ينافس فيها رئيس حالي ولا رئيس وزراء ولا زعيم للمعارضة في الانتخابات الرئاسية. ولا ينافس في هذه الانتخابات أيضاً أحد الحزبين السياسيين الرئيسيين في البلاد وهو «حزب الحرية».
والمرشح الآخر في هذه الانتخابات هو «ساجيث بريماداسا»، نجل الرئيس الراحل «راناسينجي بريماداسا»، هذا الأخير اغتاله انتحاري تاميلي عام 1993. ووعد «ساجيث بريماداسا» بالتنمية الاقتصادية للجميع، ووعد بإعادة بناء الاقتصاد بالإضافة إلى توفير وظائف جيدة للشباب السريلانكي. ويعتقد أن له شعبية كبيرة وسط جماعة التاميل والأقليات المسلمة.
وشهدت سريلانكا، وهي تتمتع بموقع استراتيجي في المحيط الهندي، حالة من الهدوء بعد قرابة ثلاثة عقود من الحرب الأهلية التي أودت بحياة أكثر من 70 ألف شخص. ففي عام 2009، ألحقت القوات المسلحة السريلانكية الهزيمة بجماعة «نمور تحرير التاميل –إيلام»، التي شنت حملة عسكرية من أجل وطن منفصل للتاميل. لكن في السنوات القليلة الماضية، شهدت سريلانكا عدم استقرار سياسي نتيجة للتناحر الداخلي بين قادتها السياسيين. كما عانت البلاد من تفجيرات «أحد السعف» المروعة في أبريل من هذا العام، استهدفت ثلاث كنائس وثلاثة فنادق فاخرة في العاصمة التجارية كولومبو، في سلسلة من التفجيرات الانتحارية الإرهابية المنسقة. وقُتل نحو 259 شخصاً في تلك الهجمات التي نفذها سبعة مفجرين انتحاريين من مواطني سريلانكا المنتمين إلى منظمة دينية متطرفة.
وأدت الهجمات الإرهابية أيضاً إلى انقسام داخل النظام السياسي السريلانكي. ومنذ نحو ستة أشهر، أقال الرئيس الحالي «سريسينا»، رئيس الوزراء «رانيل فيكراما سينغاي» بسبب مؤامرة اغتيال مزعومة ضده. وقد سعى إلى استبداله بالرئيس السابق «ماهيندا راجاباكسا» موضحاً أنه ليس لديه خيار سوى إقالة رئيس الوزراء، لأن أحد أعضاء مجلس الوزراء كان يخطط لمؤامرة لاغتياله. لكن المحكمة العليا السريلانكية تدخلت وأعادت في نهاية المطاف «فيكراما سينغاي»، الذي كان يتمتع بأغلبية في البرلمان إلى منصبه.
وعلينا أن ننتظر الآن حتى نرى ما إذا كانت الانتخابات ستأتي بحكومة قوية. وهناك تحديات كثيرة تواجه الحكومة الجديدة من تحفيز الاقتصاد السريلانكي إلى التوصل إلى قرار بشأن ديون البلاد الضخمة للصين. ويتعين على المرشح الفائز الحصول على 50% من الأصوات. لكن إذا فشل أي من المرشحين الأوفر حظاً في الحصول على هذه النسبة المطلوبة من الأصوات للحصول على أغلبية مطلقة، فقد يتأخر ظهور النتائج.
ولا شك في أهمية هذه الانتخابات لسريلانكا، كونها ستحدد الاتجاه الذي ستتبعه البلاد. وتعني أيضاً بداية حقبة جديدة مع تولي جيل جديد من القادة مقاليد الأمور. والهند- وهي أكبر دولة في جنوب آسيا- ستراقب نتائج الانتخابات عن كثب مع التركيز على ما إذا كان النظام الجديد سيتقارب مع الصين على حساب الهند. وبالتالي، من الواضح أن هذه الانتخابات ليست ضرورية لسريلانكا فحسب، بل مهمة للغاية للهند أيضاً.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية - نيودلهي.