من المؤكد أن الإعلان عن مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم «داعش» أشاع راحة في الكثير من الأوساط، سواء على المستوى الشعبي أو على المستوى الرسمي، كما أفرد مساحة للبهجة، لكنها مؤقتة كما أرى، إذ لا نعرف بالضبط ما الذي ستحمله الأيام، وما الذي ستؤول إليه الأمور.
لقد تطلبت مسألة القضاء على البغدادي الكثير من الوقت والعمل والتخطيط الاستخباراتي، خاصة، وأنه كان أبرز الشخصيات التي تتصدر لائحة أخطر الإرهابيين. وبعملية نوعية أعلن عن بعض تفاصيلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تم القضاء عليه مع عدد من مرافقيه. لكن ما حدث وما تم الإعلان عنه يستلزم منّا إعادة قراءة بعض المعلومات المهمة، ومن بينها وجود البغدادي مع عدد من مؤيديه ومريديه والتابعين له في منطقة إدلب، وهي الواقعة أصلاً ضمن سيطرة القوات التركية وأجهزتها الاستخباراتية، ولن أقول إن الأمر يمثل لغزاً، إنما ثمة رابط بين مسألتين مهمتين تتمثل الأولى بوجوده في تلك المنطقة بالذات وتدخّل الجانب الأميركي للقضاء عليه، والثانية لها علاقة بقوات «سوريا الديمقراطية» التي اضطرت للانسحاب من المنطقة التي كانت تسيطر عليها في الشمال السوري إثر غض الجانب الأميركي النظر عن ضربها من قبل قوات من الجيش التركي، وكأن ما حدث يمثل اتفاقاً ضمنياً تمّ بين الأميركيين والأتراك.
ومع ذلك، وبانتظار ما ستكشفه لنا الأيام من خبايا، فإن قتل البغدادي يعتبر دليلاً إيجابياً على نجاعة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وشركاؤها في التضييق على هذا التنظيم الأكثر دموية في عصرنا الحالي، لكن يبقى الخطر الأكبر متمثلاً في الفكر «الداعشي»، فكيف يمكن القضاء عليه طالما أنه غير مجسد، وما يزال حبيس بعض العقول؟
إن هذه المسألة المهمة للغاية ما تزال محط دراسة وتحليل في الدول الغربية بالتحديد، تلك التي ينتمي إليها عدد غير قليل من أفراد وأنصار تنظيم «داعش» على الرغم من أن بعضهم لم يكونوا قبل انضوائهم تحت لواء ذلك التنظيم ينتمون إلى الإسلام على الإطلاق، وليست لهم علاقة به، لا من قريب ولا من بعيد.
ودائماً أطرح ذات السؤال: كيف تمكّن هذا التنظيم من السيطرة على شخصيات جذورها بالكامل غير عربية وغير مسلمة واستقطبهم إلى جانبه؟ وهل بالمال وحده تم إغراء عدد كبير من الأجانب غير المسلمين وتجنيدهم؟ وما مدى صحة النظرية التي تقول إن الضياع الذي يعيشه البعض في الغرب يدفعهم للانضمام إلى أي مجموعة تحقق لهم ذواتهم وتمكّنهم من ملء الفراغ النفسي أو الروحي الذي يعيشونه؟ ثم من أين يستمد هذا التنظيم قوته التي يمتلكها في التحرك حتى يومنا هذا خاصة أن كل شيء «مراقب»؟
بالتأكيد إن «داعش ليس مجرد صفحة وعلينا طيّها إثر مقتل زعيمها البغدادي، بل هي أكبر من ذلك بكثير، ولا شك أن المجتمع الدولي مؤمن بأن غياب تلك الشخصية عن المشهد لا يعني بأي حال من الأحوال أن جذور التنظيم قد اقُتلعت لا سيما وأنه أعلن عن تنصيب زعيم جديد له. وهذا يحيلنا إلى تنظيم القاعدة الذي فقد رأسه ممثلاً بأسامة بن لادن، وأجنحته ممثلة بالزرقاوي وأبو الفرج اليمني وعاصم عمر وغيرهم من العناصر الخطرة، لكنه ظل كتنظيم ينمو برأس جديدة ويكبر ويتمدد ويتشيطن أكثر.
ولأن ما تبقى من «داعش» ليس مجرد فلول، إنما جيش تعداد أفراده حوالي 12 ألفاً وفق تقديرات المخابرات الأميركية، وهذا «الجيش» يملك ثروات مالية يقدرها البعض ب300 مليون دولار راكمها بالاستيلاء على بترول واحتياطي الذهب في المناطق الشاسعة التي سيطر عليها منذ عام 2014، إلى جانب ما يملك من خبرات في مختلف المجالات، وعلى رأسها العسكرية والإعلامية، فهو ما يقود استخبارات الدول الكبرى إلى التعامل مع ذلك التنظيم بكثير من المسؤولية لأن خطره لا يزال قائماً ومستمراً. لكن توجد في المقابل مسؤوليات وأدوار أخرى لا بد أن تتوزع بين الدول المعنية بها، أي بين الدول التي ينتمي عناصر «داعش» إليها كي لا يُسمح لأي جهة أو دولة اللعب بتلك الورقة.
بالطبع أنا لا أفسد الفرحة على أولئك الذين عانوا بحق من «داعش» وجورها وجرائمها، وأياً يكن فإن العالم أفضل بعدم وجود البغدادي ومن يشبهه، ولعل نهايته تلك تكون عبرة لكل سائر على دربه. لكني في الآن ذاته لا أريد لأي أحد أن يفرط في تفاؤله، ويردد مقولات ليس هي في الحقيقة إلا مخدراً له. فالإرهاب لا يحتضر كما يُشاع، و«داعش» لم يمت بموت زعيمه، والحقيقة أن الدول كلها على صفيح ساخن، وخطر التنظيمات المتطرفة موجود دائماً، وبالتالي فإن القضاء على رؤوس التنظيمات الإرهابية يضعفها من الداخل ويدفعها إلى التمزق، لكنه في الوقت ذاته يمكّنها من الانشطار لتتحول إلى مجموعات صغيرة قد تكون خلايا نشطة بين حين وآخر، أو نائمة لن تستيقظ إلا عندما يحين الوقت الذي تختاره لتحركها، وفي المكان الذي تعتبره مناسباً لنشاطها وللقيام بعملياتها الإرهابية، لنصحو مجدداً على إجرام قد يكون أشد عنفاً وقسوة مما سبقه ويحصد أرواح مواطنين أبرياء، ومن يدري ما الصورة الجديدة لأي تنظيم إرهابي من المحتمل صعوده في أي وقت.
لقد تطلبت مسألة القضاء على البغدادي الكثير من الوقت والعمل والتخطيط الاستخباراتي، خاصة، وأنه كان أبرز الشخصيات التي تتصدر لائحة أخطر الإرهابيين. وبعملية نوعية أعلن عن بعض تفاصيلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تم القضاء عليه مع عدد من مرافقيه. لكن ما حدث وما تم الإعلان عنه يستلزم منّا إعادة قراءة بعض المعلومات المهمة، ومن بينها وجود البغدادي مع عدد من مؤيديه ومريديه والتابعين له في منطقة إدلب، وهي الواقعة أصلاً ضمن سيطرة القوات التركية وأجهزتها الاستخباراتية، ولن أقول إن الأمر يمثل لغزاً، إنما ثمة رابط بين مسألتين مهمتين تتمثل الأولى بوجوده في تلك المنطقة بالذات وتدخّل الجانب الأميركي للقضاء عليه، والثانية لها علاقة بقوات «سوريا الديمقراطية» التي اضطرت للانسحاب من المنطقة التي كانت تسيطر عليها في الشمال السوري إثر غض الجانب الأميركي النظر عن ضربها من قبل قوات من الجيش التركي، وكأن ما حدث يمثل اتفاقاً ضمنياً تمّ بين الأميركيين والأتراك.
ومع ذلك، وبانتظار ما ستكشفه لنا الأيام من خبايا، فإن قتل البغدادي يعتبر دليلاً إيجابياً على نجاعة الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وشركاؤها في التضييق على هذا التنظيم الأكثر دموية في عصرنا الحالي، لكن يبقى الخطر الأكبر متمثلاً في الفكر «الداعشي»، فكيف يمكن القضاء عليه طالما أنه غير مجسد، وما يزال حبيس بعض العقول؟
إن هذه المسألة المهمة للغاية ما تزال محط دراسة وتحليل في الدول الغربية بالتحديد، تلك التي ينتمي إليها عدد غير قليل من أفراد وأنصار تنظيم «داعش» على الرغم من أن بعضهم لم يكونوا قبل انضوائهم تحت لواء ذلك التنظيم ينتمون إلى الإسلام على الإطلاق، وليست لهم علاقة به، لا من قريب ولا من بعيد.
ودائماً أطرح ذات السؤال: كيف تمكّن هذا التنظيم من السيطرة على شخصيات جذورها بالكامل غير عربية وغير مسلمة واستقطبهم إلى جانبه؟ وهل بالمال وحده تم إغراء عدد كبير من الأجانب غير المسلمين وتجنيدهم؟ وما مدى صحة النظرية التي تقول إن الضياع الذي يعيشه البعض في الغرب يدفعهم للانضمام إلى أي مجموعة تحقق لهم ذواتهم وتمكّنهم من ملء الفراغ النفسي أو الروحي الذي يعيشونه؟ ثم من أين يستمد هذا التنظيم قوته التي يمتلكها في التحرك حتى يومنا هذا خاصة أن كل شيء «مراقب»؟
بالتأكيد إن «داعش ليس مجرد صفحة وعلينا طيّها إثر مقتل زعيمها البغدادي، بل هي أكبر من ذلك بكثير، ولا شك أن المجتمع الدولي مؤمن بأن غياب تلك الشخصية عن المشهد لا يعني بأي حال من الأحوال أن جذور التنظيم قد اقُتلعت لا سيما وأنه أعلن عن تنصيب زعيم جديد له. وهذا يحيلنا إلى تنظيم القاعدة الذي فقد رأسه ممثلاً بأسامة بن لادن، وأجنحته ممثلة بالزرقاوي وأبو الفرج اليمني وعاصم عمر وغيرهم من العناصر الخطرة، لكنه ظل كتنظيم ينمو برأس جديدة ويكبر ويتمدد ويتشيطن أكثر.
ولأن ما تبقى من «داعش» ليس مجرد فلول، إنما جيش تعداد أفراده حوالي 12 ألفاً وفق تقديرات المخابرات الأميركية، وهذا «الجيش» يملك ثروات مالية يقدرها البعض ب300 مليون دولار راكمها بالاستيلاء على بترول واحتياطي الذهب في المناطق الشاسعة التي سيطر عليها منذ عام 2014، إلى جانب ما يملك من خبرات في مختلف المجالات، وعلى رأسها العسكرية والإعلامية، فهو ما يقود استخبارات الدول الكبرى إلى التعامل مع ذلك التنظيم بكثير من المسؤولية لأن خطره لا يزال قائماً ومستمراً. لكن توجد في المقابل مسؤوليات وأدوار أخرى لا بد أن تتوزع بين الدول المعنية بها، أي بين الدول التي ينتمي عناصر «داعش» إليها كي لا يُسمح لأي جهة أو دولة اللعب بتلك الورقة.
بالطبع أنا لا أفسد الفرحة على أولئك الذين عانوا بحق من «داعش» وجورها وجرائمها، وأياً يكن فإن العالم أفضل بعدم وجود البغدادي ومن يشبهه، ولعل نهايته تلك تكون عبرة لكل سائر على دربه. لكني في الآن ذاته لا أريد لأي أحد أن يفرط في تفاؤله، ويردد مقولات ليس هي في الحقيقة إلا مخدراً له. فالإرهاب لا يحتضر كما يُشاع، و«داعش» لم يمت بموت زعيمه، والحقيقة أن الدول كلها على صفيح ساخن، وخطر التنظيمات المتطرفة موجود دائماً، وبالتالي فإن القضاء على رؤوس التنظيمات الإرهابية يضعفها من الداخل ويدفعها إلى التمزق، لكنه في الوقت ذاته يمكّنها من الانشطار لتتحول إلى مجموعات صغيرة قد تكون خلايا نشطة بين حين وآخر، أو نائمة لن تستيقظ إلا عندما يحين الوقت الذي تختاره لتحركها، وفي المكان الذي تعتبره مناسباً لنشاطها وللقيام بعملياتها الإرهابية، لنصحو مجدداً على إجرام قد يكون أشد عنفاً وقسوة مما سبقه ويحصد أرواح مواطنين أبرياء، ومن يدري ما الصورة الجديدة لأي تنظيم إرهابي من المحتمل صعوده في أي وقت.