قدّم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته، ومن المتوقع أن يقدم رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي استقالته هو الآخر بعد أن يتفق الفرقاء من أعضاء البرلمان العراقي على تسمية رئيس وزراء جديد ليحل محله في المنصب.
واللافت في الاحتجاجات الجماهيرية الحالية في البلدين، هو كونها تجاوزت الخطوط الطائفية التي ابتلي بها كل من العراق ولبنان منذ فترة طويلة، إذ لأول مرة نشاهد وحدة شعبية حقيقية في البلدين، فالشباب المتظاهر أدرك بوعيه الوطني أن السني والشيعي والمسيحي والكردي والدرزي وغيرهم، مواطنون يعيشون ظروفاً مشتركة تتصف بالمعاناة وتتطلب تحسين مستوى معيشتهم جميعاً.
إن المشكلة الرئيسية في البلدين تكمن في طبيعة النظام السياسي الذي يوزع المناصب السياسية العليا وفقاً للطوائف.. ففي العراق بعد عام 2003 احتكرت الأحزاب السياسية الطائفية والميلشيات الشيعية المسلحة السلطة وعزلت شريحة كبيرة من المجتمع العراقي.
والأمر المؤسف أنه سقط في الموجة الأولى من الاحتجاجات المطلبية في العراق، خلال الفترة بين يومي الأول والسادس من شهر أكتوبر المنصرم، نحو 157 قتيلا، بينما سقط في الموجة الثانية من هذه الاحتجاجات، وحتى الآن، أكثر من 100 قتيل.. هذا علاوة على مئات الجرحى في كل من الموجتين.
وما تزال المظاهرات الاحتجاجية في كل من لبنان والعراق مستمرة، ولا تبدو في الأفق حلول أو مخارج سلمية آمنة تنهي الأزمة قريباً في أي من البلدين، حيث يطالب المتظاهرون المحتجون بإحداث تغييرات جذرية في طبيعة نظام الحكم القائم في كل بلد على حدة.
لقد طالب زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، حكومة عبدالمهدي بالاستقالة، محذراً من انزلاق البلاد إلى حرب أهلية، وقائلاً في هذا لشأن: «كفى، لكي لا ينزلق العراق في أتون الفتنة والحرب الأهلية ويتحكم في البلاد والعباد كل فاسد وغريب».
وأعلن الصدر الذي تتبع له كتلة «سائرون»، وهي الكتلة الأكبر في مجلس النواب، اعتصاماً مفتوحاً داخل البرلمان إلى حين إقرار جميع الإصلاحات التي يطالب بها الشعب العراقي.
ويبقى السؤال في هذه الحالة: ما هي نتيجة كل هذه الاحتجاجات؟ وهل يمكن تغيير النظامين بسهولة ومرونة وبالطرق السلمية الديمقراطية؟
من الصعب التكهن الآن بما ستؤول إليه الأمور وبطبيعة التغيرات القادمة في العراق ولبنان.. لكن المؤكد هو أن الأمور فيهما لن تعود لما كانت عليه قبل تاريخ الأول من شهر أكتوبر 2019. ففي البلدين هناك رفض تام للحكومتين، ورفض لكل النواب والكتل البرلمانية الحالية.. بل هناك رفض شعبي قوي لكل الأحزاب والحركات السياسية القائمة أو القديمة جميعاً.
مطالب الشباب لن تتحقق كلها.. لكن من شبه المؤكد أن العلاقة بين الشعب وحكومته ونوابه ستتغير طبيعتها. ولعل انعدام الثقة بين الطرفين، الشعب المحتج والحكومة والبرلمان، يعقّد الأمور أكثر، لاسيما أن من يقود المظاهرات اليوم في البلدين هم شباب لا ينتمون لأحزاب ولا يملكون فكراً أو نهجاً أيديولوجياً محدداً.. لذلك قد يكون كل المطلوب هو انتخابات نزيهة وشفافة تجري بإشراف دولي محايد.
نتمنى أن يتم التغيير الذي يريده اللبنانيون والعراقيون دون إراقة دماء، بل بطريقة سلمية ودون تدخل خارجي.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت