واحد وسبعون عاماً بعد «النكبة» تؤكد أن سياسة «الدولة الصهيونية» القمعية تجاه الفلسطينيين عامة وفلسطينيي 48 خاصة هي ذاتها، بمعزل عمن يتولى رئاسة حكوماتها. فهي سياسة تهدف لمزيد من «الأسرلة» طالما أن الهدف الاستراتيجي لطردهم من بلادهم (كما حصل مع غيرهم من أهلهم في عام 1948) غير ممكن في هذه المرحلة. وفي سياق كهذا، نلحظ أن ثلاث شخصيات بارزة تقود «إسرائيل العنصرية» حالياً هي ضمن من سيتولون العمل على تحقيق هدف الأسرلة في غياب إنجاز هدف «التطهير العرقي»: بنيامين نتنياهو وبيني غانتس وأفيغدور ليبرمان، الذين أثبتت طموحاتهم ومواقفهم أنهم جزء عضوي من حالة عامة تعيشها «الدولة الصهيونية».
أول هؤلاء نتنياهو الذي لقب بـ«الساحر» في العديد من الأدبيات السياسية الإسرائيلية. ففي محاولاته لكسب الأصوات في انتخابات الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سعى نتنياهو إلى شيطنة فلسطينيي 48، حيث «تميزت» الانتخابات الليكودية التي قادها شخصياً بالتحريض الممنهج ضد هؤلاء الأخيرين. وكان قد شوه الحقيقة عن الأحزاب قائلاً ومعمماً: «لا نقبل أن تكون الحكومة مستندة على أحزاب عربية، معادية للدولة، أحزاب ترفض مجرد وجود إسرائيل. أحزاب تعظم وتمجد (المخربين) ممن يقتلون جنودنا، مواطنينا وأولادنا. هذا لا يعقل». وهذه الحملة التحريضية العنصرية التي شنها نتنياهو لم تستهدف فقط نزع شرعية الناخب العربي فحسب، بل جسدت خوفه من إمكانية حصول منافسه الأول حزب «أزرق أبيض» على دعم «القائمة المشتركة» العربية. وبحسب أسرة تحرير «هآرتس»: «لم يحظ غانتس بتأييد يستحقه من جانب القائمة المشتركة، بل جاء ذلك بسبب «حكم نتنياهو الفاسد والمفسد، والذي وسم العرب في إسرائيل بالعدو الداخلي، والطابور الخامس، والمتواطئين الخطرين مع الإرهاب». وأضافت الصحيفة: «واصل نتنياهو عمداً المطابقة بين كفاح الأقلية العربية من أجل المساواة وبين الإرهاب، وكأنهما أمر واحد. هذا تحريض منفلت العقال ودعاية كاذبة ضدهم، إضافة إلى رائحتها العنصرية التي تنم عنها، فإنه يستخدمها كاستراتيجية هدفها منع معسكر الوسط واليسار من تشكيل حكومة!».
ومن جهته، قال المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي فيرتر: «لم نشهد قط معركة انتخابية عنيفة، وكاذبة، وعنصرية، وتحريضية، مثل تلك التي أدارها نتنياهو شخصياً. لقد قام بهجوم جنوني، ومرضي تقريباً، قوامه القفز والأكاذيب على جميع المستويات – الافتراضية والمادية.. ويبدو أن ذلك في دم نتنياهو».
ثانياً، يأتي رئيس «حزب أزرق أبيض»، وهو بيني غانتس، رئيس هيئة الأركان العامة العشرين لجيش «الدفاع»، والمتباهي بتنفيذه مجزرة 2014 ضد قطاع غزة في ظل حكم نتنياهو، والمؤيد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. ولا تختلف أيديولوجية غانتس الصهيونية ومواقفه اليمينية عن مواقف حزب «الليكود»، وهو الذي أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يريد «إقامة حكومة وحدة وطنية» تضم مختلف الأحزاب اليهودية بمشاركة «الليكود» وحزب «إسرائيل بيتنا»، أي حكومة أكثر يمينية. بل إن غانتس نفسه رفض الالتزام علناً بتنفيذ المطالب التي قدمتها «القائمة المشتركة» وفضل تجاهلها، وعلى رأسها مطالب تخص تحسين ظروف العرب، مثل محاربة الجريمة بينهم، وتوسيع رقعة البناء في مدنهم، ووقف مسلسل القوانين العنصرية ضدهم. ثم إن غانتس ربما فاق نتنياهو في التحريض، حين زعم أن الأحزاب العربية «تعمل ضد الدولة ولا تخدم قضايا الناخبين العرب»، وهو الذي استهل حملته الانتخابية متباهياً بقصف قطاع غزة و«إعادتها إلى العصر الحجري». وهو كذلك مؤيد لـ«قانون القومية» الذي يمنح اليهود فوقية عنصرية على جميع الفئات والأقليات الأخرى ويعلن إسرائيل «وطناً قومياً لليهود فقط».
بعد نتنياهو وغانتس يأتي ليبرمان، اليميني المتطرف الذي شغل منصب وزير خارجية إسرائيل في عهد حكومة نتنياهو عام 2009، ووزير الحرب فيها منذ عام 2016 حتى استقالته في عام 2018. وليبرمان هو زعيم «إسرائيل بيتنا»، أي حزب المستوطنين الذي أدار الحملة الانتخابية بتحريضه ضد فلسطينيي 48 على قاعدة «ليس هناك مواطنة دون ولاء». وليبرمان هو القائل إن «حل صراع الدولة اليهودية مع الأقلية العربية أكثر صعوبة من المصالحة مع الفلسطينيين والعالم العربي». واعتبر أن تل أبيب لا يمكنها التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين لا يعالج ما وصفه بـ«الصراع الأكثر تعقيداً مع مواطني إسرائيل العرب». وكما هو معلوم، فإن مسألة إعادة رسم حدود إسرائيل لإبعاد المراكز السكانية العربية الواقعة على الجانب الإسرائيلي «الخط الأخضر» من خلال ضمها لكيان فلسطيني (قادم) هي نقطة رئيسية في سياسات ليبرمان.
هؤلاء الثلاثة، واجهة الزعامة الإسرائيلية اليوم، صنّفهم الكاتب الإسرائيلي «إسحق ليئور» ضمن مجتمع عنصري لا يخص اليمين فحسب، بل الدولة الإسرائيلية بأكملها، فكتب يقول: «المواطنون العرب 20%، يعيشون على 2% من الأراضي السكنية و1% من الأراضي الزراعية. الامتياز اليهودي يحيطهم بالمستوطنات، وحصص مياه والميزانيات.. ولا يوجد لهم سوى النضال كمعارضة بقيادة القائمة المشتركة، مع كل عيوبها، النضال سوياً مع بقايا اليسار الإسرائيلي. العنصرية ليست لليمين فقط، بل للدولة الإسرائيلية ككل».
إذن، هي إسرائيل اليمينية والمتطرفة التي تتبنى سياسة عنصرية فاقعة، وتبقى مشدودة إلى سياسة الأسرلة إن تعذر الهدف الاستراتيجي متمثلاً في التطهير العرقي. والحال كذلك، نرى أن أحزاب اليمين المتطرف الحاكم تعيش أزمة بنيويةً، من أعراضها السياسية تحركها من فشل إلى آخر في تشكيل حكومة جديدة. ومع ذلك، ومع ازدياد وعيهم بهويتهم الوطنية الفلسطينية، وبالتالي تحركهم الفاعل لتثبيت أنفسهم في أراضيهم وفي لعب دورهم في الحياة السياسية، لا نستطيع إلا أن نلحظ أن الأمر الأهم في المسألة السياسية الراهنة كون فلسطينيي 48 باتوا يشكلون القوة الثالثة في الكنيست. وهو إنجاز يحتاج منهم العمل الدؤوب، وفق برنامج وطني واضح، كي تترجم نتائجه فعلياً على أرض الواقع.
أول هؤلاء نتنياهو الذي لقب بـ«الساحر» في العديد من الأدبيات السياسية الإسرائيلية. ففي محاولاته لكسب الأصوات في انتخابات الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سعى نتنياهو إلى شيطنة فلسطينيي 48، حيث «تميزت» الانتخابات الليكودية التي قادها شخصياً بالتحريض الممنهج ضد هؤلاء الأخيرين. وكان قد شوه الحقيقة عن الأحزاب قائلاً ومعمماً: «لا نقبل أن تكون الحكومة مستندة على أحزاب عربية، معادية للدولة، أحزاب ترفض مجرد وجود إسرائيل. أحزاب تعظم وتمجد (المخربين) ممن يقتلون جنودنا، مواطنينا وأولادنا. هذا لا يعقل». وهذه الحملة التحريضية العنصرية التي شنها نتنياهو لم تستهدف فقط نزع شرعية الناخب العربي فحسب، بل جسدت خوفه من إمكانية حصول منافسه الأول حزب «أزرق أبيض» على دعم «القائمة المشتركة» العربية. وبحسب أسرة تحرير «هآرتس»: «لم يحظ غانتس بتأييد يستحقه من جانب القائمة المشتركة، بل جاء ذلك بسبب «حكم نتنياهو الفاسد والمفسد، والذي وسم العرب في إسرائيل بالعدو الداخلي، والطابور الخامس، والمتواطئين الخطرين مع الإرهاب». وأضافت الصحيفة: «واصل نتنياهو عمداً المطابقة بين كفاح الأقلية العربية من أجل المساواة وبين الإرهاب، وكأنهما أمر واحد. هذا تحريض منفلت العقال ودعاية كاذبة ضدهم، إضافة إلى رائحتها العنصرية التي تنم عنها، فإنه يستخدمها كاستراتيجية هدفها منع معسكر الوسط واليسار من تشكيل حكومة!».
ومن جهته، قال المحلل السياسي الإسرائيلي يوسي فيرتر: «لم نشهد قط معركة انتخابية عنيفة، وكاذبة، وعنصرية، وتحريضية، مثل تلك التي أدارها نتنياهو شخصياً. لقد قام بهجوم جنوني، ومرضي تقريباً، قوامه القفز والأكاذيب على جميع المستويات – الافتراضية والمادية.. ويبدو أن ذلك في دم نتنياهو».
ثانياً، يأتي رئيس «حزب أزرق أبيض»، وهو بيني غانتس، رئيس هيئة الأركان العامة العشرين لجيش «الدفاع»، والمتباهي بتنفيذه مجزرة 2014 ضد قطاع غزة في ظل حكم نتنياهو، والمؤيد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. ولا تختلف أيديولوجية غانتس الصهيونية ومواقفه اليمينية عن مواقف حزب «الليكود»، وهو الذي أعلن خلال حملته الانتخابية أنه يريد «إقامة حكومة وحدة وطنية» تضم مختلف الأحزاب اليهودية بمشاركة «الليكود» وحزب «إسرائيل بيتنا»، أي حكومة أكثر يمينية. بل إن غانتس نفسه رفض الالتزام علناً بتنفيذ المطالب التي قدمتها «القائمة المشتركة» وفضل تجاهلها، وعلى رأسها مطالب تخص تحسين ظروف العرب، مثل محاربة الجريمة بينهم، وتوسيع رقعة البناء في مدنهم، ووقف مسلسل القوانين العنصرية ضدهم. ثم إن غانتس ربما فاق نتنياهو في التحريض، حين زعم أن الأحزاب العربية «تعمل ضد الدولة ولا تخدم قضايا الناخبين العرب»، وهو الذي استهل حملته الانتخابية متباهياً بقصف قطاع غزة و«إعادتها إلى العصر الحجري». وهو كذلك مؤيد لـ«قانون القومية» الذي يمنح اليهود فوقية عنصرية على جميع الفئات والأقليات الأخرى ويعلن إسرائيل «وطناً قومياً لليهود فقط».
بعد نتنياهو وغانتس يأتي ليبرمان، اليميني المتطرف الذي شغل منصب وزير خارجية إسرائيل في عهد حكومة نتنياهو عام 2009، ووزير الحرب فيها منذ عام 2016 حتى استقالته في عام 2018. وليبرمان هو زعيم «إسرائيل بيتنا»، أي حزب المستوطنين الذي أدار الحملة الانتخابية بتحريضه ضد فلسطينيي 48 على قاعدة «ليس هناك مواطنة دون ولاء». وليبرمان هو القائل إن «حل صراع الدولة اليهودية مع الأقلية العربية أكثر صعوبة من المصالحة مع الفلسطينيين والعالم العربي». واعتبر أن تل أبيب لا يمكنها التوصل لاتفاق سلام مع الفلسطينيين لا يعالج ما وصفه بـ«الصراع الأكثر تعقيداً مع مواطني إسرائيل العرب». وكما هو معلوم، فإن مسألة إعادة رسم حدود إسرائيل لإبعاد المراكز السكانية العربية الواقعة على الجانب الإسرائيلي «الخط الأخضر» من خلال ضمها لكيان فلسطيني (قادم) هي نقطة رئيسية في سياسات ليبرمان.
هؤلاء الثلاثة، واجهة الزعامة الإسرائيلية اليوم، صنّفهم الكاتب الإسرائيلي «إسحق ليئور» ضمن مجتمع عنصري لا يخص اليمين فحسب، بل الدولة الإسرائيلية بأكملها، فكتب يقول: «المواطنون العرب 20%، يعيشون على 2% من الأراضي السكنية و1% من الأراضي الزراعية. الامتياز اليهودي يحيطهم بالمستوطنات، وحصص مياه والميزانيات.. ولا يوجد لهم سوى النضال كمعارضة بقيادة القائمة المشتركة، مع كل عيوبها، النضال سوياً مع بقايا اليسار الإسرائيلي. العنصرية ليست لليمين فقط، بل للدولة الإسرائيلية ككل».
إذن، هي إسرائيل اليمينية والمتطرفة التي تتبنى سياسة عنصرية فاقعة، وتبقى مشدودة إلى سياسة الأسرلة إن تعذر الهدف الاستراتيجي متمثلاً في التطهير العرقي. والحال كذلك، نرى أن أحزاب اليمين المتطرف الحاكم تعيش أزمة بنيويةً، من أعراضها السياسية تحركها من فشل إلى آخر في تشكيل حكومة جديدة. ومع ذلك، ومع ازدياد وعيهم بهويتهم الوطنية الفلسطينية، وبالتالي تحركهم الفاعل لتثبيت أنفسهم في أراضيهم وفي لعب دورهم في الحياة السياسية، لا نستطيع إلا أن نلحظ أن الأمر الأهم في المسألة السياسية الراهنة كون فلسطينيي 48 باتوا يشكلون القوة الثالثة في الكنيست. وهو إنجاز يحتاج منهم العمل الدؤوب، وفق برنامج وطني واضح، كي تترجم نتائجه فعلياً على أرض الواقع.