من بغداد إلى ومن سانتياغو إلى برشلونة، شهدت مدن عدة حول العالم مظاهرات حاشدة خلال الأسابيع الأخيرة. بعض هذه الاحتجاجات حملت أوجه شبه مع «الربيع العربي» الذي هز الشرق الأوسط منذ نهاية 2010. لكنها في الوقت نفسه احتجاجات ذات نطاق جغرافي أوسع، إذ تتوزع على بلدان في أميركا اللاتينية وأوروبا وآسيا.
وفي بعض هذه المدن، كانت ثمة وفيات، لذا فقد أخذت الاحتجاجات تثير قلق المستثمرين الماليين، ما يضاعف حالة عدم اليقين بشأن صحة الاقتصاد العالمي.
والواقع أنه لا توجد حالتان متشابهتان تماماً، لكن الكثير من الاحتجاجات فجّرتها عوامل اقتصادية. ولبنان ليس البلد الوحيد الذي فجّر فيه تغييرٌ واحدٌ معزول الاحتجاجات. فقد اندلعت مظاهرات في الإيكوادور عندما ألغت الحكومة دعماً للوقود عمره عقود. وفي الشيلي، أدت زيادة أسعار تذاكر الميترو إلى أعمال عنف، بينما أدى رفع سعر البصل في الهند إلى احتجاجات قبل فترة قصيرة من الآن.
وفي كل الحالات تقريباً، كانت الاحتجاجات تتحول بسرعة إلى شيء أكبر بكثير. صحيح أن التراجع عن بعض التغييرات أوقف الاحتجاجات أحياناً، لكنها في كثير من البلدان استمرت وتواصلت: ففي الشيلي تواصلت الاحتجاجات حتى بعد إلغاء الزيادة المقررة في التذاكر.
ويبدو أن التفاوت في الدخل يضاعف انعدام الأمن الاقتصادي الذي يولّد الغضب والاحتجاج. فمثلا، يُعد لبنان، حيث تسببت ضريبة «واتساب» في احتجاجات ضخمة، أحدَ أكثر الاقتصادات تفاوتاً اجتماعياً، إذ هيمن 1? من اللبنانيين الأغنى على 25? من إجمالي الدخل الوطني خلال الفترة بين 2005 و2014.
والشيلي، التي تُعد من عدة نواح أكثر استقراراً وازدهاراً من جيرانها، لديها أعلى مستوى من التفاوت في الدخل بين أعضاء «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية» التي تضم بعض أغنى الدول في العالم.
الوضع الديموغرافي غير المتوازن يزيد الأمور سوءاً. ففي العراق، هناك غضب لكون جيل بأكمله بات مفتقراً للفرص الاقتصادية، فوفق بيانات جمعها البنك الدولي العام الماضي، فإن معدل البطالة بين العراقيين الشباب يبلغ 36?. «لقد سرقوا مستقبلنا، والآن يقتلوننا»، هكذا كان يصيح شاب في مظاهرة ببغداد في وقت سابق من هذا الشهر.
بيد أن التفاوت في الدخل ليس العامل الاقتصادي الوحيد الذي تواجهه العديد من البلدان التي تشهد احتجاجات. فتباطؤ النمو الاقتصادي وازدياد الدين الحكومي، أخذا يؤديان إلى مخاوف بشأن المستقبل.
ومؤخراً، حذّر صندوق النقد الدولي من أن النمو الاقتصادي العالمي سيبلغ 3? فقط هذا العام، بدلا من 3.2? توقعها في يوليو الماضي، ما يشير إلى أبطأ معدل نمو منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008.
وفي بعض بلدان أميركا اللاتينية خصوصاً، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي 0.2? فقط كمعدل نمو إجمالي، يتوقع نمو اقتصادات كبيرة مثل البرازيل والمكسيك بأقل من 1?. ويذكر هنا أنه قبل سنوات قليلة فقط، كان ارتفاع أسعار السلع قد ساعد على تحقيق طفرة في بلدان مثل الإكوادور التي تنتج النفط وتشهد مظاهرات الآن.
وكانت بعض الدول قد اقترضت كثيراً زمن الطفرة لتجد نفسها الآن في مواجهة دعوات من المقرضين. ويُعد لبنان نموذجاً في هذا الصدد، حيث تجعله نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي البالغة 155? ثالثَ أكثر بلد مديونية في العالم.
وحتى الآن، لم يؤدِّ النطاق الواسع للاحتجاجات إلى إسقاط أي حكومة، غير أن الكلفة ليس من ناحية الخسارة الاقتصادية فحسب وإنما كذلك من ناحية إراقة الدماء أيضاً، والتي يمكن أن تزيد بشكل كبير.
*صحافي بريطاني
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»