لن أنسى اللحظة التي رأيت فيها، أثناء تغطية المؤتمر الوطني لـ«الحزب الجمهوري الأميركي» في عام 2016، قميصاً مكتوباً عليه بحروف كبيرة «حبل. شجر. صحفي. بعض التجميع مطلوب». كانت هناك أكوام منه معروضة للبيع في الشوارع خارج ساحة كليفلاند حيث كان دونالد ترامب سيحصل قريباً على ترشيحه عن الحزب لانتخابات الرئاسة الأميركية.
شعرت بالغثيان قليلاً، وأنا أراقب الناس يضحكون من الكلمات المتعلقة بإعدام المراسلين الصحفيين، وفي بعض الحالات كانوا يشترون القميص كتذكار.
وما لم أدركه إلا بعد ذلك الوقت هو أن هذا الأمر سيصبح أسوأ بكثير، وآخر مظاهره كانت تشغيل فيديو تمثيلي مرعب يصور الرئيس ترامب (شبيهه المزيف) وهو يقتل الصحفيين ويصفي معارضيه السياسيين بعنف، وذلك خلال مؤتمر مؤيد لترامب الأسبوع الماضي في منتجع الرئيس بمنطقة ميامي!
تقول حملة ترامب إنها لم تنتج الفيديو، وأنا أعتقد أن الأمر كذلك بالفعل. كما أنها أصدرت بياناً معتدلا بشأن عدم التغاضي عن العنف، لكن البعض وجد صعوبة في تصديقه.
وباعتباره مرشحاً، ثم رئيساً للبلاد، فإن ترامب لديه ما هو أكثر من السماح لهذا الشعور بالازدهار، أحرى عن تشجيعه والتحريض عليه.
لقد وقف إلى جانب بعض من يعتبرهم الناشطون الحقوقيون معادين للصحافة، وقام بالتقرب إليهم. وفي مرات كثيرة كان يصف الصحافة بأنها «فاسدة» و«عدو الشعب». وفي عام 2017، نشر على حسابه في موقع «تويتر» فيديو آخر يظهر مَن يمثله وهو يسدد ضربة لشخص يغطي شعار شبكة «سي إن إن» التلفزيونية وجهه، وذلك أثناء مباراة للمصارعة. وحينها قال البيت الأبيض إن الرئيس ترامب «يدين بشدة» هذا الفيديو.
وفي توصيف لمشهد تمثيلي آخر، تنقل صحيفة «واشنطن بوست» ما يلي:
«يصرخ السيناتور بيرني ساندرز (مستقل –فيرمونت)، فيما تشتعل النار في رأسه. والرئيس باراك أوباما وجهه محطم نتيجة اصطدامه بجزء من منبر خشبي. أما الأشخاص الذين تم استبدال وجوههم بشعارات (سي إن إن) و(بوليتيكو) و(هاف بوست)، فقد تم طعنهم وإطلاق النار عليهم. وفي منتصف الهياج الدموي يظهر رجل يرتدي بدلة سوداء مقلمة، وقد تم تثبيت رأس الرئيس ترامب على جسده».
إن استياء الرئيس ترامب من الصحافة لم يصب المجتمع الأميركي فحسب، بل أصاب أيضاً حتى القوى المعادية للصحافيين في جميع أنحاء العالم. لذلك فلا عجب أن يتراجع تصنيف حرية الصحافة في أميركا بين دول العالم، كما ورد في دراسة لمنظمة «مراسلين بلا حدود».
وليس من المستغرب أن «سيزار سايوك» –الذي أقر بالذنب في 65 تهمة جنائية بعد إرسال قنابل أنبوبية إلى مؤسسات إخبارية، من بينها شبكة «سي إن إن»، العام الماضي – قد وصف تجمعات ترامب بأنها «عقار جديد تم العثور عليه».
ويذكرني قيام حملة ترام بإبعاده عن هذا الفيديو في البداية، برده المبدئي حول المذبحة التي ارتكبت العام الماضي بحق خمسة من العاملين بصحيفة «كابيتال جازيت» في أنابوليس بولاية ماريلاند. فقد كتب آنذاك على تويتر «أفكاراً وصلوات»، ثم رفع إصبع إبهامه مؤيداً، وأعقبت ذلك موجة رفض من الصحفيين الذين طالبوه بالتعليق.
وفي النهاية، أصدر بياناً أكثر جدية، لكنه بدا متأخراً ومعداً بشكل مسبق وغير متوائم مع ما صرح به سابقاً ويعتقد البعض أنه قناعته الحقيقية فيما يتعلق بالصحافة والصحفيين.
أما المرشح الرئاسي وعضو الكونجرس السابق عن ولاية تكساس «بيتو أوروك»، فقد كان أداؤه أفضل قليلا، حيث رد على الفور قائلاً: «إن الفيديو ليس مضحكاً. وسيجعل الناس يُقتلون».
إن حرية التعبير جزء حيوي مما يجعل أميركا عظيمة. لذا، فإنني لا أفضل سحب قمصان التهديد من الشوارع أو معاقبة الناس الذين يحصلون على سعادتهم المرضية من خلال إنتاج مقاطع فيديو مروعة.
لكني أفضل مواجهة الحقيقة. لم يخلق رئيس الولايات المتحدة هذه المشكلة. لكنه من نواحٍ عديدة أطلق العنان للكراهية ضد الصحفيين. وهذا أمر شديد الخطورة.
*كاتبة أميركية متخصصة في شؤون الإعلام
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
شعرت بالغثيان قليلاً، وأنا أراقب الناس يضحكون من الكلمات المتعلقة بإعدام المراسلين الصحفيين، وفي بعض الحالات كانوا يشترون القميص كتذكار.
وما لم أدركه إلا بعد ذلك الوقت هو أن هذا الأمر سيصبح أسوأ بكثير، وآخر مظاهره كانت تشغيل فيديو تمثيلي مرعب يصور الرئيس ترامب (شبيهه المزيف) وهو يقتل الصحفيين ويصفي معارضيه السياسيين بعنف، وذلك خلال مؤتمر مؤيد لترامب الأسبوع الماضي في منتجع الرئيس بمنطقة ميامي!
تقول حملة ترامب إنها لم تنتج الفيديو، وأنا أعتقد أن الأمر كذلك بالفعل. كما أنها أصدرت بياناً معتدلا بشأن عدم التغاضي عن العنف، لكن البعض وجد صعوبة في تصديقه.
وباعتباره مرشحاً، ثم رئيساً للبلاد، فإن ترامب لديه ما هو أكثر من السماح لهذا الشعور بالازدهار، أحرى عن تشجيعه والتحريض عليه.
لقد وقف إلى جانب بعض من يعتبرهم الناشطون الحقوقيون معادين للصحافة، وقام بالتقرب إليهم. وفي مرات كثيرة كان يصف الصحافة بأنها «فاسدة» و«عدو الشعب». وفي عام 2017، نشر على حسابه في موقع «تويتر» فيديو آخر يظهر مَن يمثله وهو يسدد ضربة لشخص يغطي شعار شبكة «سي إن إن» التلفزيونية وجهه، وذلك أثناء مباراة للمصارعة. وحينها قال البيت الأبيض إن الرئيس ترامب «يدين بشدة» هذا الفيديو.
وفي توصيف لمشهد تمثيلي آخر، تنقل صحيفة «واشنطن بوست» ما يلي:
«يصرخ السيناتور بيرني ساندرز (مستقل –فيرمونت)، فيما تشتعل النار في رأسه. والرئيس باراك أوباما وجهه محطم نتيجة اصطدامه بجزء من منبر خشبي. أما الأشخاص الذين تم استبدال وجوههم بشعارات (سي إن إن) و(بوليتيكو) و(هاف بوست)، فقد تم طعنهم وإطلاق النار عليهم. وفي منتصف الهياج الدموي يظهر رجل يرتدي بدلة سوداء مقلمة، وقد تم تثبيت رأس الرئيس ترامب على جسده».
إن استياء الرئيس ترامب من الصحافة لم يصب المجتمع الأميركي فحسب، بل أصاب أيضاً حتى القوى المعادية للصحافيين في جميع أنحاء العالم. لذلك فلا عجب أن يتراجع تصنيف حرية الصحافة في أميركا بين دول العالم، كما ورد في دراسة لمنظمة «مراسلين بلا حدود».
وليس من المستغرب أن «سيزار سايوك» –الذي أقر بالذنب في 65 تهمة جنائية بعد إرسال قنابل أنبوبية إلى مؤسسات إخبارية، من بينها شبكة «سي إن إن»، العام الماضي – قد وصف تجمعات ترامب بأنها «عقار جديد تم العثور عليه».
ويذكرني قيام حملة ترام بإبعاده عن هذا الفيديو في البداية، برده المبدئي حول المذبحة التي ارتكبت العام الماضي بحق خمسة من العاملين بصحيفة «كابيتال جازيت» في أنابوليس بولاية ماريلاند. فقد كتب آنذاك على تويتر «أفكاراً وصلوات»، ثم رفع إصبع إبهامه مؤيداً، وأعقبت ذلك موجة رفض من الصحفيين الذين طالبوه بالتعليق.
وفي النهاية، أصدر بياناً أكثر جدية، لكنه بدا متأخراً ومعداً بشكل مسبق وغير متوائم مع ما صرح به سابقاً ويعتقد البعض أنه قناعته الحقيقية فيما يتعلق بالصحافة والصحفيين.
أما المرشح الرئاسي وعضو الكونجرس السابق عن ولاية تكساس «بيتو أوروك»، فقد كان أداؤه أفضل قليلا، حيث رد على الفور قائلاً: «إن الفيديو ليس مضحكاً. وسيجعل الناس يُقتلون».
إن حرية التعبير جزء حيوي مما يجعل أميركا عظيمة. لذا، فإنني لا أفضل سحب قمصان التهديد من الشوارع أو معاقبة الناس الذين يحصلون على سعادتهم المرضية من خلال إنتاج مقاطع فيديو مروعة.
لكني أفضل مواجهة الحقيقة. لم يخلق رئيس الولايات المتحدة هذه المشكلة. لكنه من نواحٍ عديدة أطلق العنان للكراهية ضد الصحفيين. وهذا أمر شديد الخطورة.
*كاتبة أميركية متخصصة في شؤون الإعلام
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»