سواء كان المرء «ديمقراطياً» أو «جمهورياً» أو من مؤيدي ترامب أو من المعارضين لترامب تماماً، وسواء كان من سكان ولاية «جمهورية» أو ولاية «ديمقراطية»، فإنه مدين تجاه نفسه وبلده بأن يقرأ نص البيان الذي أعدته السفيرة السابقة «ماري يوفانوفيتش» للكونجرس. وإذا كان المرء يهتم بالدستور ويشعر بأي ولاء للأفكار والمثل التي شكلت سياستنا الخارجية على مدار القرن الماضي، فسيجد التقرير مزعجا للغاية.
و«يوفانوفيتش» مسؤولة متمرسة في وزارة الخارجية عملت في ظل إدارات عدد من الرؤساء من كلا الحزبين السياسيين. وأقالتها إدارة ترامب، وطُلب منها أن تعود إلى ديارها «في الطائرة التالية» لأنه تبين أن حملتها ضد الفساد في أوكرانيا ضايقت بعض الأميركيين الفاسدين ذوي العلاقات الأوكرانية. فقد ضايقت حملتها رجلين تحديدا هما رجلا أعمال أميركيان، أحدهما من أصول أوكرانية، وهما مساعدان لرودي جولياني، صديق الرئيس دونالد ورئيس بلدية نيويورك السابق. ونشر الرجال إشاعات وصلت إلى آذان الرئيس عن السفيرة وهي الإشاعات التي صدقها الرئيس.
فقد اعتقلت السلطات الأميركية في الأيام القليلة الماضية رجلي الأعمال على خلفية صلتهما بمساعي جولياني، لدفع أوكرانيا إلى فتح تحقيق بحق المرشح «الديمقراطي» الأوفر حظاً لمواجهة ترامب في انتخابات 2020، وهو نائب الرئيس السابق جو بايدن. وذكرت تقارير صحفية أن رجليّ الأعمال ساعدا في تقديم «جولياني» لدوائر سياسية أوكرانية عليا. وتفيد وثائق محكمة اتحادية في نيويورك، بأنهما تآمرا من أجل «ضخ أموال أجنبية لمرشحين في مناصب اتحادية وبالولايات».
وكتبت «يوفانوفيتش» تقول «لكني لم أصدق أن حكومة الولايات المتحدة اختارت، بحسب أفضل ما يمكنني قوله، أن تعزل سفيراً بناء على مزاعم بلا أساس وباطلة من أشخاص لديهم دوافع مشكوك فيها بشكل واضح». وأشارت أيضاً إلى أن السابقة مروعة بالنسبة لمسؤولي وزارة الخارجية وأيضاً للموظفين المدنيين الآخرين. ومضت تقول: «إننا نحدث فارقاً كل يوم في قضايا تهم الشعب الأميركي. إننا نزعزع استقرار حياتنا مراراً ونضع أنفسها من حين إلى آخر في طريق الضرر لنخدم هذه البلاد. ونقوم بهذا عن طيب خاطر، لأننا نؤمن بأميركا ودورها الخاص في العالم. ونؤمن في المقابل أن حكومتنا تدعمنا وتحمينا إذا تعرضنا لهجوم من المصالح الأجنبية».
لكن الحال لم يعد كذلك. فالمصالح الأجنبية، خاصة مصالح اللذين وُجه إليهما الاتهام رسمياً بشان التآمر «من أجل التحايل على القوانين الاتحادية أمام نفوذ أجنبي» لم يسعيا إلى التخلص من سفيرة أميركية فحسب بل سعيا ونجحا في تشويه وتقويض السياسة الخارجية الأميركية، وتقويض مسعانا على مدار عقود لإقرار حكم القانون في أوكرانيا. وقبل أسبوعين، كتبت أن ترامب وجولياني «انخرطا في تقويض كل برنامج أميركي وأوروبي في المنطقة وكل مبادرة دبلوماسية وتعليمية وكل فكرة مفردة تمثلها الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم».
لدينا جهاز دبلوماسي ونوظف أشخاصاً يدينون بالولاء للبلاد وليس لحزب سياسي أو مصالح خاصة، كل هذا من أجل تفادي أن يصنع السياسية الأميركية أشخاص أو أطراف خاصة يمكنها أن تلتف حول اللوائح الأخلاقية، ودون ولاء إلى الولايات المتحدة، ويعملون لمصالحهم الخاصة وليس للمصلحة القومية.
دلالات هذه القصة هائلة، فإذا كانت السياسة الأميركية حالياً للبيع، فما عدد الناس المستعدين لشرائها؟ ولخصت «يوفانوفيتش» هذا كما يستطيع أي شخص أن يفعل. فقد كتبت تقول «الضرر سيأتي. حين ترى أطراف شريرة في ما يتجاوز أوكرانيا مدى سهولة استغلال التلفيق والغمز في التلاعب بنظامنا». كيف يمكننا أن نتأكد أنه لم يكن هناك مصالح خاصة تكتنف وعد الرئيس ترامب للرئيس التركي بأن بوسعه اقتحام شمال سوريا؟ الإجابة هي لا، لا يمكننا التأكد. فالبيت الأبيض الحالي يجعلنا لا نتأكد من أي شيء على الإطلاق.
*مؤرخة أميركية حائزة جائزة «بوليتزر» وأستاذة في مدرسة لندن للاقتصاد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
و«يوفانوفيتش» مسؤولة متمرسة في وزارة الخارجية عملت في ظل إدارات عدد من الرؤساء من كلا الحزبين السياسيين. وأقالتها إدارة ترامب، وطُلب منها أن تعود إلى ديارها «في الطائرة التالية» لأنه تبين أن حملتها ضد الفساد في أوكرانيا ضايقت بعض الأميركيين الفاسدين ذوي العلاقات الأوكرانية. فقد ضايقت حملتها رجلين تحديدا هما رجلا أعمال أميركيان، أحدهما من أصول أوكرانية، وهما مساعدان لرودي جولياني، صديق الرئيس دونالد ورئيس بلدية نيويورك السابق. ونشر الرجال إشاعات وصلت إلى آذان الرئيس عن السفيرة وهي الإشاعات التي صدقها الرئيس.
فقد اعتقلت السلطات الأميركية في الأيام القليلة الماضية رجلي الأعمال على خلفية صلتهما بمساعي جولياني، لدفع أوكرانيا إلى فتح تحقيق بحق المرشح «الديمقراطي» الأوفر حظاً لمواجهة ترامب في انتخابات 2020، وهو نائب الرئيس السابق جو بايدن. وذكرت تقارير صحفية أن رجليّ الأعمال ساعدا في تقديم «جولياني» لدوائر سياسية أوكرانية عليا. وتفيد وثائق محكمة اتحادية في نيويورك، بأنهما تآمرا من أجل «ضخ أموال أجنبية لمرشحين في مناصب اتحادية وبالولايات».
وكتبت «يوفانوفيتش» تقول «لكني لم أصدق أن حكومة الولايات المتحدة اختارت، بحسب أفضل ما يمكنني قوله، أن تعزل سفيراً بناء على مزاعم بلا أساس وباطلة من أشخاص لديهم دوافع مشكوك فيها بشكل واضح». وأشارت أيضاً إلى أن السابقة مروعة بالنسبة لمسؤولي وزارة الخارجية وأيضاً للموظفين المدنيين الآخرين. ومضت تقول: «إننا نحدث فارقاً كل يوم في قضايا تهم الشعب الأميركي. إننا نزعزع استقرار حياتنا مراراً ونضع أنفسها من حين إلى آخر في طريق الضرر لنخدم هذه البلاد. ونقوم بهذا عن طيب خاطر، لأننا نؤمن بأميركا ودورها الخاص في العالم. ونؤمن في المقابل أن حكومتنا تدعمنا وتحمينا إذا تعرضنا لهجوم من المصالح الأجنبية».
لكن الحال لم يعد كذلك. فالمصالح الأجنبية، خاصة مصالح اللذين وُجه إليهما الاتهام رسمياً بشان التآمر «من أجل التحايل على القوانين الاتحادية أمام نفوذ أجنبي» لم يسعيا إلى التخلص من سفيرة أميركية فحسب بل سعيا ونجحا في تشويه وتقويض السياسة الخارجية الأميركية، وتقويض مسعانا على مدار عقود لإقرار حكم القانون في أوكرانيا. وقبل أسبوعين، كتبت أن ترامب وجولياني «انخرطا في تقويض كل برنامج أميركي وأوروبي في المنطقة وكل مبادرة دبلوماسية وتعليمية وكل فكرة مفردة تمثلها الولايات المتحدة في هذا الجزء من العالم».
لدينا جهاز دبلوماسي ونوظف أشخاصاً يدينون بالولاء للبلاد وليس لحزب سياسي أو مصالح خاصة، كل هذا من أجل تفادي أن يصنع السياسية الأميركية أشخاص أو أطراف خاصة يمكنها أن تلتف حول اللوائح الأخلاقية، ودون ولاء إلى الولايات المتحدة، ويعملون لمصالحهم الخاصة وليس للمصلحة القومية.
دلالات هذه القصة هائلة، فإذا كانت السياسة الأميركية حالياً للبيع، فما عدد الناس المستعدين لشرائها؟ ولخصت «يوفانوفيتش» هذا كما يستطيع أي شخص أن يفعل. فقد كتبت تقول «الضرر سيأتي. حين ترى أطراف شريرة في ما يتجاوز أوكرانيا مدى سهولة استغلال التلفيق والغمز في التلاعب بنظامنا». كيف يمكننا أن نتأكد أنه لم يكن هناك مصالح خاصة تكتنف وعد الرئيس ترامب للرئيس التركي بأن بوسعه اقتحام شمال سوريا؟ الإجابة هي لا، لا يمكننا التأكد. فالبيت الأبيض الحالي يجعلنا لا نتأكد من أي شيء على الإطلاق.
*مؤرخة أميركية حائزة جائزة «بوليتزر» وأستاذة في مدرسة لندن للاقتصاد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»