في معظم دول العالم النامي أو عالم الجنوب، تكتسب مذكرات الساسة أهمية خاصة، لأن الخدمات المكتبية والأرشيفية تكون عادة متواضعة بسبب نقص الموارد المالية أو البشرية والتكنولوجية. كما أن هناك عامل السرية، خاصة في موضوعات مثل السياسة الخارجية أو الأمن القومي. من هنا ننتظر نحن الأكاديميين مذكرات الساسة بفارغ الصبر، لأنها تُغنينا عن الاعتماد الكامل على التأمل والتخمين، وتُساعدنا على دعم تحليلاتنا بالبيانات والمعلومات، ما يجعلها أكثر مصداقية وعلمية. وبالطبع ينبغي للمحلل الحصيف أن يعرف أن مذكرات الساسة فيها جزء من الذاتية والتبرير لبعض قراراتهم، لكن فوائدها تفوق بكثير مثل هذه المخاطر.
وفي مؤسسة أكاديمية مثل الجامعة الأميركية بالقاهرة هذا ما كان يجب تأكيده عند تقديمي لمتحدث بمكانة السفير أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر لمدة سبع سنوات والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، والذي قبِل مشكوراً دعوة منتدى الجامعة بمناسبة قرب ظهور الطبعة الإنجليزية للمجلد الثاني من مذكراته تحت عنوان «شهادتي: السياسة الخارجية المصرية 2004-2011». الطبعة العربية المتاحة تُعطي فكرة عن غزارة هذه المذكرات، فهي تُعالج موضوعات متعددة وتحديات في صنع السياسة الخارجية المصرية، مثل: العلاقة مع الولايات المتحدة، إصلاح الأمم المتحدة، توسيع عضوية مجلس الأمن، المنطقة العربية وأفريقيا، تقسيم السودان، مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي.. علاوة على تحديات 45 يوماً الأخيرة قبل تنحي مبارك في فبراير 2011، إلى جانب خاتمة قصيرة عن تحديات الماضي والمستقبل، ومن أهمها محاولة صنع وإدارة سياسة خارجية نشطة في ظل ظروف متغيرة.
لا نستطيع في هذا المقال القصير الإحاطة بتلك المذكرات الثرية للغاية، والمستندة إلى تجربة دبلوماسية غزيرة، حيث كان أبو الغيط خلال ثلاث فترات مختلفة عضواً في وفد مصر في الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك غاية ما يبغيه أي دبلوماسي من حيث المكانة والخبرة. ثم ترأس هذا الوفد، قبل أن يتلقى اتصالاً هاتفياً من القاهرة يوم 9 يوليو 2004 يخبره باختياره وزيراً للخارجية.
وأحد مصادر غزارة تجربة أبو الغيط عمله في بداية السبعينيات، وكان في مقتبل عمره، في مكتب حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي، والذي كان يسميه السادات «كيسنجر الخاص بي». وكما نعلم فقد كانت تلك فترة الإعداد لحرب أكتوبر 1973، ولذلك فقد احتوت هذه المذكرات على معلومات غاية في الأهمية عن تلك الفترة الحاسمة.
وما يجعل مذكرات أبو الغيط مختلفة عن العديد من مثيلاتها، النواحي الشخصية التي تجعل من القراءة وسيلة ممتعة للحصول على المعرفة. فالفصل الثاني مثلاً، والذي يبلغ حوالى 50 صفحة، يتكلم عن النشأة، ويُعطي خلفية عن والده الطيار ووالدته ذات الأصول العريقة. وهناك صفحات أخرى تروي تحديات اختيار المستقبل في شبابه، عام في الكلية الفنية العسكرية والتجربة المتعثرة، ثم الحزن الشديد جراء هزيمة 1967.
إزاحة الستار عن هذه النواحي الشخصية ساعدت في ربط القارئ بالكاتب، والذي يصعب تركه جانباً قبل الانتهاء منه.
نرى أبو الغيط كقارئ نهم أيضاً، خاصة في الأمور الاستراتيجية. لذا كانت استخلاصاته ونصائحه للطلاب وغيرهم من الشباب محل إعجاب وتقدير.
ولعله بعد صدور هذه المذكرات الثرية والناجحة، يستطيع أبو الغيط أن يُضيف مجلداً ثالثاً على الأقل عن تجربته كأمين عام للجامعة العربية، حيث التحديات أكثر وأكبر في هذه الفترة الدقيقة من التاريخ العربي المعاصر.
*أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهر
وفي مؤسسة أكاديمية مثل الجامعة الأميركية بالقاهرة هذا ما كان يجب تأكيده عند تقديمي لمتحدث بمكانة السفير أحمد أبو الغيط، وزير خارجية مصر لمدة سبع سنوات والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، والذي قبِل مشكوراً دعوة منتدى الجامعة بمناسبة قرب ظهور الطبعة الإنجليزية للمجلد الثاني من مذكراته تحت عنوان «شهادتي: السياسة الخارجية المصرية 2004-2011». الطبعة العربية المتاحة تُعطي فكرة عن غزارة هذه المذكرات، فهي تُعالج موضوعات متعددة وتحديات في صنع السياسة الخارجية المصرية، مثل: العلاقة مع الولايات المتحدة، إصلاح الأمم المتحدة، توسيع عضوية مجلس الأمن، المنطقة العربية وأفريقيا، تقسيم السودان، مياه النيل وسد النهضة الإثيوبي.. علاوة على تحديات 45 يوماً الأخيرة قبل تنحي مبارك في فبراير 2011، إلى جانب خاتمة قصيرة عن تحديات الماضي والمستقبل، ومن أهمها محاولة صنع وإدارة سياسة خارجية نشطة في ظل ظروف متغيرة.
لا نستطيع في هذا المقال القصير الإحاطة بتلك المذكرات الثرية للغاية، والمستندة إلى تجربة دبلوماسية غزيرة، حيث كان أبو الغيط خلال ثلاث فترات مختلفة عضواً في وفد مصر في الأمم المتحدة في نيويورك، وذلك غاية ما يبغيه أي دبلوماسي من حيث المكانة والخبرة. ثم ترأس هذا الوفد، قبل أن يتلقى اتصالاً هاتفياً من القاهرة يوم 9 يوليو 2004 يخبره باختياره وزيراً للخارجية.
وأحد مصادر غزارة تجربة أبو الغيط عمله في بداية السبعينيات، وكان في مقتبل عمره، في مكتب حافظ إسماعيل، مستشار الأمن القومي، والذي كان يسميه السادات «كيسنجر الخاص بي». وكما نعلم فقد كانت تلك فترة الإعداد لحرب أكتوبر 1973، ولذلك فقد احتوت هذه المذكرات على معلومات غاية في الأهمية عن تلك الفترة الحاسمة.
وما يجعل مذكرات أبو الغيط مختلفة عن العديد من مثيلاتها، النواحي الشخصية التي تجعل من القراءة وسيلة ممتعة للحصول على المعرفة. فالفصل الثاني مثلاً، والذي يبلغ حوالى 50 صفحة، يتكلم عن النشأة، ويُعطي خلفية عن والده الطيار ووالدته ذات الأصول العريقة. وهناك صفحات أخرى تروي تحديات اختيار المستقبل في شبابه، عام في الكلية الفنية العسكرية والتجربة المتعثرة، ثم الحزن الشديد جراء هزيمة 1967.
إزاحة الستار عن هذه النواحي الشخصية ساعدت في ربط القارئ بالكاتب، والذي يصعب تركه جانباً قبل الانتهاء منه.
نرى أبو الغيط كقارئ نهم أيضاً، خاصة في الأمور الاستراتيجية. لذا كانت استخلاصاته ونصائحه للطلاب وغيرهم من الشباب محل إعجاب وتقدير.
ولعله بعد صدور هذه المذكرات الثرية والناجحة، يستطيع أبو الغيط أن يُضيف مجلداً ثالثاً على الأقل عن تجربته كأمين عام للجامعة العربية، حيث التحديات أكثر وأكبر في هذه الفترة الدقيقة من التاريخ العربي المعاصر.
*أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهر