عادت فرنسا إلى العمل بعد هدوء الصيف، ولم يضيع الرئيس إيمانويل ماكرون أي وقت للكشف عن أولويات سياسته الجديدة: الهجرة. وفي خطوة يمينية أثارت قلق جماعات حقوق الإنسان، تعهد بإلغاء الخدمات الطبية التي يتلقاها طالبو اللجوء السياسي دون قيد أو شرط، وأن يخفض عدد الأشخاص الذين يتم منحهم اللجوء. وقال الرئيس الفرنسي إنه يتخذ هذه السياسات لحماية الطبقة العاملة. وقال «الطبقة العاملة ليست لديها مشكلة مع [الهجرة]: فهي لا تصطدم بها». لكن «الطبقة العاملة تعيش معها. ولعقود، لم يكن اليسار يريد النظر في هذه المشكلة، لذا فقد انتقل أفراد الطبقة العاملة إلى أقصى اليمين».
وقد وصف أحد مساعدي ماكرون هذه الخطوة باعتبارها تكتيكية إلى حد كبير، وقال لصحيفة «ليزيكو» (الأصداء) إن ماكرون يأمل في «تجنب التطرف في الرأي العام». وبعبارة أخرى، فإن تحولاً بسيطاً نحو اليمين سيساعد على نزع فتيل جاذبية التجمع الوطني اليميني المتطرف، قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2022.
من المحتمل أنه مع دخوله العام الثالث لرئاسته، فإن ماكرون –الذي ترشح بناء على برنامج «لا يساري ولا يميني» –يُظهر ببساطة لونه الحقيقي. ولطالما أثار أعضاء حزبه اليساريين مخاوف بشأن آرائه إزاء الهجرة، بما في ذلك المناقشات التي دارت عام 2018 بشأن قانون جديد مقيّد والذي جعل من الصعب الحصول على اللجوء في فرنسا، مما زاد من فترات الاحتجاز للوافدين الجدد.
وأيا كان المزيج من السخرية مقابل المعتقدات الحقيقية، فإن تبني خطاب وسياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة –بهدف تجنب اليمين المتطرف –أصبح تكتيكاً مشتركاً للوسطيين في أوروبا. وقد جاءت تصريحات ماكرون في أعقاب قرار رئيسة المفوضية الأوروبية الجديد «أورسولا فون دير لاين» بمنح أكبر مسؤول للهجرة في الاتحاد الأوروبي لقب «نائب الرئيس لحماية طريقة حياتنا الأوروبية» –في لغة تردد أصداء خطاب الشعبويين اليمينيين المتطرفين في أوروبا. إن «فون دير لاين» ليست قومية متشددة: عندما كانت عضوة في حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت تدافع عن تعهد ألمانيا بفتح أبوابها للمهاجرين وطالبي اللجوء. لكن، أيضاً، يبدو أنها تعتقد أن التنازلات تجاه المشاعر المعادية للهجرة ضرورية.
ولكن هل هي كذلك؟ تشير الأبحاث إلى أن النتائج مختلطة في أحسن الأحوال. أحياناً ينتهي الحال بالتحول نحو اليمين لأسباب تكتيكية بأن يكون له نتائج عكسية على الوسطيين الذين لا يؤمنون بسياسات الهجرة العقابية. ولا يفشل «الوسطيون» فقط في انتزاع الناخبين من الأحزاب اليمينية المتطرفة، لكنهم أيضاً يزيدون من دعمهم لتلك الأحزاب. وحتى «الوسطيون» الذين يستفيدون من السياسات الأكثر تشدداً قد لا يدركون الديناميكية التي يخلدونها: فمثل هذه التحركات تدفع النظام السياسي برمته إلى الاقتراب من القومية غير المتسامحة –مما يعزز تطبيع كراهية الأجانب التي تسير على قدم وساق بالفعل.
ومن غير الواضح أن «الوسطيين» يجب أن يتحركوا نحو «اليمين» للبقاء، كما أشار بعض المحافظين. في دراسة مهمة، بحث «كاي أرزهايمر»، الأستاذ بجامعة ماينز الألمانية، مواقف 16 حزباً (يساري –وسط) أوروبيا مع مجموعة من سياسات الهجرة لمعرفة كيف أثرت هذه المواقف على نصيب الطبقة العاملة من التصويت. ووجد «أرزهايمر» أن الأحزاب التي ظلت مع مواقف مؤيدة للمهاجرين كان أداؤها قوياً بين الناخبين من الطبقة العاملة كما هو الحال مع أولئك الذين تحولوا لليمين.
إن «ماكرون» و«فود دير لاين» ليس هما الوحيدين. فقد اتجه «الديمقراطيون الاشتراكيون» السويديون تجاه اليمين بشأن الهجرة في الفترة التي سبقت انتخابات العام الماضي، حيث دعموا إجراء تخفيض كبير في عدد اللاجئين القادمين خوفاً من أن ينجرف الناخبون تجاه «الديمقراطيين» السويديين اليمينيين المتطرفين. ولم ينجح هذا التكتيك: على الرغم من أن «الاشتراكيين الديمقراطيين» مازالوا يحتلون الصدارة، إلا أنهم حصلوا على 28.4%، في أسوأ نتيجة لهم منذ قرن. وفي المقابل، حصل «الديمقراطيون» السويديون «اليمينيون» على 17.6%، وهي قفزة كبيرة مقارنة بأدائهم في 2014.
وتعد الدنمارك، التي أجرت انتخابات في يونيو، دراسة حالة مهمة بشكل خاص للنتائج المختلطة التي يمكن أن تحققها هذه الاستراتيجية. فمنذ مطلع العقد الأول من القرن ال 21، كان «الديمقراطيون الاشتراكيون» (يسار –وسط)/إس بي دي/ يؤيدون سياسات الهجرة التقييدية، على أمل إبطاء صعود حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف (دي بي بي)، الذي أظهر مشاعر معادية للمهاجرين، لاقتحام التيار السياسي. وفي انتخابات 2001، أصبح/دي بي بي/ ثالث أكبر حزب في البرلمان، وأيد حكومة ائتلافية محافظة وصاغ قوانين الهجرة للعقد القادم، وحسّن أدائه باستمرار في كل انتخابات –حتى هذا العام.
ومع رؤية (إس بي دي) لأهميته تتلاشى، ألقى الحزب بدعمه وراء سياسات مكافحة الهجرة. كما أيد أيضاً الحظر الذي فُرض العام الماضي على النقاب الذي ترتديه نحو 200 امرأة مسلمة في جميع أنحاء البلاد. وحقق الحزب نجاحاً في انتخابات يونيو التي أجريت في الدنمارك وأصبح سياسي من الحزب رئيساً للوزراء ويميل إلى اليسار، وفاز ائتلاف بقياد(إس بي دي) بأغلبية المقاعد البرلمانية. ولكن ما الثمن؟ لقد أعرب العديد من الناخبين عن خيبة أملهم في الحزب الذي كان يوماً ما يدافع عن حقوق الأقليات وخان قيمه بسبب حسابات سياسية –وأضفى الشرعية على سياسات اليمين المتطرف والسياسات العنصرية.
فهل كان عليهم القيام بذلك من أجل البقاء؟ سرعان ما برز سرد مفاده أن«إس بي دي» فاز فقط لأنه اختار أجندة الهجرة القاسية لليمين.
تقول «كارينا كوزيارا-بيديرسون»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوبنهاجن، إن«الهجرة كانت مجرد جزء من القصة»، وأضافت إن مواقف الحزب بشأن الرفاهية والمناخ ساعدت أيضاً على اجتذاب الناخبين مرة أخرى.
فهل يمكن للحزب أن يفوز على أساس هذا القضايا التقدمية فقط، دون أن يميل حتى الآن إلى اليمين بشأن الهجرة؟ ربما لا نعرف إطلاقاً، لكن تحوله لليمين المتطرف له عواقب اجتماعية وخيمة.
وقد وصف أحد مساعدي ماكرون هذه الخطوة باعتبارها تكتيكية إلى حد كبير، وقال لصحيفة «ليزيكو» (الأصداء) إن ماكرون يأمل في «تجنب التطرف في الرأي العام». وبعبارة أخرى، فإن تحولاً بسيطاً نحو اليمين سيساعد على نزع فتيل جاذبية التجمع الوطني اليميني المتطرف، قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2022.
من المحتمل أنه مع دخوله العام الثالث لرئاسته، فإن ماكرون –الذي ترشح بناء على برنامج «لا يساري ولا يميني» –يُظهر ببساطة لونه الحقيقي. ولطالما أثار أعضاء حزبه اليساريين مخاوف بشأن آرائه إزاء الهجرة، بما في ذلك المناقشات التي دارت عام 2018 بشأن قانون جديد مقيّد والذي جعل من الصعب الحصول على اللجوء في فرنسا، مما زاد من فترات الاحتجاز للوافدين الجدد.
وأيا كان المزيج من السخرية مقابل المعتقدات الحقيقية، فإن تبني خطاب وسياسات أكثر صرامة بشأن الهجرة –بهدف تجنب اليمين المتطرف –أصبح تكتيكاً مشتركاً للوسطيين في أوروبا. وقد جاءت تصريحات ماكرون في أعقاب قرار رئيسة المفوضية الأوروبية الجديد «أورسولا فون دير لاين» بمنح أكبر مسؤول للهجرة في الاتحاد الأوروبي لقب «نائب الرئيس لحماية طريقة حياتنا الأوروبية» –في لغة تردد أصداء خطاب الشعبويين اليمينيين المتطرفين في أوروبا. إن «فون دير لاين» ليست قومية متشددة: عندما كانت عضوة في حكومة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، كانت تدافع عن تعهد ألمانيا بفتح أبوابها للمهاجرين وطالبي اللجوء. لكن، أيضاً، يبدو أنها تعتقد أن التنازلات تجاه المشاعر المعادية للهجرة ضرورية.
ولكن هل هي كذلك؟ تشير الأبحاث إلى أن النتائج مختلطة في أحسن الأحوال. أحياناً ينتهي الحال بالتحول نحو اليمين لأسباب تكتيكية بأن يكون له نتائج عكسية على الوسطيين الذين لا يؤمنون بسياسات الهجرة العقابية. ولا يفشل «الوسطيون» فقط في انتزاع الناخبين من الأحزاب اليمينية المتطرفة، لكنهم أيضاً يزيدون من دعمهم لتلك الأحزاب. وحتى «الوسطيون» الذين يستفيدون من السياسات الأكثر تشدداً قد لا يدركون الديناميكية التي يخلدونها: فمثل هذه التحركات تدفع النظام السياسي برمته إلى الاقتراب من القومية غير المتسامحة –مما يعزز تطبيع كراهية الأجانب التي تسير على قدم وساق بالفعل.
ومن غير الواضح أن «الوسطيين» يجب أن يتحركوا نحو «اليمين» للبقاء، كما أشار بعض المحافظين. في دراسة مهمة، بحث «كاي أرزهايمر»، الأستاذ بجامعة ماينز الألمانية، مواقف 16 حزباً (يساري –وسط) أوروبيا مع مجموعة من سياسات الهجرة لمعرفة كيف أثرت هذه المواقف على نصيب الطبقة العاملة من التصويت. ووجد «أرزهايمر» أن الأحزاب التي ظلت مع مواقف مؤيدة للمهاجرين كان أداؤها قوياً بين الناخبين من الطبقة العاملة كما هو الحال مع أولئك الذين تحولوا لليمين.
إن «ماكرون» و«فود دير لاين» ليس هما الوحيدين. فقد اتجه «الديمقراطيون الاشتراكيون» السويديون تجاه اليمين بشأن الهجرة في الفترة التي سبقت انتخابات العام الماضي، حيث دعموا إجراء تخفيض كبير في عدد اللاجئين القادمين خوفاً من أن ينجرف الناخبون تجاه «الديمقراطيين» السويديين اليمينيين المتطرفين. ولم ينجح هذا التكتيك: على الرغم من أن «الاشتراكيين الديمقراطيين» مازالوا يحتلون الصدارة، إلا أنهم حصلوا على 28.4%، في أسوأ نتيجة لهم منذ قرن. وفي المقابل، حصل «الديمقراطيون» السويديون «اليمينيون» على 17.6%، وهي قفزة كبيرة مقارنة بأدائهم في 2014.
وتعد الدنمارك، التي أجرت انتخابات في يونيو، دراسة حالة مهمة بشكل خاص للنتائج المختلطة التي يمكن أن تحققها هذه الاستراتيجية. فمنذ مطلع العقد الأول من القرن ال 21، كان «الديمقراطيون الاشتراكيون» (يسار –وسط)/إس بي دي/ يؤيدون سياسات الهجرة التقييدية، على أمل إبطاء صعود حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف (دي بي بي)، الذي أظهر مشاعر معادية للمهاجرين، لاقتحام التيار السياسي. وفي انتخابات 2001، أصبح/دي بي بي/ ثالث أكبر حزب في البرلمان، وأيد حكومة ائتلافية محافظة وصاغ قوانين الهجرة للعقد القادم، وحسّن أدائه باستمرار في كل انتخابات –حتى هذا العام.
ومع رؤية (إس بي دي) لأهميته تتلاشى، ألقى الحزب بدعمه وراء سياسات مكافحة الهجرة. كما أيد أيضاً الحظر الذي فُرض العام الماضي على النقاب الذي ترتديه نحو 200 امرأة مسلمة في جميع أنحاء البلاد. وحقق الحزب نجاحاً في انتخابات يونيو التي أجريت في الدنمارك وأصبح سياسي من الحزب رئيساً للوزراء ويميل إلى اليسار، وفاز ائتلاف بقياد(إس بي دي) بأغلبية المقاعد البرلمانية. ولكن ما الثمن؟ لقد أعرب العديد من الناخبين عن خيبة أملهم في الحزب الذي كان يوماً ما يدافع عن حقوق الأقليات وخان قيمه بسبب حسابات سياسية –وأضفى الشرعية على سياسات اليمين المتطرف والسياسات العنصرية.
فهل كان عليهم القيام بذلك من أجل البقاء؟ سرعان ما برز سرد مفاده أن«إس بي دي» فاز فقط لأنه اختار أجندة الهجرة القاسية لليمين.
تقول «كارينا كوزيارا-بيديرسون»، أستاذ العلوم السياسية بجامعة كوبنهاجن، إن«الهجرة كانت مجرد جزء من القصة»، وأضافت إن مواقف الحزب بشأن الرفاهية والمناخ ساعدت أيضاً على اجتذاب الناخبين مرة أخرى.
فهل يمكن للحزب أن يفوز على أساس هذا القضايا التقدمية فقط، دون أن يميل حتى الآن إلى اليمين بشأن الهجرة؟ ربما لا نعرف إطلاقاً، لكن تحوله لليمين المتطرف له عواقب اجتماعية وخيمة.
كارينا بايزر
كاتبة مقيمة في باريسينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»