حين وقع البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية على وثيقة الأخوة الإنسانية في دولة الإمارات العربية المتحدة في شهر فبراير الماضي، كان واضحاً أمام ناظريه أن البشرية تعيش حالة من حالات العداء، ربما غير مسبوقة، تلك التي يمكن أن تقودنا إلى صراعات كبرى، ولهذا كان التركيز في الوثيقة بنوع خاص على كرامة الجنس البشري، وأن يكون للإنسان مرتبة فائقة الاهتمام، مرتبة تليق بالكرامة التي اسبغتها عليه الأديان.
يذهب فرنسيس إلى تطبيق وثيقة الأخوة على أرض الواقع من خلال رؤيته ونظرته للمهاجرين واللاجئين، أولئك الذين القت بهم الأمواج على سواحل أوروبا لتقابلهم تيارات عنصرية أوروبية، تزيد من بؤسهم، وتفاقم من ماساتهم.
نهار الأحد الماضي كان فرنسيس الفقير وراء جدران الفاتيكان يحتفل باليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين، مشدداً في عظته على ضرورة الانتباه إلى صرخات المتأملين، ومذكراً بان الله تعالى يهتم بالنزيل الغريب وباليتيم وبالأرملة، كما يطلب منا الاهتمام بهؤلاء، فهذه هي الأخوة الحقيقية الصادقة وغير المنحولة.
ينبه فرنسيس في أحاديثه عامة إلى أن إشكالية النظرة المتدنية والجارحة لهؤلاء اللاجئين الذين اجبروا على ترك بلادهم لأسباب سياسية أو أمنية، اقتصادية أو دينية، إنما هم أخوة لنا في البشرية، وعليه فان طريقة تعاطي البعض معهم بنظرة فوقية، يعني أننا نجذر مكانا لثقافة الإقصاء في تاريخ مجتمعاتنا الحديثة، الأمر الذي سيقود لاحقاً إلى ثقافة التعالي وتصنيف البشر عرقياً وأممياً، ليكون الصدام والحروب المحطة النهائية، بالضبط كما حدث في زمن النازية، حيث نادى هتلر بفكرة الجنس الآري، ما أدى لاحقاً إلى حرب عالمية كبرى أهلكت نحو سبعين مليون من البشر.
ما الذي يتوجب علينا فعله تجاه أخوةٍ في الإنسانية يعانون من أزمات حياتية؟ بحسب وثيقة الأخوة الإنسانية، لابد من إظهار المحبة الحقيقية غير المغشوشة تجاههم من جهة، وأن نعمل جاهدين على استعادة إنسانيتهم بجانب إنسانيتنا، من دون إقصاء أحد، ومن دون ترك أحد في الخارج.
يذكرنا فرنسيس بأن بنود الأخوة الإنسانية تحثنا على السير في طريق تأمل مدى الظلم الذي يلحق بالآخرين من اللاجئين والمهاجرين من جراء فكر الإقصاء وممارسته على أرض الواقع، لا سيما وأنه فكر أناني ينطلق من حقيقة واحدة، وهي محورية الذات التي تريد الامتلاك ولا تعرف طريق التخلي أو المشاركة الإيمانية والإنسانية الخلاقة، تلك التي تدفعنا في مساقات الأمل والعمل على بشرية أكثر إنسانوية.
قبل عظته الأحد الماضي، كان فرنسيس قد كتب في رسالته هذا العام ليوم المهاجر واللاجئ يقول:«إن عالم اليوم يزداد يومياً نخبوية وقساوة تجاه المستبعدين. ولا تزال البلدان النامية تستنفذ أفضل مواردها الطبيعية والبشرية لصالح عدد قليل من الأسواق المتمايزة، ويضيف أن الحروب تجتاح فقط بعض مناطق العالم لكن الأسلحة التي تستخدم يتم نتاجها وبيعها في مناطق أخرى لا ترغب بعد ذلك في تحمل مسؤولية اللاجئين القادمين من هذه الصراعات، والذين يدفعون الثمن هم دائما الصغار، والفقراء، والأضعف، الذين يمنعون من الجلوس على الطاولة ويترك لهم «فتات» الولائم.
مثير جداً شأن البابا فرنسيس، إذ نراه يفضح جزءاً كبيراً من الزيف الأخلاقي والإنساني الذي يتشدق به الغرب، ومن يستمع إلى دعاوى وشكاوى منظمات حقوق الإنسان في أوروبا وأميركا على بعض من دول العالم النامي، يكاد يقطع بأنها تمارس أعمال السياسة بآليات ملائكية، غير أن فرنسيس يبين للعالم أنهم يبيعون الموت بيد، ويرفضون استنقاذ الفقراء والمهانين باليد الأخرى، في مشهد لا يحتاج إلى كلمات لوصف قدره ونصيبه من الزيف والتهافت.
مثل الصوت الصارخ في البرية يحذر فرنسيس الأوروبيين وبقية الدوائر الحضارية الغربية بنوع خاص من إشكالية ثقافة الرفاهية، التي لا تقيم وزناً لفكر الأخوة الإنسانية، حيث أمنا الأرض تحتوينا، وخيراتها تكفي الجميع وتزيد، شرط ألا يضرب الطمع والجشع القلوب ويعمي العقول.
يرى فرنسيس أن ثقافة الشبع والامتلاء إلى حد الثمالة لا تجعلنا نفكر إلا في أنفسنا فقط، وننسى الآخر من حولنا، ننظر إلى جياع الأرض وعطاشها، ولا نكترث إلا بما يلذ لنا من الطعام والشراب الفاخرين، ونصم آذاننا عن صرخات الآخرين، تقودنا لامبالاة ممجوجة ومرفوضة، ضمن أطر أوسع وأعرض من عولمة اللامبالاة التي تلقي بظلالها على عالمنا المعاصر.
الأخوة الإنسانية هي التي تجعلنا نتنبه لحالة الحفاظ على الرخاء دون النظر إلى أخوة يعانون من المصاعب، وكوننا نتركهم في الوحدة حالكة الظلام، فهذا معناه أن النور ينقصنا، والتفرقة تضرب صفوفنا، والازدراء تجاه الآخر يسدل ستره علينا.
يدعونا فرنسيس إلى الالتزام الجدي في طريق البحث عن عالم أكثر عدلا يمكن للجميع فيه الاستفادة من خيرات الأرض، وتتوافر به فرص للجميع تتحقق فيها الذوات الضائعة.
أحلى الكلام.. أنت أخي وأنا أحبك.
*كاتب مصري
يذهب فرنسيس إلى تطبيق وثيقة الأخوة على أرض الواقع من خلال رؤيته ونظرته للمهاجرين واللاجئين، أولئك الذين القت بهم الأمواج على سواحل أوروبا لتقابلهم تيارات عنصرية أوروبية، تزيد من بؤسهم، وتفاقم من ماساتهم.
نهار الأحد الماضي كان فرنسيس الفقير وراء جدران الفاتيكان يحتفل باليوم العالمي للمهاجرين واللاجئين، مشدداً في عظته على ضرورة الانتباه إلى صرخات المتأملين، ومذكراً بان الله تعالى يهتم بالنزيل الغريب وباليتيم وبالأرملة، كما يطلب منا الاهتمام بهؤلاء، فهذه هي الأخوة الحقيقية الصادقة وغير المنحولة.
ينبه فرنسيس في أحاديثه عامة إلى أن إشكالية النظرة المتدنية والجارحة لهؤلاء اللاجئين الذين اجبروا على ترك بلادهم لأسباب سياسية أو أمنية، اقتصادية أو دينية، إنما هم أخوة لنا في البشرية، وعليه فان طريقة تعاطي البعض معهم بنظرة فوقية، يعني أننا نجذر مكانا لثقافة الإقصاء في تاريخ مجتمعاتنا الحديثة، الأمر الذي سيقود لاحقاً إلى ثقافة التعالي وتصنيف البشر عرقياً وأممياً، ليكون الصدام والحروب المحطة النهائية، بالضبط كما حدث في زمن النازية، حيث نادى هتلر بفكرة الجنس الآري، ما أدى لاحقاً إلى حرب عالمية كبرى أهلكت نحو سبعين مليون من البشر.
ما الذي يتوجب علينا فعله تجاه أخوةٍ في الإنسانية يعانون من أزمات حياتية؟ بحسب وثيقة الأخوة الإنسانية، لابد من إظهار المحبة الحقيقية غير المغشوشة تجاههم من جهة، وأن نعمل جاهدين على استعادة إنسانيتهم بجانب إنسانيتنا، من دون إقصاء أحد، ومن دون ترك أحد في الخارج.
يذكرنا فرنسيس بأن بنود الأخوة الإنسانية تحثنا على السير في طريق تأمل مدى الظلم الذي يلحق بالآخرين من اللاجئين والمهاجرين من جراء فكر الإقصاء وممارسته على أرض الواقع، لا سيما وأنه فكر أناني ينطلق من حقيقة واحدة، وهي محورية الذات التي تريد الامتلاك ولا تعرف طريق التخلي أو المشاركة الإيمانية والإنسانية الخلاقة، تلك التي تدفعنا في مساقات الأمل والعمل على بشرية أكثر إنسانوية.
قبل عظته الأحد الماضي، كان فرنسيس قد كتب في رسالته هذا العام ليوم المهاجر واللاجئ يقول:«إن عالم اليوم يزداد يومياً نخبوية وقساوة تجاه المستبعدين. ولا تزال البلدان النامية تستنفذ أفضل مواردها الطبيعية والبشرية لصالح عدد قليل من الأسواق المتمايزة، ويضيف أن الحروب تجتاح فقط بعض مناطق العالم لكن الأسلحة التي تستخدم يتم نتاجها وبيعها في مناطق أخرى لا ترغب بعد ذلك في تحمل مسؤولية اللاجئين القادمين من هذه الصراعات، والذين يدفعون الثمن هم دائما الصغار، والفقراء، والأضعف، الذين يمنعون من الجلوس على الطاولة ويترك لهم «فتات» الولائم.
مثير جداً شأن البابا فرنسيس، إذ نراه يفضح جزءاً كبيراً من الزيف الأخلاقي والإنساني الذي يتشدق به الغرب، ومن يستمع إلى دعاوى وشكاوى منظمات حقوق الإنسان في أوروبا وأميركا على بعض من دول العالم النامي، يكاد يقطع بأنها تمارس أعمال السياسة بآليات ملائكية، غير أن فرنسيس يبين للعالم أنهم يبيعون الموت بيد، ويرفضون استنقاذ الفقراء والمهانين باليد الأخرى، في مشهد لا يحتاج إلى كلمات لوصف قدره ونصيبه من الزيف والتهافت.
مثل الصوت الصارخ في البرية يحذر فرنسيس الأوروبيين وبقية الدوائر الحضارية الغربية بنوع خاص من إشكالية ثقافة الرفاهية، التي لا تقيم وزناً لفكر الأخوة الإنسانية، حيث أمنا الأرض تحتوينا، وخيراتها تكفي الجميع وتزيد، شرط ألا يضرب الطمع والجشع القلوب ويعمي العقول.
يرى فرنسيس أن ثقافة الشبع والامتلاء إلى حد الثمالة لا تجعلنا نفكر إلا في أنفسنا فقط، وننسى الآخر من حولنا، ننظر إلى جياع الأرض وعطاشها، ولا نكترث إلا بما يلذ لنا من الطعام والشراب الفاخرين، ونصم آذاننا عن صرخات الآخرين، تقودنا لامبالاة ممجوجة ومرفوضة، ضمن أطر أوسع وأعرض من عولمة اللامبالاة التي تلقي بظلالها على عالمنا المعاصر.
الأخوة الإنسانية هي التي تجعلنا نتنبه لحالة الحفاظ على الرخاء دون النظر إلى أخوة يعانون من المصاعب، وكوننا نتركهم في الوحدة حالكة الظلام، فهذا معناه أن النور ينقصنا، والتفرقة تضرب صفوفنا، والازدراء تجاه الآخر يسدل ستره علينا.
يدعونا فرنسيس إلى الالتزام الجدي في طريق البحث عن عالم أكثر عدلا يمكن للجميع فيه الاستفادة من خيرات الأرض، وتتوافر به فرص للجميع تتحقق فيها الذوات الضائعة.
أحلى الكلام.. أنت أخي وأنا أحبك.
*كاتب مصري