في أول كلمة علنية له بعد مغادرته البيت الأبيض، حذر جون بولتون يوم الاثنين الماضي، من معالجة الرئيس دونالد ترامب لقضية كوريا الشمالية، وطعن في إصرار الرئيس لسنوات على أن كوريا الشمالية تريد إبرام اتفاق لنزع الأسلحة النووية.
ومن المعروف عن بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، انتقاده للنظام الكوري الشمالي منذ فترة طويلة. وأفصح بولتون عن اعتقاده بأن نهج التودد الدبلوماسي الذي يتبعه الرئيس ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون لن يؤدي إلا إلى تعزيز نفوذ كوريا الشمالية. وكان ترامب قد جعل من إبرام صفقة مع كوريا الشمالية من أهدافه البارزة في السياسة الخارجية. لكن بولتون أكد أنه لن تتحقق مكاسب من هذا النهج المعتمد على تأثير الشخصية. واسترسل بولتون في كلمة ألقاها في واشنطن. قبل ثلاثة أيام، قائلاً: «القرار الاستراتيجي لكيم جونج أون الذي يعمل بمقتضاه هو أنه سيفعل كل ما في وسعه للحفاظ على قدرة الأسلحة النووية، التي يمكن إطلاقها وتطويرها وتعزيزها أكثر. وفي ظل الظروف الحالية لن يتخلى أبداً عن الأسلحة النووية طوعاً».
وأقال ترامب مستشاره للأمن القومي من إدارته قبل أقل من شهر، في غمرة خلافات بشأن كيفية معالجة تحديات السياسة الخارجية بما في ذلك كوريا الشمالية. ويرى بولتون أن وقف الانتشار النووي في شبه الجزيرة الكورية هو ما يتعين على الولايات المتحدة أن تركز عليه، وليس «قدرتنا على عقد قمة ثانية مع كيم جونج أون أو حالة المفاوضات للتوصل إلى تعهد من كوريا الشمالية لن تلتزم به أبداً». أما ترامب، فهو يعتبر القمم الاستعراضية من العلامات المميزة لسياسته الخارجية وتباهى بأنها الأولى من نوعها في التاريخ. لكن لا يوجد مؤشرات على أن الأعمال النووية الاستفزازية لكوريا الشمالية قد تراجعت منذ تقارب ترامب مع الزعيم الكوري الشمالي وتبادل معه الخطابات «الجميلة» التي يروق الرئيس الأميركي التحدث عنها. وانتقد بولتون مباشرة موقف ترامب المتمثل في أن الولايات المتحدة ليست «في عجلة» بشأن تخلى كوريا الشمالية عن أسلحتها النووية.
والصدام كان قائماً بين ترامب وبولتون حول السياسة تجاه كوريا الشمالية، حتى قبل أن يترك بولتون الإدارة الأميركية. فخلال زيارة رسمية لمدة أربعة أيام لليابان في مايو الماضي، عارض ترامب كلاً من بولتون ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي اللذين وصفا اختبار كوريا الشمالية للصواريخ البالستية قصيرة المدى بأنه انتهاك لقرارات مجلس الأمن الدولي. وفي تلك الأثناء، كتب ترامب تغريدة على تويتر قال فيها: «كوريا الشمالية أطلقت بعض الأسلحة الصغيرة التي أزعجت بعضاً من أفراد شعبي وآخرين لكنها لم تزعجني» مشيراً إلى أنه يثق في أن «كيم» «سيحافظ على وعده لي». وأشار ترامب أيضاً إلى تعليقات بولتون بشأن إتباع «النموذج الليبي» في نزع أسلحة كوريا الشمالية باعتبارها من بين أسباب إقالته. وذكر ترامب أنه يحمل بولتون مسؤولية أكبر من «كيم» عن توقف المحادثات. وصرح ترامب للصحفيين في سبتمبر من العام الجاري متحدثاً عن كيم قائلاً: «إنه لم يرد أن يفعل شيئاً مع بولتون». لكن تصريحات بولتون كشفت المزيد عن الخلافات العميقة بشأن استراتيجية التعامل مع كوريا الشمالية داخل إدارة ترامب، وأثارت أسئلة بشأن احتمال ظهور انقسامات أخرى علناً.
وأدلى بولتون بتعليقاته أثناء كلمة في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية» في واشنطن. ولم يُحاصر بولتون أثناء كلمته بأسئلة حول أي من القضايا الأخرى سوى كوريا الشمالية وموقف الولايات المتحدة من آسيا. وعبر بولتون عن سعادته أنه «يتحدث بصراحة عن التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية». ولقي ظهور بولتون ترحيباً مع توقع أنه قد يلقي الضوء على مثير الشكاوى التي أدت إلى التحقيق بشأن توجيه الاتهام للرئيس الأميركي.
وكان بولتون مازال يشغل منصب مستشار الأمن القومي في 25 يوليو، وهو اليوم الذي تحدث فيه ترامب في الهاتف مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وضغط مراراً على الزعيم الأوكراني ليدشن تحقيقاً مع جو بايدن نائب الرئيس السابق ومنافسه السياسي المحتمل. ومن المعتاد لمستشار الأمن القومي أن يكون على إطلاع بكل المكالمات مع الزعماء الأجانب، لكن بولتون لم يفصح تماماً عن مدى علمه بالمكالمة التي أصبحت محور معركة توجيه الاتهام للرئيس الأميركي. وانصب اهتمام بولتون على التحذير من كوريا الشمالية قائلاً: «كل يوم يمر يجعل كوريا الشمالية دولة أكثر خطورة. متى يفوت الأوان؟ اليوم أفضل من غدٍ وغداً أفضل من اليوم التالي».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»