في لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في برنامج (60minutes) التلفزيوني على قناة cbs الأميركية، ذكر سموه أنه لا تفسير لهجوم إيران على معملي النفط في بقيق وخريص التابعين لشركة «أرامكو» سوى أنه حماقة، ولا يوجد دافع «استراتيجي» غير ذلك، والأحمق هو من يهاجم نحو 5 في المئة من إمدادات العالم النفطية. وإيران تتصرف بحماقة حين تفقد الأمل في التصرف بذكاء، فيعتقد ملاليها أن المملكة سوف ترد عليهم بالمثل بعد العمل الإجرامي الذي طال إمدادات النفط!
لم تنجح إيران في الزج بالمملكة العربية السعودية ودول الخليج إلى منزلقات عسكرية غير محسوبة، ولن يُحسم عبث إيران في المنطقة واستفزازاتها المستمرة في مياه الخليج بمسايرة ما تخطط له طهران وتنفذه عبر أذرعها ومليشياتها العسكرية في عدة بلدان، وسوف تستمر إيران في عبثها الذي تتصاعد وتيرته مع تصاعد الفشل السياسي الذي تعانيه داخلياً وخارجياً. وباختصار لن تخسر إيران أكثر مما خسرته في سياستها الخارجية، بل تعتقد أنها تكسب جبهة داخلية في حال افتعلت حرباً يكون الطرف الآخر فيها أميركا التي يسميها نظام الملالي «الشيطان الأكبر»! فبعد ضرب قطاع الطاقة وتعطيل ما يقرب من 5.5 في المئة من الاحتياجات العالمية للنفط، وبعد عمليات الاعتداء على ست ناقلات ما بين حرق وقرصنة وتعطيل لخطوط الملاحة البحرية العالمية وممراتها.. وأمام هذا الضبط الهائل للنفس من قبل المملكة ودول الخليج، لن يتبقى أمام إيران إلا طاولة المفاوضات التي يعتقد نظام الملالي أنها هزيمة وأيما هزيمة له. فعلى الطاولة سوف توقّع إيران عدة تعهدات، وسوف ترضخ صاغرة لاتفاقيات ملزمة لها بالكف عن دعم الإرهاب في المنطقة وبوقف تهديدها لأمن الخليج.. وهذا كفيل بأن يجعلنا ننعم بالهدوء والأمان وبأن يغلق عدة ملفات مؤرّقة على رأسها ملف اليمن. إذن الحل السلمي هو الغاية التي سوف تحجّم العبث الإيراني وليس الخيار العسكري الذي يعزز جبهتها الداخلية وبالتالي يعزز صعود أسهم الملالي لكسب الشعبوية المطلوبة في ظل تزايد السخط الداخلي وسط ظروف عصيبة تترجمها نقمة الشعب الإيراني من أجل قوت يومه المسلوب ولقمة العيش المغموسة في الذل والهوان. وهذا ما تحاول إيران تجنّبه في الوقت الحالي، وأعني خيار التهدئة التي قد تقودها لقبول الحلول السلمية.
التوقيت الذي راهنت عليه إيران في تحركاتها العسكرية الأخيرة متمثلةً في ضرب مصادر النفط وخطوط الملاحة وعدة مواقع متفرقة من بينها السفارة الأميركية في بغداد.. هو توقيت دقيق أرادت أن تستغل فيه معترك الانتخابات الأميركية والذي بدوره قد يثني الرئيس الأميركي عن اتخاذ بعض القرارات الجريئة حيال إيران، مما يفسر تصاعد «جرأة» العمليات العسكرية والضربات المحتملة خلال الأيام المقبلة في سباق مع انطلاق مشروع التحالف العسكري البحري «أمن» الذي يغطي مضيق هرمز وباب المندب وبحر عُمان والخليج العربي، والمزمع البدء به قريباً وفق اتفاق دولي لحماية الملاحة في الخليج العربي. ويهدف المشروع إلى حماية السفن التجارية بتوفير الإبحار الآمن وحماية مصالح الدول المشاركة فيه ومن ثم الإسهام في حفظ السلم والأمن الدوليين.
وعوداً إلى الضربات التي طالت معملين مهمين لمصادر الطاقة في بقيق وخريص شرق المملكة العربية السعودية، يتحتم علينا أن نعلم بأن المملكة لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه استفزازات إيران، بل سترد على الهجوم وفقاً للقانون الدولي وما تقتضيه قرارات محكمة العدل ومجلس الأمن الدوليين تجاه هذه الجرائم، وهذا كفيل بإحباط أي «حماقات» قد ترتكبها إيران مستقبلاً قبل أن يقرع جرس حلبة الانتخابات الأميركية معلِناً انتهاء جولاتها!
*كاتبة سعودية