مع خروج الحشود إلى الشوارع للمطالبة باتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ وقيام النشطاء بتوبيخ الأمم المتحدة، عادت ظاهرة الاحترار العالمي لتتصدر الأحداث. ويبدو أن الغموض الذي شاب الوقائع خلال السنوات الماضية قد أفسح المجال لإدراك عام بأنه يجب القيام بشيء ما. وستكون الجهود شاملة وعالمية، والبدء الآن أفضل من البدء لاحقاً.
لكن هذا يتركنا مع مسألة كيفية حل المشكلة. من الأفضل ترك حلول الخيال العلمي، مثل تغطية الكوكب بمركبات الكبريت لمنع أشعة الشمس، كملاذ أخير، حيث إن تكنولوجيات سحب ثاني أكسيد الكربون من الجو واعدة بشكل أكبر، لكنها ما تزال في مرحلة البحث. ويتفق الجميع على أن أفضل حل هو التحول عن الاقتصاد الذي يعتمد على الوقود الأحفوري في أسرع وقت ممكن.
ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن لديهم طريقة بسيطة وراقية للقيام بهذا الأمر؛ ألا وهي فرض ضريبة على استخدام الكربون. وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت مجموعة كبيرة من العلماء، من جميع الأطياف الأيديولوجية، بياناً تدعو فيه إلى فرض ضريبة على الجهات التي تتسبب في حدوث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مع صرف عائدات هذه الضرائب لجميع الأميركيين في شكل أرباح. ووجدت الدراسات الاستقصائية التي أجراها كبار الاقتصاديين دعماً قوياً لهذه السياسة.
والمنطق الكامن وراء تلك الفكرة منطق واضح وبسيط؛ فكل طن من الكربون المنبعث في الهواء يزيد الاحتباس الحراري بمقدار معين. وهذا يسبب قدراً معيناً من الضرر للجمهور، أو ما يسمّيه الاقتصاديون «التكلفة الاجتماعية للكربون». وتقول النظرية الاقتصادية الأساسية إنه ينبغي للحكومة التعامل مع الموقف من خلال تقدير هذه التكلفة وتحديد ضريبة تعادل الضرر الناتج. إنها فكرة أنيقة ونظيفة ولا تتطلب من الحكومة أن تبدأ في التدخل في التفاصيل المزعجة عبر إصدار أوامر باستخدام الطاقة المتجددة.
ورغم ذلك، ثمة مشكلة كبيرة، إذ إن فرض ضريبة على الكربون ليس كافياً بالتأكيد لإنجاز المهمة.
أولا، إن تقدير التكلفة الاجتماعية أمر صعب للغاية. وعلى الاقتصاديين أن يأخذوا بعين الاعتبار جميع الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن الاحترار العالمي، مثل الفيضانات وفساد المحاصيل وفقدان الممتلكات الساحلية وحرائق الغابات والجفاف وموجات الحر وتدمير الموائل وغيرها. وإذا أخذوا فقط بعض هذه المشكلات في الاعتبار، فسيكون تقدير الضرر الكلي منخفضاً للغاية. ويمكن أن يحدث هذا أيضاً إذا فشلت أي من الافتراضات في النماذج الاقتصادية، كما يحدث في أغلب الأحيان.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بضرائب الكربون، وهي كونها تستهدف الضرر المتوقع من ظاهرة الاحتباس الحراري، بدلا من الضرر المحتمل. وكما أوضح الخبير الاقتصادي الراحل «مارتن فايتسمان»، إذا كان هناك احتمال ضئيل لحدوث تدمير شديد بسبب تغير المناخ، فيمكن أن يجعل التحليل القياسي للتكاليف والفوائد غير ذي صلة. وفرض ضرائب الكربون يشبه حمل مظلة لكنه لا يستطيع شراء التأمين ضد الفيضانات.
كما تفشل الضرائب أيضاً في اغتنام واحدة من أكبر الفرص لخفض الانبعاثات، وهي الإحلال التكنولوجي. وكما أشار الكاتب «رامز نعام»، فإن دفع الشركات لتبني تكنولوجيات خالية من الكربون، والعديد منها الآن يتنافس من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري، فإنه يمكن إحداث ضجة أكبر بكثير من الضريبة.
وإلى ذلك، لن تكون ضرائب الكربون كافية لبناء البنية التحتية اللازمة للتحول نحو الطاقة الخضراء. تقليدياً، لم يكن القطاع الخاص جيداً في تنفيذ مشاريع كبيرة للاستخدام العام مثل إنشاء شبكات ذكية. والضرائب لن تغير هذه الحقيقة.
ومن ناحية أخرى، فإن ضرائب الكربون لها عيب آخر؛ فالاحترار عالمي، لكن الضرائب ليست كذلك. فالولايات المتحدة تطلق الكثير من انبعاثات الكربون لكل شخص، لكنها في المجمل لديها شريحة متواضعة ومتقلصة من الانبعاثات العالمية.
دعونا نأمل أن تتبع بلدان نامية، مثل الصين، المثال الأخلاقي للولايات المتحدة، وأن تطبق ضرائب الكربون الصارمة الخاصة بها. لكن ليس هناك ضمان لقيامها بذلك. فالأولوية القصوى للبلدان النامية هي بناء ثروة الطبقة المتوسطة والتخفيف من وطأة الفقر، وأي ضرائب تهدد النمو ستكون محكوماً عليها بالفشل. وفي تطور مثير للقلق، من خلال خفض الطلب على النفط وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، يمكن لضريبة الكربون الأميركية أن تخفض سعر أنواع الوقود هذه بالنسبة للصين والبلدان الأخرى، مما يؤدي إلى إبطاء تحولها إلى مصادر الطاقة المتجددة.
هل تعني هذه المشاكل أن ضريبة الكربون غير مجدية؟ لا، إنها شيء جيد، ويمكنها أن تفعل شيئاً لا تستطيع سياسات أكثر استهدافاً مثل إصدار أوامر باستخدام الطاقة المتجددة القيام به. ومن خلال تغيير الحوافز في جميع قطاعات الاقتصاد، يمكن أن تشجع الشركات على تنفيذ مجموعة من التدابير الصغيرة لتوفير الطاقة وخفض الانبعاثات التي قد يتجاهلها المزيد من التدخل الحكومة المباشر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لكن هذا يتركنا مع مسألة كيفية حل المشكلة. من الأفضل ترك حلول الخيال العلمي، مثل تغطية الكوكب بمركبات الكبريت لمنع أشعة الشمس، كملاذ أخير، حيث إن تكنولوجيات سحب ثاني أكسيد الكربون من الجو واعدة بشكل أكبر، لكنها ما تزال في مرحلة البحث. ويتفق الجميع على أن أفضل حل هو التحول عن الاقتصاد الذي يعتمد على الوقود الأحفوري في أسرع وقت ممكن.
ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن لديهم طريقة بسيطة وراقية للقيام بهذا الأمر؛ ألا وهي فرض ضريبة على استخدام الكربون. وفي وقت سابق من هذا العام، أصدرت مجموعة كبيرة من العلماء، من جميع الأطياف الأيديولوجية، بياناً تدعو فيه إلى فرض ضريبة على الجهات التي تتسبب في حدوث انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مع صرف عائدات هذه الضرائب لجميع الأميركيين في شكل أرباح. ووجدت الدراسات الاستقصائية التي أجراها كبار الاقتصاديين دعماً قوياً لهذه السياسة.
والمنطق الكامن وراء تلك الفكرة منطق واضح وبسيط؛ فكل طن من الكربون المنبعث في الهواء يزيد الاحتباس الحراري بمقدار معين. وهذا يسبب قدراً معيناً من الضرر للجمهور، أو ما يسمّيه الاقتصاديون «التكلفة الاجتماعية للكربون». وتقول النظرية الاقتصادية الأساسية إنه ينبغي للحكومة التعامل مع الموقف من خلال تقدير هذه التكلفة وتحديد ضريبة تعادل الضرر الناتج. إنها فكرة أنيقة ونظيفة ولا تتطلب من الحكومة أن تبدأ في التدخل في التفاصيل المزعجة عبر إصدار أوامر باستخدام الطاقة المتجددة.
ورغم ذلك، ثمة مشكلة كبيرة، إذ إن فرض ضريبة على الكربون ليس كافياً بالتأكيد لإنجاز المهمة.
أولا، إن تقدير التكلفة الاجتماعية أمر صعب للغاية. وعلى الاقتصاديين أن يأخذوا بعين الاعتبار جميع الأضرار المحتملة التي قد تنجم عن الاحترار العالمي، مثل الفيضانات وفساد المحاصيل وفقدان الممتلكات الساحلية وحرائق الغابات والجفاف وموجات الحر وتدمير الموائل وغيرها. وإذا أخذوا فقط بعض هذه المشكلات في الاعتبار، فسيكون تقدير الضرر الكلي منخفضاً للغاية. ويمكن أن يحدث هذا أيضاً إذا فشلت أي من الافتراضات في النماذج الاقتصادية، كما يحدث في أغلب الأحيان.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بضرائب الكربون، وهي كونها تستهدف الضرر المتوقع من ظاهرة الاحتباس الحراري، بدلا من الضرر المحتمل. وكما أوضح الخبير الاقتصادي الراحل «مارتن فايتسمان»، إذا كان هناك احتمال ضئيل لحدوث تدمير شديد بسبب تغير المناخ، فيمكن أن يجعل التحليل القياسي للتكاليف والفوائد غير ذي صلة. وفرض ضرائب الكربون يشبه حمل مظلة لكنه لا يستطيع شراء التأمين ضد الفيضانات.
كما تفشل الضرائب أيضاً في اغتنام واحدة من أكبر الفرص لخفض الانبعاثات، وهي الإحلال التكنولوجي. وكما أشار الكاتب «رامز نعام»، فإن دفع الشركات لتبني تكنولوجيات خالية من الكربون، والعديد منها الآن يتنافس من حيث التكلفة مع الوقود الأحفوري، فإنه يمكن إحداث ضجة أكبر بكثير من الضريبة.
وإلى ذلك، لن تكون ضرائب الكربون كافية لبناء البنية التحتية اللازمة للتحول نحو الطاقة الخضراء. تقليدياً، لم يكن القطاع الخاص جيداً في تنفيذ مشاريع كبيرة للاستخدام العام مثل إنشاء شبكات ذكية. والضرائب لن تغير هذه الحقيقة.
ومن ناحية أخرى، فإن ضرائب الكربون لها عيب آخر؛ فالاحترار عالمي، لكن الضرائب ليست كذلك. فالولايات المتحدة تطلق الكثير من انبعاثات الكربون لكل شخص، لكنها في المجمل لديها شريحة متواضعة ومتقلصة من الانبعاثات العالمية.
دعونا نأمل أن تتبع بلدان نامية، مثل الصين، المثال الأخلاقي للولايات المتحدة، وأن تطبق ضرائب الكربون الصارمة الخاصة بها. لكن ليس هناك ضمان لقيامها بذلك. فالأولوية القصوى للبلدان النامية هي بناء ثروة الطبقة المتوسطة والتخفيف من وطأة الفقر، وأي ضرائب تهدد النمو ستكون محكوماً عليها بالفشل. وفي تطور مثير للقلق، من خلال خفض الطلب على النفط وغيره من أنواع الوقود الأحفوري، يمكن لضريبة الكربون الأميركية أن تخفض سعر أنواع الوقود هذه بالنسبة للصين والبلدان الأخرى، مما يؤدي إلى إبطاء تحولها إلى مصادر الطاقة المتجددة.
هل تعني هذه المشاكل أن ضريبة الكربون غير مجدية؟ لا، إنها شيء جيد، ويمكنها أن تفعل شيئاً لا تستطيع سياسات أكثر استهدافاً مثل إصدار أوامر باستخدام الطاقة المتجددة القيام به. ومن خلال تغيير الحوافز في جميع قطاعات الاقتصاد، يمكن أن تشجع الشركات على تنفيذ مجموعة من التدابير الصغيرة لتوفير الطاقة وخفض الانبعاثات التي قد يتجاهلها المزيد من التدخل الحكومة المباشر.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»