أعلنت مفوضية الانتخابات في تونس عن تأهل كل من أستاذ القانون الدستوري المحافظ «قيس سعيّد» وقطب الإعلام والأعمال المحتجز «نبيل القروي» لدخول الدورة الثانية من الانتخابات التي ستُجرى في أكتوبر القادم. هذه النتائج فاجأت معظم المتابعين في العالم، بما فيهم الشعب التونسي نفسه، حيث تنافس في الانتخابات الرئاسية 26 مرشحاً يمثلون كل الطيف السياسي تقريباً.. بمن فيه الاتجاهات الاشتراكية والليبرالية والقومية والدينية الإسلامية، لكنهم جميعاً خسروا في الشوط الأول، ومنهم رئيس الحكومة الليبرالي (يوسف الشاهد)، ورئيس الجمهورية السابق اليساري (منصف المرزوقي)، ومرشح «حزب النهضة» الإخواني، ووزير الدفاع السابق مرشح حزب «نداء تونس» (عبد الكريم الزبيدي)، ومسؤولون سابقون.. ما يمثل مؤشراً قوياً على نزاهة الانتخابات ومصداقيتها، وعلى أن الانتخابات الحرة النزيهة دفعت الشباب التونسي لاختيار من يعتقدون أنه الأفضل لتمثيلهم.
لكن ماذا يعني فوز مرشحَين غير حزبيَّين ولا يملكان تجربة عملية في الحكم؟ إنه يعني، وبكل بساطة، أن الشعب التونسي لم يعد يثق بالأحزاب السياسية مهما كانت طبيعة أيديولوجيتها أو فكرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، سواء أكانت قومية أم اشتراكية أم إسلامية أم ليبرالية.. كما أن الشباب التونسي لم يعد يثق بالقيادات السياسية القديمة، وقد اختار التصويت لصالح شخصيات جديدة لا تملك قاعدة شعبية أو برنامجاً سياسياً اقتصادياً اجتماعياً متكاملاً. فالمرشح المتصدر في الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي (قيس سعيّد) صرح بأن فوزه يلقي على كاهله مسؤولية كبيرة، إذ إن المطلوب منه تحويل الإحباط إلى أمل، وهو ما يعدّ تحولاً جديداً في تاريخ تونس وثورتها الشعبية.
علينا أن نقر بأن الشعب التونسي لديه تجربة سياسية واجتماعية مختلفة ومتميزة عن باقي أشقائه من الشعوب العربية الأخرى، فتاريخ تونس، وجامعاتها، وقربها جغرافياً من أوروبا، والقيادة السياسية التي استلمت فيها السلطة بعد خروج الاستعمار الفرنسي (بزعامة الرئيس الحبيب بورقيبة الذي أدخل إصلاحات دستورية وحضارية كثيرة، منها إشراك المرأة في تنمية بلدها ومنحها حقوقاً لم تنلها شقيقتها في كثير من البلاد العربية الأخرى).. كلها عوامل جعلت التجربة التونسية تجربة خاصة ومتفردة على الصعيد العربي.
وإلى ذلك فإن النظام الدستوري التونسي هو الأقرب عربياً إلى العلمانية والليبرالية، وهذا النظام سمح بتعدد الأحزاب طالما أن الهدف هو مصلحة تونس وأن الوصول للسلطة يأتي عن طريق الانتخابات التعددية السلمية.
ولعل السؤال الذي علينا طرحه الآن هو: وماذا عن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في تونس؟ ومَن سيفوز بالمنصب الأعلى في البلاد؟
لا أحد يعرف مسبقاً نتائج الدور الثاني من الانتخابات التونسية المنتظرة خلال الأسابيع القليلة القادمة.. لكن الأمر المفترض هو أن الشعب التونسي سوف يختار الأفضل لقيادته في المرحلة القادمة. فالانتخابات الرئاسية ما هي إلا الخطوة الأولى نحو الاستقرار الديمقراطي، ومن بعدها سيتيح اختيار نواب الشعب لتمثيله في البرلمان القادم المجال لجميع الأحزاب والحركات السياسية من أجل طرح وجهات نظرها بطريقة سلمية يتم فيها احترام الرأي والرأي الآخر، مهما كانت النتائج.. طالما أن هذه الأحزاب والحركات متفقة على الوحدة الوطنية للشعب التونسي وعلى صيانة ديمقراطيته الوليدة.
*أستاذ العلوم السياسية -جامعة الكويت