تُواجه السياسة الأميركية خطر الانهيار، وقليل جداً من الناس هم من يُفكّرون في كيفية إصلاحها. وقد أذكت رئاسة دونالد ترامب انفعالات غضب قوية في أحيان كثيرة بين كل من المؤيدين والمعارضين، إلا أن المشكلة تبدو أعمق من ذلك بكثير. ومن الواضح أن الغضب السياسي يتفاقم بسبب المشاركة السياسية. وبالتأكيد من دون المشاركة، لا يمكن أن تزدهر الديمقراطية الليبرالية.
ولنأخذ على سبيل المثال المطالبات الأخيرة بمقاطعة الشركات التي أعرب المستثمرون فيها عن تأييدهم للرئيس ترامب. وقطعاً يحق للمستهلكين الامتناع عن الشراء من أية شركة كما يحلو لهم. فهي أموالهم على أية حال. والسؤال الملائم ليس ما إذا كانت مقاطعة الشركات مشروعة أم لا، فهي يمكن أن تكون أداة مهمة لإحراز تقدم، مثلما أظهرت حركة الحقوق المدنية. لكن السؤال هو ما إذا كان يمكن للأميركيين أن يعيشوا ويعملوا معاً من دون أن يكونوا مستبدين فيما يتعلق بالسياسة ومتعصبين إزاء التنوع في وجهات النظر.
وجوهر الديمقراطية الأميركية أن الناس المختلفين يمكنهم، رغم ذلك، أن يعبروا صراحة عن آرائهم، ويتركوا للنظام الديمقراطي في ظل الدستور تسوية الأمور، ويقبلوا النتيجة إلى أن تأتي الانتخابات التالية، ويواصلوا المشاركة مع بعضهم بصورة مثمرة في السياق الطبيعي لحياتهم. وباختصار، تكمن الديمقراطية الصحية في التعايش مع الاختلاف، وليس استئصاله.
لكن المفارقة أن أحد أكثر الجوانب المزعجة للابتعاد عن الخطاب السياسي الليبرالي يمكن ملاحظتها في معاقل تدريب قادة الغد: حرم الجامعات.
وهذا الواقع المزعج تم الكشف عنه بوضوح في مقالين لستيفن جيراد، أستاذ الفلسفة بكلية «ويليامز كوليدج»، ونشرتهما وكالة «بلومبيرج». ويستشهد «جيراد» بخطاب من طلاب يوضح آرائهم حول الموضوع، قالوا فيه: «إن حرية التعبير، كمصطلح، قد اختاره جناح اليمين والأحزاب الليبرالية كغطاء خطابي للعنصرية ورهاب الأجانب ومعاداة السامية وغيرها». ولسوء الحظ، ليسوا الطلاب وحدهم هم من يعتبرون حرية التعبير ضارة.
وفي اجتماع عُقد في كلية «ويليامز» حول حرية التعبير، قال أحد الأستاذة: «إن طلب دليل على الممارسات العنيفة هو في حد ذاته من ممارسات العنف». ومثل هذه الآراء تشي بأن الجامعات يجب أن تقمع كل مظاهر المنطق. ويبدو أن كثيراً منها ترغب في فعل ذلك بصورة لا تُصدّق.
وفي عام 2015، نشرت لجنة معنية بحرية التعبير في جامعة شيكاغو بياناً تؤكد فيه أهمية القضية. وأشارت إلى أن «الالتزام الجوهري من قبل الجامعة هو التزام تجاه مبدأ عدم جواز منع النقاش أو الحوار بسبب أفكار تم التعبير عنها، ويعتقد البعض أو حتى معظم أعضاء الجامعة أنها مهينة أو غير حكيمة أو غير أخلاقية أو في اتجاه خاطئ».
ومثل هذا الإعلان كان يُعتبر حتى وقت قريب مثير للجدل في حد ذاته، لكن الجامعات إما أن تكفل حرية التعبير، أو أنها ستكون عديمة الجدوى، لكن بعد مرور أكثر من أربعة أعوام، لم يتبن أو يؤيد سوى 67 كياناً، من بين أكثر من 4000 مؤسسة تعليمية في الولايات المتحدة، بيان جامعة شيكاغو.
وقد ساعد ضعف تأييد بيان شيكاغو بين القادة في مؤسسات التعليم العالي على السماح للتعصب بالتسرب بعمق في الثقافة الأميركية. وبات من الشائع الآن اعتبار أن الكلمات يمكن أن تكون شكلاً من أشكال العنف، مثلما هي الحال مع التهديد بالعنف الحقيقي. ونتيجة لذلك، باتت هناك أفكار كثيرة يجب قمعها، بدلاً من التندّر عليها والاعتراض عليها أو تنفيذها.
وبالطبع، سيزدهر الديماغوجيون من اليسار واليمين في مثل هذه البيئة، لكن الديمقراطية الليبرالية ستندحر.
كفوا عن اتهام «التعبير» بالعنف، فاستعادة القدرة على الاختلاف من دون أن نصبح أعداء متقاتلين أضحت ضرورة جديدة وعاجلة!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
ولنأخذ على سبيل المثال المطالبات الأخيرة بمقاطعة الشركات التي أعرب المستثمرون فيها عن تأييدهم للرئيس ترامب. وقطعاً يحق للمستهلكين الامتناع عن الشراء من أية شركة كما يحلو لهم. فهي أموالهم على أية حال. والسؤال الملائم ليس ما إذا كانت مقاطعة الشركات مشروعة أم لا، فهي يمكن أن تكون أداة مهمة لإحراز تقدم، مثلما أظهرت حركة الحقوق المدنية. لكن السؤال هو ما إذا كان يمكن للأميركيين أن يعيشوا ويعملوا معاً من دون أن يكونوا مستبدين فيما يتعلق بالسياسة ومتعصبين إزاء التنوع في وجهات النظر.
وجوهر الديمقراطية الأميركية أن الناس المختلفين يمكنهم، رغم ذلك، أن يعبروا صراحة عن آرائهم، ويتركوا للنظام الديمقراطي في ظل الدستور تسوية الأمور، ويقبلوا النتيجة إلى أن تأتي الانتخابات التالية، ويواصلوا المشاركة مع بعضهم بصورة مثمرة في السياق الطبيعي لحياتهم. وباختصار، تكمن الديمقراطية الصحية في التعايش مع الاختلاف، وليس استئصاله.
لكن المفارقة أن أحد أكثر الجوانب المزعجة للابتعاد عن الخطاب السياسي الليبرالي يمكن ملاحظتها في معاقل تدريب قادة الغد: حرم الجامعات.
وهذا الواقع المزعج تم الكشف عنه بوضوح في مقالين لستيفن جيراد، أستاذ الفلسفة بكلية «ويليامز كوليدج»، ونشرتهما وكالة «بلومبيرج». ويستشهد «جيراد» بخطاب من طلاب يوضح آرائهم حول الموضوع، قالوا فيه: «إن حرية التعبير، كمصطلح، قد اختاره جناح اليمين والأحزاب الليبرالية كغطاء خطابي للعنصرية ورهاب الأجانب ومعاداة السامية وغيرها». ولسوء الحظ، ليسوا الطلاب وحدهم هم من يعتبرون حرية التعبير ضارة.
وفي اجتماع عُقد في كلية «ويليامز» حول حرية التعبير، قال أحد الأستاذة: «إن طلب دليل على الممارسات العنيفة هو في حد ذاته من ممارسات العنف». ومثل هذه الآراء تشي بأن الجامعات يجب أن تقمع كل مظاهر المنطق. ويبدو أن كثيراً منها ترغب في فعل ذلك بصورة لا تُصدّق.
وفي عام 2015، نشرت لجنة معنية بحرية التعبير في جامعة شيكاغو بياناً تؤكد فيه أهمية القضية. وأشارت إلى أن «الالتزام الجوهري من قبل الجامعة هو التزام تجاه مبدأ عدم جواز منع النقاش أو الحوار بسبب أفكار تم التعبير عنها، ويعتقد البعض أو حتى معظم أعضاء الجامعة أنها مهينة أو غير حكيمة أو غير أخلاقية أو في اتجاه خاطئ».
ومثل هذا الإعلان كان يُعتبر حتى وقت قريب مثير للجدل في حد ذاته، لكن الجامعات إما أن تكفل حرية التعبير، أو أنها ستكون عديمة الجدوى، لكن بعد مرور أكثر من أربعة أعوام، لم يتبن أو يؤيد سوى 67 كياناً، من بين أكثر من 4000 مؤسسة تعليمية في الولايات المتحدة، بيان جامعة شيكاغو.
وقد ساعد ضعف تأييد بيان شيكاغو بين القادة في مؤسسات التعليم العالي على السماح للتعصب بالتسرب بعمق في الثقافة الأميركية. وبات من الشائع الآن اعتبار أن الكلمات يمكن أن تكون شكلاً من أشكال العنف، مثلما هي الحال مع التهديد بالعنف الحقيقي. ونتيجة لذلك، باتت هناك أفكار كثيرة يجب قمعها، بدلاً من التندّر عليها والاعتراض عليها أو تنفيذها.
وبالطبع، سيزدهر الديماغوجيون من اليسار واليمين في مثل هذه البيئة، لكن الديمقراطية الليبرالية ستندحر.
كفوا عن اتهام «التعبير» بالعنف، فاستعادة القدرة على الاختلاف من دون أن نصبح أعداء متقاتلين أضحت ضرورة جديدة وعاجلة!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»