أن تقرر القيام بزيارة رسمية لدولة صديقة وحليفة، زيارة مع وليمة من قبل الملكة في جو من الأبهة والاحتفال، ثم تبدأ الاستعدادات المعقدة اللازمة لهذه المناسبات الكبرى، بما في ذلك تجهيز القصر، بشكل صحيح، لاستقبال الضيف الكريم.. ثم فجأة تطلق فكرة أنه ربما يكون من الممتع الحصول على أجزاء من الإقليم في إطار صفقة ملكية! إنك لا تستفسر بشكل سري عن إمكانية ذلك، بل تطلق الفكرة بشكل علني ومباشر ودون أي احترازات. عندها تصاب سلطات البلد المعني بالمفاجأة قليلاً، إذ لم يكن فقدان أرض مدرجاً في جدول أعمالهم، كما أن أمراً كهذا لا يعد جزءاً من مفهوم الزيارات الرسمية الودية في عصرنا الراهن.. فترد هذه السلطات بعبارة واضحة: إن الأرض ليست للبيع.
حتى هذه النقطة، كل شيء مفاجئ؛ فالضيف الذي دعا نفسه يلغي كل شيء فجأة ويقول: إذا لم أتمكن من الحصول على صفقتي العقارية والأراضي التي أريدها، فلا أرى أي هدف للزيارة. عندها ينتهي كل شيء، ويتم إلغاء كافة الاستعدادات.
يمكن للمرء أن يعتقد أن هذا كان شيئاً يشبه ملحمة في العصور الوسطى. ولا أعرف ما إذا كان قد حدث بالفعل في تلك القرون السحيقة، لكنه ليس أمراً يصعب تصوره تماماً، على الأقل في عالم الملاحم.
بيد أنها لم تكن ملحمة من الماضي البعيد والغريب، وإنما هي قصة الزيارة التي كان مقرراً أن يؤديها رئيس الولايات المتحدة لملكة الدنمارك.
وفي العصر الحديث، فإنني على يقين من أنه أمر فريد أن يقوم رئيس دولة بزيارة رسمية لرئيس دولة أخرى، شريطة أن يكون الأخير على استعداد لتسليم بعض أراضي بلده. أكاد أجزم أن الناس في جميع أنحاء العالم يهزون رؤوسهم في حالة من عدم التصديق.
وبصرف النظر عن المشهد العجيب للأمر برمته، والسلوك غير المعهود حيال حليف مخلص منذ أمد طويل، فإن قضيتي جرينلاند والقطب الشمالي تتصف بالخطورة فعلاً.
لكن الطريقة بالتأكيد ليست هي تبادل الأراضي. فجرينلاند ليست للبيع، ولا كذلك سفالبارد أو آيسلندا. وبدلاً من ذلك، فإن الطريقة الضرورية للمضي قدماً هي تطوير التعاون بين سائر أصحاب المصالح في هذه المنطقة الشاسعة والصعبة، لمواجهة التحديات المشتركة بينهم جميعاً. وأخطر هذه التحديات على الإطلاق هو التغير المناخي وآثاره المتزايدة.
عندما حضرت الولايات المتحدة، ممثلة في وزير الخارجية مايك بومبيو، الاجتماع الوزاري لمجلس القطب الشمالي في روفانيمي، بفنلندا، خصص بومبيو معظم وقت مداخلته لمهاجمة الصين، وانتهى إلى الاعتراض على البيان الذي تم الاتفاق عليه من قبل الجميع، والذي أشار إلى التغير المناخي، وهذا لم يكن مقبولاً لإدارة ترامب. كان البقية الآخرون كلهم يناقشون القليل من الأمور إلا ارتفاع درجات الحرارة، التي تحدث هنا بشكل أسرع بمرتين أو ثلاثة عن أي مكان آخر على الأرض. وعلى أية حال، فقد أصدر البقية الآخرون ذلك البيان المتفق عليه بينهم. لكن بومبيو ذهب بعيداً، قائلاً إنه في طريقه إلى جرينلاند. ولم يظهر، لقد ألغى الزيارة.
ويبدو أن إلغاء الزيارات الآن هو كل مل تبقى من سياسة القطب الشمالي بالنسبة للولايات المتحدة. وجميع الدول الأخرى حريصة على أن تحاول منع جرينلاند من التحول مرة أخرى إلى اللون الأخضر. وسنعاني جميعاً من العواقب.
*رئيس وزراء السويد السابق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
حتى هذه النقطة، كل شيء مفاجئ؛ فالضيف الذي دعا نفسه يلغي كل شيء فجأة ويقول: إذا لم أتمكن من الحصول على صفقتي العقارية والأراضي التي أريدها، فلا أرى أي هدف للزيارة. عندها ينتهي كل شيء، ويتم إلغاء كافة الاستعدادات.
يمكن للمرء أن يعتقد أن هذا كان شيئاً يشبه ملحمة في العصور الوسطى. ولا أعرف ما إذا كان قد حدث بالفعل في تلك القرون السحيقة، لكنه ليس أمراً يصعب تصوره تماماً، على الأقل في عالم الملاحم.
بيد أنها لم تكن ملحمة من الماضي البعيد والغريب، وإنما هي قصة الزيارة التي كان مقرراً أن يؤديها رئيس الولايات المتحدة لملكة الدنمارك.
وفي العصر الحديث، فإنني على يقين من أنه أمر فريد أن يقوم رئيس دولة بزيارة رسمية لرئيس دولة أخرى، شريطة أن يكون الأخير على استعداد لتسليم بعض أراضي بلده. أكاد أجزم أن الناس في جميع أنحاء العالم يهزون رؤوسهم في حالة من عدم التصديق.
وبصرف النظر عن المشهد العجيب للأمر برمته، والسلوك غير المعهود حيال حليف مخلص منذ أمد طويل، فإن قضيتي جرينلاند والقطب الشمالي تتصف بالخطورة فعلاً.
لكن الطريقة بالتأكيد ليست هي تبادل الأراضي. فجرينلاند ليست للبيع، ولا كذلك سفالبارد أو آيسلندا. وبدلاً من ذلك، فإن الطريقة الضرورية للمضي قدماً هي تطوير التعاون بين سائر أصحاب المصالح في هذه المنطقة الشاسعة والصعبة، لمواجهة التحديات المشتركة بينهم جميعاً. وأخطر هذه التحديات على الإطلاق هو التغير المناخي وآثاره المتزايدة.
عندما حضرت الولايات المتحدة، ممثلة في وزير الخارجية مايك بومبيو، الاجتماع الوزاري لمجلس القطب الشمالي في روفانيمي، بفنلندا، خصص بومبيو معظم وقت مداخلته لمهاجمة الصين، وانتهى إلى الاعتراض على البيان الذي تم الاتفاق عليه من قبل الجميع، والذي أشار إلى التغير المناخي، وهذا لم يكن مقبولاً لإدارة ترامب. كان البقية الآخرون كلهم يناقشون القليل من الأمور إلا ارتفاع درجات الحرارة، التي تحدث هنا بشكل أسرع بمرتين أو ثلاثة عن أي مكان آخر على الأرض. وعلى أية حال، فقد أصدر البقية الآخرون ذلك البيان المتفق عليه بينهم. لكن بومبيو ذهب بعيداً، قائلاً إنه في طريقه إلى جرينلاند. ولم يظهر، لقد ألغى الزيارة.
ويبدو أن إلغاء الزيارات الآن هو كل مل تبقى من سياسة القطب الشمالي بالنسبة للولايات المتحدة. وجميع الدول الأخرى حريصة على أن تحاول منع جرينلاند من التحول مرة أخرى إلى اللون الأخضر. وسنعاني جميعاً من العواقب.
*رئيس وزراء السويد السابق
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»