«بيارتس» مدينة جميلة في الجنوب الغربي لفرنسا، تطل على المحيط، وتتجاور مع الحدود الفرنسية الإسبانية، وهي أيضاً مدينة صغيرة، حيث لم يكن بها منذ عشرين عاماً إلا مطعم ماكدونالد واحد، بالإضافة إلى المطاعم المحلية المتميزة.. لكنها اشتهرت في الأيام الماضية الأخيرة بسبب انعقاد القمة الـ45 لمجموعة الدول السبع الكبرى (G7).
والسؤال الرئيسي هو: هل ما تزال هذه المجموعة موحدة؟ وهل ما تزال تقود العالم؟ وكيف تتعامل مع السيولة الدولية الحالية؟ وما تأثير هذه السيولة علينا في المنطقة العربية؟ وكيف يجب أن يكون سلوكنا حيالها؟
بدأت G7 في عام 1976، أي أثناء الحرب الباردة، وكانت بالأساس مجموعة الدول الرأسمالية أو المعسكر الغربي ضد المعسكر الشرقي. وبعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي في بداية التسعينيات، انضمت روسيا للمجموعة لتصبح G8، لكن تم تجميد عضويتها بعد غزوها أوكرانيا، مع وجود تكهنات الآن بعودتها مجدداً.
وكما هي العادة في العديد من الائتلافات الدولية، هناك بعض الخلافات بين الأعضاء، تكبر وتصغر، وأهمية العمل الدبلوماسي تتمثل في مواجهة هذه الخلافات حتى يتحقق الانسجام والتآلف بين الأعضاء.
لكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يرأس أقوى الدول الأعضاء، وقد جاء إلى البيت الأبيض من خارج النخبة السياسية التقليدية، كثيراً ما خرج على بعض القواعد الدبلوماسية بهذا الصدد، وهو يميل إلى أسلوب الفوز الكامل، وفرض الخسارة الكلية على خصمه، ورفض الحلول الوسط. وهكذا تتطور الخلافات الطبيعية والمتوقعة لتصبح انقسامات حادة، ومن ذلك تدمير منطقة التجارة الحرة مع كندا والمكسيك، وإلغاء زيارته للدنمارك (عضو حلف «الناتو») لرفضها الانسياق وراء رغبته في التخلي عن سيادتها على جزيرة جرينلاند وبيعها له.
وعلى خلفية التوجهات الأميركية الجديدة، يخبرني بعض زملائي الأوروبيين بأن الضغط الشعبي الآن يزداد في القارة لتقليل اعتمادها على العلاقة مع الولايات المتحدة والشراكة عبر الأطلسي، والتوجه بدلاً من ذلك نحو تعظيم العلاقة مع آسيا والتخطيط لشراكة أوروبية آسيوية في المجالات الاقتصادية والسياسة والاستراتيجية. لذلك فقد تشهد القمة القادمة لمجموعة السبع الكبرى استقبال الصين ليس فقط كضيف، وإنما كدولة بصدد نيل العضوية في المجموعة.
بسبب هذه السيولة الكبيرة في العلاقات الدولية بين الكيانات والبلدان الكبرى، فإن الأسلوب الأمثل للمنطقة العربية هو عدم ترك مصيرها بأيدي الآخرين ليقرروا فيه ما يريدون. فمثلاً تمت فجأة دعوة وزير الخارجية الإيراني إلى «بيارتس» لمقابلة أعضاء G7 ومناقشة الأزمة النووية الإيرانية.. فما هو رد فعل المنطقة على مثل هذه المبادرات والمناقشات؟ وهل يمكن مثلاً تكليف أحد بنوك الفكر الكثيرة في المنطقة بتنظيم ورشة عمل لتحليل الوضع الحالي، واستشراف سيناريوهات المستقبل، فيما يتعلق بإيران والمنطقة ككل؟
باختصار لا ينبغي أن نكون مجرد متفرجين أمام السيولة الدولية الحالية، ونترك للآخرين تقرير مستقبل العالم، بما فيه مستقبل منطقتنا.
*أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأميركية -القاهرة