لماذا فرضت حرائق غابة الأمازون الهائلة نفسها في اللحظة الأخيرة كقضية رئيسية على جدول الأعمال في اليوم الأول لقمة مجموعة السبع الكبرى في بياريتس بفرنسا، رغم وجودها على بعد عشرات الآلاف من الكيلومترات عن معظم الدول المكونة للمجموعة؟ الجواب يكمن في أن تلك المنطقة الهائلة بمساحتها ومكوناتها تعد رئة كوكبنا الأرضي، وفي حالة اختفائها بل وحتى إزالة بعض أجزائها، ستكون الآثار على كوكب الأرض خطيرة للغاية. وقد نبه الرئيس الفرنسي قبل بداية القمة إلى أن هذه الغابات تنتج 20 من الأوكسجين على الكوكب، وبالتالي فإن «أوكسجين الأرض» هو الذي يحترق، والأمر لا يتعلق بمجرد حريق بسيط.
وتقول الكاتبة ليلا نارجي في تقرير نشرته مجلة «ريدرز دايجست» الأميركية، إن غابة الأمازون التي تمتد على أجزاء من بوليفيا وكولومبيا والإكوادور وغويانا الفرنسية وغيانا وبيرو وسورينام وفنزويلا و60 من البرازيل، تجد نفسها تتبع مساراً يقوض كل السياسات العمومية المتبعة لمنع إزالة تلكم الغابات منذ سنوات.
وقبل سبعينيات القرن العشرين، كانت الغابات المطيرة بالبرازيل وحدها تمتد على أكثر من 1.54 مليون ميل مربع. لكن حسب تقارير بعض المنظمات الجادة، بدأت مساحة هذه الغابات تتقلص منذ ذلك الحين، ودُمرت تدريجياً عبر قطع الأشجار غير القانوني ومزارع فول الصويا. وفي 2018، بلغت حصة البرازيل من الغابات المطيرة 1.274 مليون متر مربع، لكن مع وجود الحكومة الحالية بدأ هذا الرقم يتراجع بسرعة البرق، إذ يقول مختصون إن الخطابات المناهضة للبيئة التي يلقيها الرئيس البرازيلي يائير بولسونارو تشجع الأنشطة الخاصة بالتخلص من الأشجار. أما بولسونارو، المتشكك في قضية التغير المناخي، فيتّهم منظمات غير حكومية بإشعال الحرائق لتشويه صورة حكومته. وقد استدرك في وقت لاحق قائلا إن الحكومة تفتقر للموارد اللازمة لإطفاء الحرائق.
وكتبت ليلى نرجي في مقالتها القيمة أن منطقة الأمازون تتضمن نسبة لا يعلى عليها من النباتات والحيوانات تمثل 10 من مجموع أنواع النباتات والحيوانات على كوكبنا. وتُخزّن هذه الغابة المطيرة مئة مليار طن متري من الكربون. ووفقاً للصندوق العالمي للطبيعة، تقوم هذه الغابات بتصفية ثاني أكسيد الكربون من الهواء الذي نتنفسه وتتحكم في مناخنا من خلال التبخر.
ووفقاً لمجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، فإن قطع الأشجار في الأمازون سيؤدي إلى إطلاق «كميات هائلة من الغازات الدفيئة التي تزيد من حرارة كوكب الأرض». ويقول الباحث بمجال الغابات الاستوائية «أدريان إسكوفيل مولبرت» للمجلة، إننا «إذا تلاعبنا بغابات الأمازون، فسوف تزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير وسيتسبب ذلك في معاناة الجميع جرّاء تدني جودة الهواء وارتفاع درجات الحرارة العالمية».
وللأسف الشديد تجتاح اليوم مئات الحرائق الجديدة غابات الأمازون شمال البرازيل، رغم تعبئة السلطات المحلية آلاف الجنود للمساعدة في مكافحة أسوأ نيران عرفتها البلاد منذ سنوات. وأثارت هذه الحرائق التي تجتاح أكبر غابة استوائية في العالم غضباً دولياً وباتت أحد أهم مواضيع النقاش في قمة مجموعة السبع بفرنسا. وفي يوم الجمعة الماضي خرج آلاف البرازيليين والأوروبيين إلى الشوارع للتنديد بهذه الحرائق. وبحسب الأرقام الرسمية فقد تم تسجيل 78383 حريق غابات في البرازيل هذا العام، في أسوأ حالة من نوعها منذ 2013. ويقول الخبراء إن عملية جرف الأرض خلال أشهر الجفاف الطويلة بغية إفساح المجال أمام زراعة المحاصيل أو لرعي الماشية، فاقم المشكلة. كما أن أكثر من نصف الحرائق كانت في الأمازون، حيث يعيش أكثر من 20 مليون شخص.
الموضوع إذن خطير إلى درجة أن ماكرون اتهم الرئيس البرازيلي بـ«الكذب» في تعهداته حول المناخ، وبـ«عدم التحرك» في مواجهة الحرائق التي تدمر منذ أيام «رئة العالم». ولعل هذه الانتقادات ستثير استياء الرئيس ترامب الذي يعد بولسونارو من أبرز حلفائه، وسنرى ردة فعله إزاء هذه القضية والقضايا الخلافية الأخرى، وهو ما سنتناوله في مقالة الأسبوع المقبل.