أدى الافتقار إلى وجود اتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة بشأن الأمور الحساسة في الشرق الأوسط، لا سيما في الأزمة القطرية، إلى زيادة الاستقطاب في وسائل الإعلام الأميركية. ونتيجة لذلك، تتخذ جماعات الضغط ذات الميول اليمينية ووسائل إعلامها موقفاً، بينما تتخذ وسائل الإعلام اليسارية موقفاً آخر، ما يزيد من حدة التوترات.
على سبيل المثال، يختلف تعامل الحزب «الديمقراطي» مع قطر وحلفائها، والتحالف الرباعي المناهض لقطر: الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، عن تعامل إدارة ترامب. ومن الواضح أن الإدارة «الجمهورية» الحالية تعارض نهج الإدارة «الديمقراطية» إبان حكم أوباما، التي اتخذت سياسيات تجاه دعاة الإسلام السياسي الذين تمثلهم قطر وحلفاؤها في إيران وتركيا. وتعارض الإدارة «الجمهورية» الحالية الاتفاق النووي الإيراني، والانسحاب السابق لأوانه للقوات الأميركية من العراق وتسليم البلاد إلى إيران، وجماعة «الإخوان» التي تم تصنيفها كمنظمة إرهابية، بينما كانت إدارة أوباما السابقة تدعمها من خلال ما هو معروف باسم «الربيع العربي». كل هذه التوترات بين اليمين واليسار تظهر في وسائل الإعلام الأميركية.
والمعضلة الأساسية في هذا النزاع، أن الليبراليين في الولايات المتحدة مثل إدارة أوباما وجدوا ترياقاً مناسباً في الجماعات مزدوجة الوجه، مثل جماعة «الإخوان» في مقابل «داعش» و«القاعدة»، لأن هذه الإدارة انخدعت في هذه الجماعات التي نظرت إليها بطريقة خاطئة وكارثية زاعمة أنها تمثل الإسلام المعتدل الذي يمكن أن يروض الجماعات الإرهابية، ضمن تصور ثبت فشله وظهرت تداعياته المدمرة.
وربما يفسر هذا سبب انسجام «التحالف الرباعي» مع الأحزاب «المحافظة» لأن هذه الأخيرة تشاركه الفكرة نفسها القائلة بأن الجماعات ذات الوجهين مثل «الإخوان» هي بوابة التطرف، في حين أن دعاة الإسلام السياسي مثل قطر وتركيا وإيران متحالفون مع الأحزاب اليسارية الليبرالية. ونظرا لأن معظم وسائل الإعلام الرئيسة الأميركية يسيطر عليها اليسار، فهي تدعم دعاة الإسلام السياسي ومن ثم تعارض التحالف الرباعي.
وينعكس هذا التحالف بوضوح في وسائل الإعلام حتى في الأحداث السلمية مثل زيارة البابا إلى الإمارات. وكان الهجوم على زيارة البابا للإمارات من قبل الموالين القطريين متوقعاً وظهرت أكاذيب بشأن الحدث في بعض وسائل الإعلام الأميركية.
وعلى الجانب الآخر، كانت تغطية وسائل الإعلام الأميركية، الموجهة نحو الأصوات «المحافظة»، لزيارة البابا إلى الإمارات أكثر موضوعية. على سبيل المثال، تم نشر تغريدة وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش حول زيارة البابا في 109 مقالات إخبارية في الصحف المحافظة على الإنترنت والمواقع الإلكترونية التابعة للقنوات التليفزيونية والإذاعية، بينما لم يتم ذكرها إلا مرة واحدة بشكل سطحي في وسائل الإعلام الرئيسة. وقد أبرزت جميع هذه المواقع، مثل «ذا ديلي هيرالد»و«ذا ميركوري نيوز» و«كريستيان توداي» الزيارة بشكل إيجابي، مؤكدة على مبادئ التسامح والتعددية في الإمارات العربية المتحدة التي يعيش بها قرابة مليون مغترب كاثوليكي، وأنها واحدة من أكثر البيئات في الخليج تسهيلاً على المسيحيين في ممارسة عباداتهم.
من خلال هذه الأمثلة، ثبت أن عدم وجود اتفاق بين الحزبين في الولايات المتحدة بشأن المسائل الحرجة في الشرق الأوسط قد أدى إلى وجود حالة من الاستقطاب في وسائل الإعلام الأميركية. ومن الواضح أيضا أن هذا الصراع الهائل بين الأحزاب السياسية في الولايات المتحدة يعيق قضايا الأمن القومي المهمة مثل مكافحة التطرف. بإمكان الأحزاب أن تختلف في مختلف القضايا، ولكن يجب أن يكون هناك اتفاق بين الحزبين في الأمور الحاسمة. فهذا الانقسام لا يؤدي فقط إلى الفوضى الإعلامية، بل إنه أيضاً يضعف تحالفات واشنطن ويجعل البعض يحاول استغلال هذا الانقسام لمصلحته الخاصة. وقد ينتهي هذا الأمر إلى جعل الولايات المتحدة حليفاً لا يُعتمد عليه ولا يُصدق، تهتز صورته وموقفه على المستوى العالمي.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي