من الصعب العثور على سياسة خارجية متماسكة في خطابات ترامب وتعليقاته على «تويتر». فهو في أحد الأيام يهدد طاغية كوريا الشمالية بالإبادة، وفي اليوم التالي يرسل له رسائل حب، وفي تغريدة له يروج لـ«وحدة الأمن السيبراني» مع روسيا، وبعد عدة تغريدات يقول إن هذا لا يمكن أن يحدث. ربما يكون هذا مربكاً بعض الشيء.
إلا أنه تحت هذه النغمات المتنافرة، لا تحاول إدارته فعلياً ترتيب السياسة الخارجية الأميركية. وبدلاً من التركيز على مكافحة الإرهاب، وحرمان الجماعات المتطرفة من الملاذ الآمن في الدول الضعيفة أو الفاشلة، تريد الولايات المتحدة إعطاء أولوية لتهديد من جهات فاعلة حكومية مثل الصين وروسيا.
وهناك مشكلة واحدة فقط في هذه الاستراتيجية: إنها تمثل خياراً خاطئاً. يمكن للولايات المتحدة محاربة جهات فاعلة غير حكومية مثل «القاعدة» و«داعش»، وإشراك الصين وروسيا في ذلك إذا لزم الأمر. وفي الوقت نفسه، يمكنها العمل لمواجهة العدوان الصيني والروسي.
ومثل هذا التحول –من التركيز على مكافحة الإرهاب إلى التركيز على منافسة القوى العظمى –قد يكون محفوفاً بالمخاطر. وقد حاول الرئيس السابق باراك أوباما ذلك، مع «تحولٍ نحو آسيا» غير مكتمل والانسحاب السابق لأوانه للقوات التقليدية من العراق. كما أيد أوباما في البداية زيادة عدد القوات في أفغانستان، فقط لسحب معظمها مرة أخرى والتفاوض مع «طالبان»، ويحاول ترامب الآن إبرام صفقة لانسحاب «قائم على شروط» مع «طالبان»، بعد زيادة متواضعة في 2017.
وأفضل مثال على توتر هذا التحول يتجسد في سوريا. هناك، كان الأكراد المعروفون باسم «وحدات حماية الشعب» حلفاء مهمين في الولايات المتحدة، ضمن حملة حليفة لسحق تنظيم «داعش»، وهم أيضاً مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بأكراد تركيا الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية داخل الأراضي التركية لعقود. وخلال العام الماضي، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسال جيشه إلى سوريا ضد حلفاء أميركا الأكراد.
وبموجب استراتيجية المنافسة بين القوى الكبرى، ستعطي الولايات المتحدة أولوية للإحساس بانعدام الأمن التركي بشأن الأكراد السوريين على المخاوف المشروعة للأكراد السوريين من هجوم الجيش التركي. وكان الأكراد السوريون قد أصبحوا حليفاً للولايات المتحدة عندما لم تتمكن أي قوات عربية محلية من الوقوف أمام «داعش»، إن تركيا حليف قديم لـ«الناتو». وفي حين أنها ابتعدت عن الغرب في السنوات الأخيرة، كما كان الحال في شرائها لنظام دفاع جوي روسي، فإن تركيا يُعتد بها أكثر بكثير من الأكراد عندما يتعلق الأمر بالمنافسة المحلية مع روسيا.
وبالنسبة للآن على الأقل، تم تجنيب الولايات المتحدة هذا الخيار المؤلم. وفي هذا الأسبوع، أعلنت تركيا و«وحدات حماية الشعب» اتفاقاً لفصل قواتهما في شمال سوريا. يقول «ديفيد أديسنيك»، مدير الأبحاث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إنه إذا صمد الاتفاق، فإنه سيسمح للولايات المتحدة «بالحفاظ على التحالفين».
وقال مسؤول أميركي رفيع إن تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد الإعداد، واصفاً الاتفاق بأنه «اتفاق لمنع الصراع» بين القوات التركية والكردية. وجزء كبير من الاتفاق سيُلزم بعض القوات الأميركية بالانخراط في دوريات مشتركة مع الجيش التركي طالما بقيت الولايات المتحدة في سوريا. وفي الوقت ذاته، فإنه يريح «وحدات حماية الشعب» من الخطر الوشيك من تركيا، ويحرر المجموعة من مواصلة العمليات ضد فلول «داعش».
من المهم التركيز على أن الاتفاق ليس: ضمان أمني أميركي للأكراد. فقد ذكر ترامب في تغريدة في يناير أن الولايات المتحدة أقرب إلى تهديد تركيا إذا هاجمت الأكراد، عندما قال إن الولايات المتحدة «ستدمر تركيا اقتصادياً» إذا تابعت التهديدات ضد الأكراد.
وهذا يسلط الضوء على العيب في النظرية الكامنة وراء التحول المزعوم: يمكن لأميركا بل ويجب عليها القيام بالأمرين معاً –مكافحة الإرهاب وفي الوقت نفسه معالجة تهديدات من جانب القوى العظمى.
إن تكديس الموارد والحلفاء لمواجهة الصين أو روسيا أو دول مارقة متوسطة الحجم مثل إيران لا يتطلب من الولايات المتحدة التوقف عن قتال الجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات. إن أرخص وأكفأ وسيلة للقيام بهذا هو من خلال نشر بعض القوات الخاصة لتدريب وتجهيز الميليشيات المحلية لمحاربة الإرهابيين في ملاذاتهم الآمنة.
ويظهر الاتفاق في سوريا أن الدبلوماسية يمكن أن تسترضي حليفاً عنيفاً دون التخلي عن هؤلاء الذين ساعدوا في الحرب الأميركية ضد الإرهاب. وإذا استمرت الصفقة، فإن معظم الفضل سيعود إلى الممثل الخاص لترامب في سوريا «جيمس جيفري». ومع ذلك، بالنسبة لمجموعات صغيرة مثل «وحدات حماية الشعب»، فإن الآثار المترتبة على الاستراتيجية الأميركية الأكبر واضحة: نحن ممتنون لمساعدتكم في مكافحة الإرهاب. ولكن إذا كنتم تتعارضون مع أحد حلفائنا المهمين، فإننا لن نحميكم.
هل هذه رسالة تريد الولايات المتحدة فعلاً إرسالها إلى الدول الأصغر التي ستحتاج إليها للمساعدة في مواجهة الصين وروسيا؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
إلا أنه تحت هذه النغمات المتنافرة، لا تحاول إدارته فعلياً ترتيب السياسة الخارجية الأميركية. وبدلاً من التركيز على مكافحة الإرهاب، وحرمان الجماعات المتطرفة من الملاذ الآمن في الدول الضعيفة أو الفاشلة، تريد الولايات المتحدة إعطاء أولوية لتهديد من جهات فاعلة حكومية مثل الصين وروسيا.
وهناك مشكلة واحدة فقط في هذه الاستراتيجية: إنها تمثل خياراً خاطئاً. يمكن للولايات المتحدة محاربة جهات فاعلة غير حكومية مثل «القاعدة» و«داعش»، وإشراك الصين وروسيا في ذلك إذا لزم الأمر. وفي الوقت نفسه، يمكنها العمل لمواجهة العدوان الصيني والروسي.
ومثل هذا التحول –من التركيز على مكافحة الإرهاب إلى التركيز على منافسة القوى العظمى –قد يكون محفوفاً بالمخاطر. وقد حاول الرئيس السابق باراك أوباما ذلك، مع «تحولٍ نحو آسيا» غير مكتمل والانسحاب السابق لأوانه للقوات التقليدية من العراق. كما أيد أوباما في البداية زيادة عدد القوات في أفغانستان، فقط لسحب معظمها مرة أخرى والتفاوض مع «طالبان»، ويحاول ترامب الآن إبرام صفقة لانسحاب «قائم على شروط» مع «طالبان»، بعد زيادة متواضعة في 2017.
وأفضل مثال على توتر هذا التحول يتجسد في سوريا. هناك، كان الأكراد المعروفون باسم «وحدات حماية الشعب» حلفاء مهمين في الولايات المتحدة، ضمن حملة حليفة لسحق تنظيم «داعش»، وهم أيضاً مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بأكراد تركيا الذين ارتكبوا أعمالاً إرهابية داخل الأراضي التركية لعقود. وخلال العام الماضي، هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإرسال جيشه إلى سوريا ضد حلفاء أميركا الأكراد.
وبموجب استراتيجية المنافسة بين القوى الكبرى، ستعطي الولايات المتحدة أولوية للإحساس بانعدام الأمن التركي بشأن الأكراد السوريين على المخاوف المشروعة للأكراد السوريين من هجوم الجيش التركي. وكان الأكراد السوريون قد أصبحوا حليفاً للولايات المتحدة عندما لم تتمكن أي قوات عربية محلية من الوقوف أمام «داعش»، إن تركيا حليف قديم لـ«الناتو». وفي حين أنها ابتعدت عن الغرب في السنوات الأخيرة، كما كان الحال في شرائها لنظام دفاع جوي روسي، فإن تركيا يُعتد بها أكثر بكثير من الأكراد عندما يتعلق الأمر بالمنافسة المحلية مع روسيا.
وبالنسبة للآن على الأقل، تم تجنيب الولايات المتحدة هذا الخيار المؤلم. وفي هذا الأسبوع، أعلنت تركيا و«وحدات حماية الشعب» اتفاقاً لفصل قواتهما في شمال سوريا. يقول «ديفيد أديسنيك»، مدير الأبحاث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، إنه إذا صمد الاتفاق، فإنه سيسمح للولايات المتحدة «بالحفاظ على التحالفين».
وقال مسؤول أميركي رفيع إن تفاصيل الاتفاق لا تزال قيد الإعداد، واصفاً الاتفاق بأنه «اتفاق لمنع الصراع» بين القوات التركية والكردية. وجزء كبير من الاتفاق سيُلزم بعض القوات الأميركية بالانخراط في دوريات مشتركة مع الجيش التركي طالما بقيت الولايات المتحدة في سوريا. وفي الوقت ذاته، فإنه يريح «وحدات حماية الشعب» من الخطر الوشيك من تركيا، ويحرر المجموعة من مواصلة العمليات ضد فلول «داعش».
من المهم التركيز على أن الاتفاق ليس: ضمان أمني أميركي للأكراد. فقد ذكر ترامب في تغريدة في يناير أن الولايات المتحدة أقرب إلى تهديد تركيا إذا هاجمت الأكراد، عندما قال إن الولايات المتحدة «ستدمر تركيا اقتصادياً» إذا تابعت التهديدات ضد الأكراد.
وهذا يسلط الضوء على العيب في النظرية الكامنة وراء التحول المزعوم: يمكن لأميركا بل ويجب عليها القيام بالأمرين معاً –مكافحة الإرهاب وفي الوقت نفسه معالجة تهديدات من جانب القوى العظمى.
إن تكديس الموارد والحلفاء لمواجهة الصين أو روسيا أو دول مارقة متوسطة الحجم مثل إيران لا يتطلب من الولايات المتحدة التوقف عن قتال الجماعات الإرهابية متعددة الجنسيات. إن أرخص وأكفأ وسيلة للقيام بهذا هو من خلال نشر بعض القوات الخاصة لتدريب وتجهيز الميليشيات المحلية لمحاربة الإرهابيين في ملاذاتهم الآمنة.
ويظهر الاتفاق في سوريا أن الدبلوماسية يمكن أن تسترضي حليفاً عنيفاً دون التخلي عن هؤلاء الذين ساعدوا في الحرب الأميركية ضد الإرهاب. وإذا استمرت الصفقة، فإن معظم الفضل سيعود إلى الممثل الخاص لترامب في سوريا «جيمس جيفري». ومع ذلك، بالنسبة لمجموعات صغيرة مثل «وحدات حماية الشعب»، فإن الآثار المترتبة على الاستراتيجية الأميركية الأكبر واضحة: نحن ممتنون لمساعدتكم في مكافحة الإرهاب. ولكن إذا كنتم تتعارضون مع أحد حلفائنا المهمين، فإننا لن نحميكم.
هل هذه رسالة تريد الولايات المتحدة فعلاً إرسالها إلى الدول الأصغر التي ستحتاج إليها للمساعدة في مواجهة الصين وروسيا؟
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»