أحمد المهيري ظاهرة علمية فريدة، فهو الوحيد، ربما من دول الخليج ككل، الذي يجري أبحاثاً علمية في «معهد ستانفورد للدراسات المتقدمة» في نيوجرسي بالولايات المتحدة، وفي موضوع «ميكانيك الكوانتوم» شديد التعقيد. وقد بلغ المهيري هذه المكانة بسرعة خارقة. فعندما بدأ حديث الصحافة العلمية عن «كومبيوتر الكوانتوم» عام 1994، كنتُ أعمل محرراً للعلوم والتكنولوجيا في لندن، وكان المهيري في الثامنة من العمر، يعيش وعائلته الظبيانية التي تضم تسع شقيقات وثلاثة أشقاء، والآن أصبح من نجوم «الكوانتوم» الذين يردُ ذكرهم في «نيويورك تايمز» و«ساينتفيك أميركان». وتُخصص كبرى شركات تكنولوجيا المعلومات، مثل «غوغل» و«آي بي إم»، أموالاً طائلة لتطوير «كومبيوتر الكوانتوم». وفيما تُحوّل الكومبيوترات المستخدمة حالياً المعلومات إلى ما تسمى «بتات» تتكون من رقمي صفر وواحد، يحوِّلها «كومبيوتر الكوانتوم» إلى «بتات مكعبة» يتداخل فيها رقما الصفر والواحد. والمشكلة أن هذه البتات المكعبة مهووسة بالأخطاء. وتتركز الجهود العلمية حول العالم على تطوير شفرات تصحيح كوانتومية. ولتحقيق ذلك يمكن حفظ المعلومات في «البتات المكعبة» الهائجة، ليس في «بتات مكعبة منفردة بل في أنماط متشابكة، حسب المهيري الذي يعمل على حفظ ثلاث شفرات مكعبة لحماية معلومات «بتة مكعبة واحدة».
و«الكوانتوم» يعني باللغة العربية «الكمّ»، وهو أصغر وحدة لقياس كل شيء في الكون، سواء كان جُسيماً داخل الذرة، أو أشعة ضوئية، أو موجات حرارية. وقد كانت لحظة فارقة في تاريخ العلوم عندما كشفت ميكانيكا الكم أن الموجات هذه لا تتدفق كموجات متصلة، بل كـ«كمّات» منفردة.
وطريق أحمد المهيري طويل نحو «الكوانتوم»، حيث قطع خلاله مسافات علمية شاسعة منذ دراسته الجامعية في تورونتو بكندا، حيث أضاف إلى تخصصه الدراسي كلمة «هندسة»، لأن العلم النظري لا يضمن العمل! فعل ذلك كما يبدو على مضض، دون أن تُغادر ذاكرته «ندى منصور» مُدرّسة الكيمياء التي علمته في «مدرسة الشويفات الدولية» بأبوظبي، والتي كانت تؤشر بقوة على طاولة في الصف وتقول: «الإلكترونات في الذرّات المكوِنة لهذه الطاولة لها احتمالية أن تذهب إلى القمر».
وفي عام 2008 حصل المهيري على الدكتوراه في جامعة «سانتا بربارا» بالولايات المتحدة، والتي اعتبرت أطروحته أحسن رسالة في علوم الطبيعة والهندسة في الجامعة. والآن يُكرس المهيري نفسه لبحث «كيف يمكن أن يكون المكان والزمان شيفرة تصحيح خطأ كوانتومي»، حسب عنوان تقرير مسهب في مجلة «كوانتا» عن أبحاث المهيري، حيث تكشف لغة تصحيح الخطأ الكوانتومي أسرار «الثقوب السوداء» في الكون، وهي مناطق دائرية شاسعة، ينحني فيها المكان - الزمان بشكل حاد نحو المركز، إلى حدّ لا يستطيع معه حتى الضوء الإفلات. و«كل شيء يقتفي أثر الثقوب السوداء»، حسب المهيري، الذي يرى أنه في هذه الأماكن المثقبة بالمفارقات تبلغ الجاذبية ذروتها، وتخفق «نظرية النسبية العامة» لإنشتاين، ويضيع «ستيفن هوكنغ» مؤلف كتاب «تاريخ موجز للزمن». ويأمل المهيري وفريقه العلمي في «معهد ستانفورد للدراسات المتقدمة» أن يقود بحث «المكان الزمان» إلى طريق إيجاد «الحوسبة الكوانتومية»، وفيه يقول: «المكان - الزمان أكثر ذكاءً منا بكثير».
والمهيري، مبتعث مكتب البعثات الدراسية التابع لوزارة شؤون الرئاسة في أبوظبي، وخلافاً للتوقعات، لا يشغل باله إنشاء أعمال أو شركات تستثمر «الكوانتوم»، بل أعلن لصحافة بلده عن طموحه إلى إنشاء معهد لأبحاث الفيزياء في الإمارات. وهو يكرس حالياً كل جهده لتطوير الكومبيوتر الكوانتومي الذي يحتوي على عشرة ملايين «بتة مكعبة» تعالج عشرة تيرابتات معلومات في الثانية الواحدة، وهي الرقم واحد وإلى يساره عشرة أصفار، أي «تسونامي» معلومات. تذكر ذلك «سابين هوسنفلدر»، الباحثة في «معهد فرانكفورت للدراسات المتقدمة»، في مقالة عنوانها «السيادة الكوانتومية قادمة». وتعتبر «هوسنفلدر» ذلك علامة فارقة في تاريخ الحوسبة، وهي «بداية العمل الصعب، وليست نهايته».
*مستشار في العلوم والتكنولوجيا