من حيث المبدأ، يجب ألا يهمنا إذا كان روبرت مولر المحقق الخاص السابق في فضيحة الدور الروسي المحتمل في انتخابات الرئاسة عام 2016 يتحدث كثيرا أم قليلا أو إذا ما كان جذابا أم بغير جاذبية. أداء مولر أمام الكونجرس ينبغي أن يكون أمراً ثانوياً. مولر موظف مدني وأداؤه خضع لآلاف التحليلات بدءا من التهكم في «فوكس نيوز» إلى وصف هيئة الإذاعة البريطانية إفادته بأنها كانت «مملة».
والدليل الذي في نص كلام «مولر» الآن، وكان من قبل في نص تقريره، يجب أن يتحدث عن نفسه. فنحن نعلم، ولا أحد ينازع جديا في أن هناك تدخلاً لروسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016. ونعلم أن قرصنة رقمية طالت الحزب «الديمقراطي» وتم العثور على حسابات مزورة في مواقع التواصل الاجتماعي بغرض خداع الناخبين. ونعلم أن فريق حملة ترامب كان على دراية بهذه الجهود.
وفي العالم الذي نعيشه، الحقائق وحدها ليست مهمة. ما يهم، بل الأكثر أهمية، هو الثقة. الأهم هو من يقدم الحقائق وكيف يقدمها. وفي زمان ما، كان من الممكن أن يعتبر تقريراً مثل تقرير «مولر» جديراً بالثقة تلقائياً، ببساطة بسبب المؤسسات التي يرتبط بها مولر وهي مشاة البحرية ووزارة العدل ومكتب التحقيقات الاتحادي (إف. بي. أي.). لكننا لم نعد نعيش في ذاك العصر. فقد أظهر مسح لمركز «بيو» البحثي في الآونة الأخيرة أن ثقة الأميركيين في الحكومة الاتحادية في «مستوى تاريخي منخفض» تقريبا. ويشير مسح «بيو» إلى أن 47% من الأميركيين إما أنهم لم يعودوا يثقون في الحكومة، والأعضاء «الجمهوريين» في الكونجرس يعرفون هذ، لذلك يتجهون إلى الحيل. فبدلا من تفنيد المعلومات في تقرير مولر، سعوا إلى إقناع ناخبيهم بألا يقرؤوه وألا يصدقوه، بمحاولة تشويه مولر وفريقه، لخلق بلبلة وتقليص الثقة بشكل أكبر لدى الناخبين وجعل الحقائق موضع شك والمؤسسات هشة حتى لا يصدق أحد أي شيء.
كان لدى مولر استراتيجية لمكافحة هذه الحيلة وهي أن يتحدث ويكتب دون بهرجة وبلا تسييس لشيء وبأقل قدر ممكن من الانفعالات وأن يقدم نفسه في صورة الموظف المدني المحايد والرجل المخلص من «إف. بي. آي» المنتمي للمؤسسات، وليس لأي شخص آخر.
*مؤرخة وأستاذة بمدرسة لندن للاقتصاد
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»