قبل خمسين عاماً، وقفت الإنسانية عند خط فاصل في التاريخ، ففي لحظة واحدة، تغير جدولنا الزمني بشكل لا رجعة فيه، قبل هذه اللحظة، لم يطأ أي إنسان بقدمه في عالم غريب. الآن نحن نعيش على الجانب الآخر من هذا الخط، ولن تكون هناك «المرة الأولى» بعد الآن التي يهبط فيها الإنسان على سطح القمر، فقد قطعنا شوطاً طويلاً منذ ذلك الحين، لقد أطلقنا التلسكوبات الفضائية، وأنزلنا الروبوتات على سطح المريخ، وأرسلنا بعثات إلى جميع الكواكب الموجودة في النظام الشمسي، ورأينا أقماراً تدور حول الكواكب الأخرى وهبطنا على واحد منها، بيد أن هذه كلها كانت مهمات روبوتية. وبالرغم من كل ما قمنا به في الفضاء، لم يغامر أي إنسان بأكثر من بضع مئات من الأميال من سطح الأرض منذ انتهاء رحلة أبولو، ولم يمشِ أي إنسان على المريخ، أو زار كويكباً أو حتى عاد إلى القمر.
من المهم، أن نفهم أن هذا ليس حقاً خطأ وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، فهي وكالة حكومية، ويجب أن تنصاع للرياح السياسية، هذه المشكلة نشأت مع رحلة «أبولو»، لقد نتجت عن سباق الفضاء، حيث تم الإعداد للرحلة بسرعة لتحقيق هدف واحد أن نسبق السوفييت في الهبوط على سطح القمر، ولم يتم تصميمها مع مراعاة الاستدامة، وبعد كل شيء ماذا يحدث بعد الفوز في سباق؟ تعلن النصر، وبعد ذلك تعود إلى الوطن.
فماذا بعد ذلك؟ إلى أين سنذهب في السنوات الخمسين المقبلة؟ هل هناك مهمة أخرى ممكنة في بيئتنا الحالية؟ حتى قبل انتهاء مهمة «أبولو»، فقد الجمهور الأميركي الاهتمام بالقمر. واستمع السياسيون وتم إلغاء مهمات أبولو 18 و19 و20، وتحول التركيز نحو مكوك الفضاء والمدار الأرضي المنخفض.
ليس من الصعب وضع خطط طويلة المدى بشأن استكشاف الفضاء، لكن تنفيذها أشبه بالمستحيل. الرؤساء أصحاب الأفكار العظيمة يأتون ويذهبون، ويحتاج الأمر لسنوات لبناء مكونات الاستكشاف، وعقود لتطوير البنية التحتية، ولو لم تكن هذه أولوية وطنية نشأت من الحرب الباردة، فمن المشكوك فيه أن تكون مهمة أبولو نفسها قد حدثت على الإطلاق.
وها نحن على أعتاب اليوبيل الذهبي لأكبر حدث لاستكشاف الفضاء في تاريخ البشرية، ومع ذلك، نحن الأميركيون ليس لدينا صاروخ لنقل البشر إلى الفضاء، والشيء الوحيد الذي تبنيه وكالة «ناسا» هو نظام إطلاق الفضاء، وهو مكلف للغاية، ومتأخر عن الجدول الزمني (وقد تم تأجيله مرة أخرى مؤخراً لإطلاقه في موعد لا يتجاوز 2021)، وحتى عند الانتهاء، لا يمكن إطلاقه أكثر من مرة في السنة على أفضل تقدير.
ولن يمكننا حتى الآن العودة إلى القمر، لقد تغيرت الرياح السياسية مراراً، وكافحت وكالة «ناسا» لمتابعتها.
وعندما كان لدى الوكالة الأساس لوضع خطة طموحة وواقعية لعودة الإنسان إلى سطح القمر عام 2028، مع توفير التمويل الكافي يغير الرئيس كل شيء ويأمر بتسريع تنفيذ البرنامج في عام 2024 لأسباب سياسية، فهذا التوقيت سيكون بالقرب من نهاية ولايته الثانية المحتملة، ليضع اسمه على الإنجاز.
ومن غير المرجح، أن يتم الوفاء بهذا الموعد النهائي الجديد، ولكن من خلال الإعلان عنه فقط، هذا يعني أن «ناسا» يجب أن تتدافع لمحاولة الوفاء به، ما يخلق وضعاً خطيراً محتملاً بالنسبة لرواد الفضاء، وربما يؤثر على مشاريع «ناسا» غير ذات الصلة، العودة إلى القمر بهذه الطريقة تعد فكرة رهيبة.
لقد كنت طفلاً عندما وطأ «نيل أرمسترونج» بقدمه على سطح القمر، وترك بصمة نعله على الحطام الصخري للقمر، وقد ذهبت شخصياً بصحبة أسرتي لمشاهدة عملية إطلاق مهمة أبولو 15، وكان لتلك الأحداث انطباع دائم وربما لا يمحى على نفسي.
الذكرى السنوية هي أكثر من إحياء لذكرى إنجاز تاريخي، تحقق بإطلاق أبولو11 الذي تستحق الاحتفال، فقد كان الهبوط على القمر إنجازاً هائلاً، سنظل نحتفل به لعقود، ولكن يجب أن نضع في الاعتبار أنه في 14 ديسمبر 2022، سيكون قد مر 50 عاماً منذ أن وطأ آخر إنسان بقدمه على سطح القمر.
عالِم فَلك
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»