من الأوهام المريحة، التي يروّجها كثير من منتقدي سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاه إيران، أن إجراءاته أبعدت وأضعفت المعتدلين داخل النظام في طهران. ونسمع هذه العبارة من حين لآخر، مع تحذير معتاد من أن مصطلحي «المعتدلين» و«الإصلاحيين» في السياق الإيراني مختلفان تمام الاختلاف، عمّا يعنياه في الغرب. وعلى الرغم من ذلك، ظل هناك سراب يسعى وراءه كثير من أعضاء نخب السياسة الخارجية في واشنطن، ألا وهو الفكرة القائلة، بأننا إذا عاملنا النظام الإيراني باحترام، فإن ذلك سيقوّي شوكة الساعين إلى إصلاحه!
لكن على أنصار وجهة النظر تلك، أن يُجهدوا أنفسهم قليلاً بدراسة ما حدث قبل عشرين عاماً، في مثل هذا الأسبوع بجامعة طهران. فقد بدأت ثورة عندما أطلق الطلّاب مظاهرات عارمة، بعد حكم قضائي بإغلاق صحيفة إصلاحية، كانت تصدر باسم «سلام». وكان ذنب الصحيفة أنها نشرت تفاصيل، بشأن تورّط نظام الملالي في سلسلة أعمال قتل المنشقين والمفكرين المشهورين في إيران، ضمن ما يُعرف ب«جرائم القتل المتسلسلة». وفي التاسع من شهر يوليو عام 1999، شنّت قوات الأمن التابعة للنظام غارة على سكن الطلاب، وبدأت عمليات اعتقال واسعة، حيث أوقفت نحو 1500 طالب. وحتى يومنا هذا، لا يزال مصير العشرات منهم غير معلوم. وأصبح غلاف صحيفة «إيكونومست»، الذي يُظهر طالباً يرفع قميصاً ملطخاً بالدماء، صورة رمزية للثورة.
بيد أن المظاهرات والإجراءات القمعية في إيران، ليست أمراً خارجاً عن العادي والمألوف هناك. ففي عام 2009، خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع الإيرانية، للتظاهر ضد تزوير الانتخابات الرئاسية، وضد منح محمود أحمدي نجاد فترة رئاسية ثانية. ومنذ نهاية عام 2017، شارك الإيرانيون في أنحاء البلاد في إضرابات ومظاهرات وأعمال أخرى، في إطار عصيان مدني ضد نظام فقد شرعيته.
ورغم ذلك، فإن للمظاهرات في جامعة طهران عام 1999 أهمية رمزية خاصة، لأنه في ذلك الوقت، دافع رئيس الجمهورية، محمد خاتمي، عن بعض الإصلاحات التي طالب بها الطلاب. وكان قد انتخب قبل عامين من ذلك الوقت، على وعد بإطلاق حرية الصحافة، وإنهاء أعمال القمع. وطالب هو وحكومته باستثناء الطلاب من حملات الاعتقال، لكنه في نهاية المطاف، لم يستطع فعل شيء لإنقاذهم!
ومن الجدير بالذكر هنا، أيضاً أن ننظر إلى من كان في الجانب المؤيد للنظام، أثناء تلك الاضطرابات. فكان قائد المظاهرات المضادة هو وزير مجلس الأمن القومي الإيراني، حسن روحاني. وكان في ذلك الوقت رجل دين غير معروف نسبياً، أخبر أنصاره، بأن الطلاب الذين يطالبون بالإصلاح هم «أعداء الدولة».
وبالطبع، لم يكن ذلك تهديداً هيّناً. فقد حكمت محكمة ثورية على طالب، بعد أن اعتقلته قوات الأمن بأنه «مذنب»، بسبب مشاركته في مظاهرات غير قانونية.
وبالطبع، أصبح روحاني، رئيس إيران اليوم. ولجأت إدارة باراك أوباما، التي اعتمدت عليه في التفاوض حول الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة ترامب لاحقاً، باعتباره «معتدل إيراني». ومن المفارقة، أن روحاني في عام 1999، كان وجهاً لنظام يقوض حكم الرئيس الإصلاحي الوحيد في إيران، منذ تولي نظام الملالي في عام 1979.
وإخفاق خاتمي في حماية الطلاب، هو السبب في أن كثيراً من الناشطين الإيرانيين، الذين آمنوا على مدار سنوات بإمكانية الإصلاح التدريجي، باتوا يشعرون الآن بأن التغيير الجذري هو الطريق الوحيد، من أجل المضي قدماً.
وأخبرتني «رويا برومند»، المدير التنفيذي لمركز «عبدالرحمن برومند» غير الربحي، أن احتجاجات عام 1999 كانت درساً لكثير من الإيرانيين، الذين تعلموا أنه حتى إذا أيّد السياسيون الإصلاحيون إجراء تغييرات على القوانين، فإن رجال الدين غير المنتخبين، ممن يسيطرون على المحاكم الإيرانية ومجلس الأوصياء النافذ، سيمنعون هذه التغييرات.
وأبرز مثال على التحرر من هذا الوهم، هو «شيرين عبادي»، الحقوقية الشهيرة الحائزة على جائزة «نوبل» للسلام، والتي دافعت عن بعض أولئك الطلاب في عام 1999 أمام المحاكم الإيرانية. ومثلما أخبرتني العام الماضي، فإنها تؤيد حركة من أجل إجراء استفتاء دستوري على إلغاء منصب المرشد الأعلى. وهناك ملايين الإيرانيين الذين يوافقون على ذلك. فما هو المطلوب لكي ينصت حلفاؤهم التقليديون في الدول الغربية لما يقولون؟
*كاتب متخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
لكن على أنصار وجهة النظر تلك، أن يُجهدوا أنفسهم قليلاً بدراسة ما حدث قبل عشرين عاماً، في مثل هذا الأسبوع بجامعة طهران. فقد بدأت ثورة عندما أطلق الطلّاب مظاهرات عارمة، بعد حكم قضائي بإغلاق صحيفة إصلاحية، كانت تصدر باسم «سلام». وكان ذنب الصحيفة أنها نشرت تفاصيل، بشأن تورّط نظام الملالي في سلسلة أعمال قتل المنشقين والمفكرين المشهورين في إيران، ضمن ما يُعرف ب«جرائم القتل المتسلسلة». وفي التاسع من شهر يوليو عام 1999، شنّت قوات الأمن التابعة للنظام غارة على سكن الطلاب، وبدأت عمليات اعتقال واسعة، حيث أوقفت نحو 1500 طالب. وحتى يومنا هذا، لا يزال مصير العشرات منهم غير معلوم. وأصبح غلاف صحيفة «إيكونومست»، الذي يُظهر طالباً يرفع قميصاً ملطخاً بالدماء، صورة رمزية للثورة.
بيد أن المظاهرات والإجراءات القمعية في إيران، ليست أمراً خارجاً عن العادي والمألوف هناك. ففي عام 2009، خرج مئات الآلاف من الناس إلى الشوارع الإيرانية، للتظاهر ضد تزوير الانتخابات الرئاسية، وضد منح محمود أحمدي نجاد فترة رئاسية ثانية. ومنذ نهاية عام 2017، شارك الإيرانيون في أنحاء البلاد في إضرابات ومظاهرات وأعمال أخرى، في إطار عصيان مدني ضد نظام فقد شرعيته.
ورغم ذلك، فإن للمظاهرات في جامعة طهران عام 1999 أهمية رمزية خاصة، لأنه في ذلك الوقت، دافع رئيس الجمهورية، محمد خاتمي، عن بعض الإصلاحات التي طالب بها الطلاب. وكان قد انتخب قبل عامين من ذلك الوقت، على وعد بإطلاق حرية الصحافة، وإنهاء أعمال القمع. وطالب هو وحكومته باستثناء الطلاب من حملات الاعتقال، لكنه في نهاية المطاف، لم يستطع فعل شيء لإنقاذهم!
ومن الجدير بالذكر هنا، أيضاً أن ننظر إلى من كان في الجانب المؤيد للنظام، أثناء تلك الاضطرابات. فكان قائد المظاهرات المضادة هو وزير مجلس الأمن القومي الإيراني، حسن روحاني. وكان في ذلك الوقت رجل دين غير معروف نسبياً، أخبر أنصاره، بأن الطلاب الذين يطالبون بالإصلاح هم «أعداء الدولة».
وبالطبع، لم يكن ذلك تهديداً هيّناً. فقد حكمت محكمة ثورية على طالب، بعد أن اعتقلته قوات الأمن بأنه «مذنب»، بسبب مشاركته في مظاهرات غير قانونية.
وبالطبع، أصبح روحاني، رئيس إيران اليوم. ولجأت إدارة باراك أوباما، التي اعتمدت عليه في التفاوض حول الاتفاق النووي الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه إدارة ترامب لاحقاً، باعتباره «معتدل إيراني». ومن المفارقة، أن روحاني في عام 1999، كان وجهاً لنظام يقوض حكم الرئيس الإصلاحي الوحيد في إيران، منذ تولي نظام الملالي في عام 1979.
وإخفاق خاتمي في حماية الطلاب، هو السبب في أن كثيراً من الناشطين الإيرانيين، الذين آمنوا على مدار سنوات بإمكانية الإصلاح التدريجي، باتوا يشعرون الآن بأن التغيير الجذري هو الطريق الوحيد، من أجل المضي قدماً.
وأخبرتني «رويا برومند»، المدير التنفيذي لمركز «عبدالرحمن برومند» غير الربحي، أن احتجاجات عام 1999 كانت درساً لكثير من الإيرانيين، الذين تعلموا أنه حتى إذا أيّد السياسيون الإصلاحيون إجراء تغييرات على القوانين، فإن رجال الدين غير المنتخبين، ممن يسيطرون على المحاكم الإيرانية ومجلس الأوصياء النافذ، سيمنعون هذه التغييرات.
وأبرز مثال على التحرر من هذا الوهم، هو «شيرين عبادي»، الحقوقية الشهيرة الحائزة على جائزة «نوبل» للسلام، والتي دافعت عن بعض أولئك الطلاب في عام 1999 أمام المحاكم الإيرانية. ومثلما أخبرتني العام الماضي، فإنها تؤيد حركة من أجل إجراء استفتاء دستوري على إلغاء منصب المرشد الأعلى. وهناك ملايين الإيرانيين الذين يوافقون على ذلك. فما هو المطلوب لكي ينصت حلفاؤهم التقليديون في الدول الغربية لما يقولون؟
*كاتب متخصص في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»