أردوغان يدفع الثمن، فالهزيمة مدوية وآثارها بالغة عليه وعلى حزب «العدالة والتنمية»، ومفاعيلها ثقيلة على وحدة الحزب وتماسكه، وأصداؤها متعددة على واقع البلاد ونتائجها انتصارٌ للتغيير، والانتفاض على ما ساد سنواتٍ طويلة من حكمه.
فها هو يحصد ما زرع. ومواسم الحصاد قد تُبكّر أحياناً في المجيء فالمسألة لم تعد انتخاباتٍ بلدية فقط بل مُحصّلة لأخطاءٍ وممارساته «السلطانية» ووقوع تركيا في أزماتٍ شتّى أمرُّها الاقتصاد وتراجع العملة الوطنية، وأعمقها العزلة التي تعيشها البلاد التي أوصلها إليها أردوغان. عزلة داخلية أو هاوياتٍ بين الرئيس والشعب، وعُزلة خارجية مع حلفاء الأمس والجوار، وتمدد وهمي في شعاب الحروب (من سوريا إلى ليبيا ومصر) فكأنه يحذو بذلك حذو خامنئي في طموحاته التوسعية واحتضانه أحزاباً إرهابية كـ«القاعدة» و«الإخوان المسلمين»، بل كأن وضع أردوغان بات لا يختلف عن وضع خامنئي وحرسه الثوري وفيلقه وحشده.. تراجعت المستويات الاقتصادية وغرق الشعب في أزماته ومصادر عيشه ومستواه.. في إيران وصلت العملة إلى أدراكٍ سُفلية غير مسبوقة، وكذلك في تركيا، وتالياً في «سوريا الأسد».
تخبط أردوغان في اختلاق معاركه الداخلية وأبعد منها وقمعه الأصوات الحرة وزجّه الصحفيين والكتاب والفنانين (124 صحفياً في سجونه)، تملّكه هاجس التفرّد وأحلام استرجاع الإمبراطورية العثمانية. هذيان في الخارج، وشدة في الداخل، وعقوبات تحاصره، وصفقات صواريخ هنا وأسلحة هناك، وتناقض في تصرفاته كل ذلك كان يتراكم، وكلما تراكم كبرت الأزمات واستفحلت عن المستوى الشعبي والحزبي. وهنا بالذات جاءت الانتخابات البلدية في إسطنبول لتؤكد الغضب الصامت في النفوس. رشّح «بن علي يلدريم» مقابل أكرم إمام أوغلو، تمسك بمرشحه وهو مرشح الحزب وخسر في الدورة الأولى بفارقٍ ضئيل (أقل من نقطة واحدة). رفض «أردوغان» النتائج ولم يصدق أن إسطنبول العاصمة التي صنعته وأوصلته إلى الرئاسة باتت في مكانٍ آخر. فألغى الانتخابات عبر ضغطٍ على اللجنة الانتخابية العليا، ثم كانت الدورة الثانية. وإذا كانت نتائج الأولى صفعةً له، فالثانية كانت ضربة قاضية: من فارق نقطة واحدة إلى تسع نقاط (أي بزيادة 800 ألف صوت) ولم تُصِبه الضربة وحده بل أصابت حزبه الذي حمله تبعات هذه الهزيمة. وكانت انتفاضةٌ حزبية مُعادلة ومواكبة لانتفاضة الشعب. انتفاضة عمودية لا أفقية. والضحية الكبرى الحزب الذي تعرض لانشقاقات كبيرة وبروز رغباتٍ في إنشاء أحزابٍ جديدة. عودة التعددية إذاً. ها هو «علي باباجان» وكذلك أحمد أوغلو يتهيآن لإطلاقٍ حزبي أي انشقاق يطلع من صلب «العدالة والتنمية»، ومن المحتمل أن يضم كبداية نحو 45 نائباً مما سيضع حداً للأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها أردوغان، من دون أن ننسى إمام أوغلو الذي اخترق صفوف الجماهير الغفيرة التي احتشدت بعشرات الآلاف في إسطنبول احتفالاً بنصره. وليس مستبعداً أن تؤسس أحزاب كبرى ذات توجهات أخرى فتنتعش التعددية الثقافية والسياسية.
فمنذ وصول أردوغان إلى السلطة ظهرت أجيال جديدة، تجاوزت المفاهيم القديمة والمُحنّطة تسعى إلى التجديد والتغيير شكلاً ومضموناً، وبات أردوغان نفسه من متاع الماضي كبعض الطغاة الذين أسقطتهم شعوبهم. السؤال: هل سيتمكن أردوغان من ترميم نفسه وحزبه وينجو من الكارثة؟ أم أنّ ركب التغيير قد سبقه وفات أوان كل شيء بالنسبة إليه؟
*كاتب لبناني
فها هو يحصد ما زرع. ومواسم الحصاد قد تُبكّر أحياناً في المجيء فالمسألة لم تعد انتخاباتٍ بلدية فقط بل مُحصّلة لأخطاءٍ وممارساته «السلطانية» ووقوع تركيا في أزماتٍ شتّى أمرُّها الاقتصاد وتراجع العملة الوطنية، وأعمقها العزلة التي تعيشها البلاد التي أوصلها إليها أردوغان. عزلة داخلية أو هاوياتٍ بين الرئيس والشعب، وعُزلة خارجية مع حلفاء الأمس والجوار، وتمدد وهمي في شعاب الحروب (من سوريا إلى ليبيا ومصر) فكأنه يحذو بذلك حذو خامنئي في طموحاته التوسعية واحتضانه أحزاباً إرهابية كـ«القاعدة» و«الإخوان المسلمين»، بل كأن وضع أردوغان بات لا يختلف عن وضع خامنئي وحرسه الثوري وفيلقه وحشده.. تراجعت المستويات الاقتصادية وغرق الشعب في أزماته ومصادر عيشه ومستواه.. في إيران وصلت العملة إلى أدراكٍ سُفلية غير مسبوقة، وكذلك في تركيا، وتالياً في «سوريا الأسد».
تخبط أردوغان في اختلاق معاركه الداخلية وأبعد منها وقمعه الأصوات الحرة وزجّه الصحفيين والكتاب والفنانين (124 صحفياً في سجونه)، تملّكه هاجس التفرّد وأحلام استرجاع الإمبراطورية العثمانية. هذيان في الخارج، وشدة في الداخل، وعقوبات تحاصره، وصفقات صواريخ هنا وأسلحة هناك، وتناقض في تصرفاته كل ذلك كان يتراكم، وكلما تراكم كبرت الأزمات واستفحلت عن المستوى الشعبي والحزبي. وهنا بالذات جاءت الانتخابات البلدية في إسطنبول لتؤكد الغضب الصامت في النفوس. رشّح «بن علي يلدريم» مقابل أكرم إمام أوغلو، تمسك بمرشحه وهو مرشح الحزب وخسر في الدورة الأولى بفارقٍ ضئيل (أقل من نقطة واحدة). رفض «أردوغان» النتائج ولم يصدق أن إسطنبول العاصمة التي صنعته وأوصلته إلى الرئاسة باتت في مكانٍ آخر. فألغى الانتخابات عبر ضغطٍ على اللجنة الانتخابية العليا، ثم كانت الدورة الثانية. وإذا كانت نتائج الأولى صفعةً له، فالثانية كانت ضربة قاضية: من فارق نقطة واحدة إلى تسع نقاط (أي بزيادة 800 ألف صوت) ولم تُصِبه الضربة وحده بل أصابت حزبه الذي حمله تبعات هذه الهزيمة. وكانت انتفاضةٌ حزبية مُعادلة ومواكبة لانتفاضة الشعب. انتفاضة عمودية لا أفقية. والضحية الكبرى الحزب الذي تعرض لانشقاقات كبيرة وبروز رغباتٍ في إنشاء أحزابٍ جديدة. عودة التعددية إذاً. ها هو «علي باباجان» وكذلك أحمد أوغلو يتهيآن لإطلاقٍ حزبي أي انشقاق يطلع من صلب «العدالة والتنمية»، ومن المحتمل أن يضم كبداية نحو 45 نائباً مما سيضع حداً للأغلبية البرلمانية التي يتمتع بها أردوغان، من دون أن ننسى إمام أوغلو الذي اخترق صفوف الجماهير الغفيرة التي احتشدت بعشرات الآلاف في إسطنبول احتفالاً بنصره. وليس مستبعداً أن تؤسس أحزاب كبرى ذات توجهات أخرى فتنتعش التعددية الثقافية والسياسية.
فمنذ وصول أردوغان إلى السلطة ظهرت أجيال جديدة، تجاوزت المفاهيم القديمة والمُحنّطة تسعى إلى التجديد والتغيير شكلاً ومضموناً، وبات أردوغان نفسه من متاع الماضي كبعض الطغاة الذين أسقطتهم شعوبهم. السؤال: هل سيتمكن أردوغان من ترميم نفسه وحزبه وينجو من الكارثة؟ أم أنّ ركب التغيير قد سبقه وفات أوان كل شيء بالنسبة إليه؟
*كاتب لبناني