اللحظات الأخيرة من الدقيقة أو الساعة أو اليوم، قد يحدث فيها ما يغيّر وجه العالم، القس الأميركي الأسود مارتن لوثر كينغ الذي صرعه متعصّب أبيض برصاصة يوم الرابع من أبريل عام 1968، التعرّف عليه واجب أخلاقي قبل أن يكون ضرورة حضارية، فهو الزعيم الحقوقي للأميركيين من أصول أفريقية، وكان قد ترك للبشرية أقوى الخطابات السياسية وأكثرها تأثيراً، حسبما وصفته الصحف الأميركية وقتذاك، وصكّ أجمل عبارة علّقها الناس على جدران غرفهم، وهي (لديّ حلم I have a dream). العبارة التي تبين أنه لم يتضمنها الخطاب الأصلي، لكن في اللحظات الأخيرة من الخطاب، صرخت «ماهاليا جاكسون، وهي مغنية التراتيل الدينية، مخاطبة مارتن (أخبرنا عن الحلم). فبدأ الرجل الملِهم يرتجل (لديّ حلم..). وتبعات الخطاب معروفة، فقد نال بعدها الأميركيون السود معظم حقوقهم، ودخل أحدهم إلى البيت الأبيض رئيساً (باراك أوباما) ليشهد العرب معه أسود أيامهم، بعدما سحب على الفور قواته من العراق وسلمه على طبق من الآلام لإيران ومليشياتها التي زاد عددها في العراق اليوم، على الخمسين فصيلاً. ناهيك عن تصنيع ماركة التوحش (داعش) ومستنسخاتها.
اللحظات الأخيرة.. غالباً ما تصبح هي الفاصلة بين أن يكون الشخص داخل التاريخ أو أن يبقى خارجه مهملاً. فعلى سبيل المثال لا التخصيص، وكما قالت (واشنطن بوست) الأميركية، في تعليقها على (الرئيس ترامب في لحظاته الأخيرة) حيث قرر وقف الهجمات العسكرية على الأهداف المختارة في إيران: إنه لا يملك استراتيجية واضحة لإدارة العلاقة مع إيران، ما جعله يوجه عدداً من مساعديه ومؤيديه للظهور في القنوات التلفزيونية ليدافعوا عن موقفه المتردد والمتناقض. والحديث عن قرار اتخذه ترامب في اللحظات الأخيرة من يوم الحادي والعشرين من يونيو2019. وتفيد التفاصيل أن البيت الأبيض (اهتزت) جدرانه لخبر أن الضربات المقررة للأهداف الإيرانية الثلاثة ستتسبب في مقتل 150 مدنياً وربما 35 عسكرياً أميركياً. حدث هذا رغم إلحاح مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومعهما مديرة المخابرات المركزية «جينا هاسبل» وعدد من مساعدي الرئيس، أن الضربة واجب أخلاقي، حتى أن «مايكل مايكوفيسكي» رئيس (المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي) قال مستاءً: (إن ترامب يعرّض صدقيّة أميركا للخطر). لكن متى كانت الصدقيّة أمراً ينحني له احتراماً الرؤساء الأميركيون في مرحلة ما بعد الرئيس الراحل جون كيندي؟!
وفي التاريخ البشري عموماً هنالك أكثر من (لحظات أخيرة) واحدة، بلغت فيها القلوب الحناجر، وكُلّلَ جبين الإنسانية بالعار والسواد، ففي الحرب العالمية الثانية قرر الرئيس هاري ترومان إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما ومدينة كوكورا اليابانيتين، لكن في اللحظات الأخيرة قرر الطيار إلغاء مهمة إلقاء قنبلة ذرية على كوكورا بسبب أن السماء فوقها ملبدة بالغيوم، ما جعلها تنجو من الإبادة، لكن الرئيس ترومان أمر بتنفيذ الخطة البديلة بإلقائها على ناجازاكي التي لم تكن مُستهدفة. إنها اللحظات الأخيرة ذاتها التي دفعت ترومان رئيس أول دولة يعترف بإسرائيل، وهي لم تكن بعد على خريطة العالم تمارس اغتصاب التاريخ والجغرافيا. ما أغرب اللحظات الأخيرة!
* إعلامي وكاتب صحفي
اللحظات الأخيرة.. غالباً ما تصبح هي الفاصلة بين أن يكون الشخص داخل التاريخ أو أن يبقى خارجه مهملاً. فعلى سبيل المثال لا التخصيص، وكما قالت (واشنطن بوست) الأميركية، في تعليقها على (الرئيس ترامب في لحظاته الأخيرة) حيث قرر وقف الهجمات العسكرية على الأهداف المختارة في إيران: إنه لا يملك استراتيجية واضحة لإدارة العلاقة مع إيران، ما جعله يوجه عدداً من مساعديه ومؤيديه للظهور في القنوات التلفزيونية ليدافعوا عن موقفه المتردد والمتناقض. والحديث عن قرار اتخذه ترامب في اللحظات الأخيرة من يوم الحادي والعشرين من يونيو2019. وتفيد التفاصيل أن البيت الأبيض (اهتزت) جدرانه لخبر أن الضربات المقررة للأهداف الإيرانية الثلاثة ستتسبب في مقتل 150 مدنياً وربما 35 عسكرياً أميركياً. حدث هذا رغم إلحاح مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو، ومعهما مديرة المخابرات المركزية «جينا هاسبل» وعدد من مساعدي الرئيس، أن الضربة واجب أخلاقي، حتى أن «مايكل مايكوفيسكي» رئيس (المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي) قال مستاءً: (إن ترامب يعرّض صدقيّة أميركا للخطر). لكن متى كانت الصدقيّة أمراً ينحني له احتراماً الرؤساء الأميركيون في مرحلة ما بعد الرئيس الراحل جون كيندي؟!
وفي التاريخ البشري عموماً هنالك أكثر من (لحظات أخيرة) واحدة، بلغت فيها القلوب الحناجر، وكُلّلَ جبين الإنسانية بالعار والسواد، ففي الحرب العالمية الثانية قرر الرئيس هاري ترومان إلقاء قنبلتين ذريتين على هيروشيما ومدينة كوكورا اليابانيتين، لكن في اللحظات الأخيرة قرر الطيار إلغاء مهمة إلقاء قنبلة ذرية على كوكورا بسبب أن السماء فوقها ملبدة بالغيوم، ما جعلها تنجو من الإبادة، لكن الرئيس ترومان أمر بتنفيذ الخطة البديلة بإلقائها على ناجازاكي التي لم تكن مُستهدفة. إنها اللحظات الأخيرة ذاتها التي دفعت ترومان رئيس أول دولة يعترف بإسرائيل، وهي لم تكن بعد على خريطة العالم تمارس اغتصاب التاريخ والجغرافيا. ما أغرب اللحظات الأخيرة!
* إعلامي وكاتب صحفي