هل يمكن أن نتعرف على قائل التصريحات التالية: التصريح الأول: «لدينا حالياً نظام يحابي من يستطيعون دفع مقابل الحصول على الخدمات وتحقيق النتائج. وبعبارة أخرى هذا هو النظام الاقتصادي المتلاعب به لمصلحة الشركات والقلة الأثرياء».
والتصريح الثاني: «عندما تكون لدينا حكومة، وعندما يكون لدينا اقتصاد يعملان بقوة لمصلحة أصحاب الأموال، ولا يعملان من أجل البقية، فهذا فساد واضح وصريح». وأما التصريح الأخير فهو: «الشركات الكبرى ووسائل الإعلام النخبوية وكبار المانحين مصطفون خلف الحملة الانتخابية للمرشحة المنافسة لأنهم يعرفون أنها ستُبقي نظامنا الفاسد كما هو».
قائل التصريح الأول «بيتو أورورك» في المناظرة «الديمقراطية» ليلة الأربعاء الماضي. والثاني أدلت به «إليزابيث وارين» في الفاعلية ذاتها. لكن قائل التصريح الثالث هو الرئيس دونالد ترامب في خطاب قبوله ترشيح الحزب «الجمهوري» عام 2016.
وربما يفكر المرء أنه ليس ثمة أمور مشتركة كثيرة بين المرشحين الأولين وشاغل البيت الأبيض اللذين يرغبان في أن يحلا محله. لكن الرؤية المظلمة للولايات المتحدة التي هيمنت على المناظرات «الديمقراطية» الأسبوع الماضي لا تستدعي شيئاً سوى قتامة الوضع التي توقعها ترامب.
وإذا كنتم قد تابعتم جميع المناظرات طوال الساعات الأربع، فلربما تفكرون في جحافل المشردين الذين يتجولون في أميركا، وأن جميع ضباط الشرطة عنصريون، وأن على الأميركيين العمل في وظيفتين أو ثلاث لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وأن وضع الأشخاص العاديين أسوأ مما كان عليه قبل عقود مضت، وأنه لا توجد أسر قادرة على تحمل نفقات اصطحاب أطفالها إلى غرفة الطوارئ في المستشفيات.
ويثير ذلك تساؤلين: هل هذه الصورة واقعية؟ وهل هذه استراتيجية للفوز أم أن بعض الناخبين سيرحبون بلمسة تفاؤل إيماناً منهم بالخير أو على الأقل إمكانات بلدهم؟
وقدّم موقع «بوست فاكت» لتدقيق الحقائق بعض التصورات حول السؤال الأول عقب المناظرة. فأشار إلى أن من بين 162 مليون شخص لديهم وظائف، يوجد 325 ألفاً يعملون في وظيفتين بدوام كامل، في حين أن 5? فقط لديهم أكثر من وظيفة لأنهم يتأرجحون في وظائف أخرى بدوام جزئي، وهي نسبة أقل قليلاً مما كانت عليه في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وعندما نأخذ كل شيء في الحسبان (بما في ذلك الضرائب والتحويلات الحكومية)، فإن دخل معظم الناس، بما في ذلك الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، قد ارتفع منذ بداية الثمانينيات، بحسب مكتب الموازنة في الكونجرس. وبالطبع، تراجعت معدلات البطالة تراجعاً كبيراً منذ ذلك الحين.
ودائماً ما يركز الحزب الموجود خارج السلطة على نقاط الضعف والإخفاقات، وفي هذه الأيام هناك أمور كثيرة للتركيز عليها.
فقد حقق الأثرياء ما لم يحققه أحد آخر، وهو ما أفضى إلى تفاقم انعدام المساواة وترك كثير من الناس يشعرون بأنه تم التخلي عنهم. وقد جعلت الاضطرابات الاقتصادية والتغييرات التكنولوجية المربكة كثيراً من الآباء يشكون في ازدهار مستقبل أبنائهم. أضف إلى ذلك: ديون الطلاب وزيادة أسعار الأدوية ونقص المساكن منخفضة التكلفة وعنصرية بعض أفراد الشرطة وخوف المهاجرين من الترحيل وهوس تعاطي المخدرات.. وكل هذه حقائق مرعبة في حياة كثير من الأميركيين.
وعلى رغم من ذلك، لم يحل الرئيس ترامب تلك المشكلات، بل وجعل بعضها أشد سوءاً. وفي الحقيقة، يرفض الحلول، خصوصاً بشأن الهجرة، بدلاً من أن يتخلى عن برنامج «الغضب» لإعادة انتخابه!
وعلى رغم من ذلك، بينما كنت أستمع إلى أن المرشحين يتوعدون بعضهم بعضاً، لفتت نظري ملاحظة أبداها واحد من أكثر السياسيين المستنيرين على الساحة الأميركية هو «بيت بوتيجيج» عمدة مدينة «ساوث بيند» في ولاية إنديانا.
ف«بوتيجيج» يتخيل مدى الفرحة التي سيشعر بها لو عاد به الزمن إلى «ساوث بيند» في ذروتها الصناعية. ويقول: «لكن ذلك سيكون لليلة واحدة فقط، لأنني لو بقيت على هذه الحال لفترة أطول، فربما أصاب بالاكتئاب»، مضيفاً: «إن أكثر الأمور المحزنة لن تكون بداهة الفقدان، وإنما الشفقة على الناس الذين سأراهم، لأن أحوالهم لن تكون أفضل مما عليه الناس في (ساوث بيند) في الوقت الراهن».
ويقول ذلك لأن السود والنساء الآن لديهم حرية أكبر بكثير في السعي وراء تحقيق أحلامهم، ولأن مستويات المعيشة والرعاية الصحية تحسنت كثيراً.
وربما يظن البعض أن مناظرة تجمع عشرة مرشحين ليست المكان الملائم لسرد مثل تلك القصة، لكن من الممكن لأي مرشح أن يتحدث عن تحدي العنصرية وغياب المساواة والاستقطاب السياسي، وفي الوقت ذاته يُعرب عن ثقته في إمكانية إحراز تقدم!
كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
والتصريح الثاني: «عندما تكون لدينا حكومة، وعندما يكون لدينا اقتصاد يعملان بقوة لمصلحة أصحاب الأموال، ولا يعملان من أجل البقية، فهذا فساد واضح وصريح». وأما التصريح الأخير فهو: «الشركات الكبرى ووسائل الإعلام النخبوية وكبار المانحين مصطفون خلف الحملة الانتخابية للمرشحة المنافسة لأنهم يعرفون أنها ستُبقي نظامنا الفاسد كما هو».
قائل التصريح الأول «بيتو أورورك» في المناظرة «الديمقراطية» ليلة الأربعاء الماضي. والثاني أدلت به «إليزابيث وارين» في الفاعلية ذاتها. لكن قائل التصريح الثالث هو الرئيس دونالد ترامب في خطاب قبوله ترشيح الحزب «الجمهوري» عام 2016.
وربما يفكر المرء أنه ليس ثمة أمور مشتركة كثيرة بين المرشحين الأولين وشاغل البيت الأبيض اللذين يرغبان في أن يحلا محله. لكن الرؤية المظلمة للولايات المتحدة التي هيمنت على المناظرات «الديمقراطية» الأسبوع الماضي لا تستدعي شيئاً سوى قتامة الوضع التي توقعها ترامب.
وإذا كنتم قد تابعتم جميع المناظرات طوال الساعات الأربع، فلربما تفكرون في جحافل المشردين الذين يتجولون في أميركا، وأن جميع ضباط الشرطة عنصريون، وأن على الأميركيين العمل في وظيفتين أو ثلاث لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وأن وضع الأشخاص العاديين أسوأ مما كان عليه قبل عقود مضت، وأنه لا توجد أسر قادرة على تحمل نفقات اصطحاب أطفالها إلى غرفة الطوارئ في المستشفيات.
ويثير ذلك تساؤلين: هل هذه الصورة واقعية؟ وهل هذه استراتيجية للفوز أم أن بعض الناخبين سيرحبون بلمسة تفاؤل إيماناً منهم بالخير أو على الأقل إمكانات بلدهم؟
وقدّم موقع «بوست فاكت» لتدقيق الحقائق بعض التصورات حول السؤال الأول عقب المناظرة. فأشار إلى أن من بين 162 مليون شخص لديهم وظائف، يوجد 325 ألفاً يعملون في وظيفتين بدوام كامل، في حين أن 5? فقط لديهم أكثر من وظيفة لأنهم يتأرجحون في وظائف أخرى بدوام جزئي، وهي نسبة أقل قليلاً مما كانت عليه في منتصف تسعينيات القرن الماضي.
وعندما نأخذ كل شيء في الحسبان (بما في ذلك الضرائب والتحويلات الحكومية)، فإن دخل معظم الناس، بما في ذلك الطبقتان الفقيرة والمتوسطة، قد ارتفع منذ بداية الثمانينيات، بحسب مكتب الموازنة في الكونجرس. وبالطبع، تراجعت معدلات البطالة تراجعاً كبيراً منذ ذلك الحين.
ودائماً ما يركز الحزب الموجود خارج السلطة على نقاط الضعف والإخفاقات، وفي هذه الأيام هناك أمور كثيرة للتركيز عليها.
فقد حقق الأثرياء ما لم يحققه أحد آخر، وهو ما أفضى إلى تفاقم انعدام المساواة وترك كثير من الناس يشعرون بأنه تم التخلي عنهم. وقد جعلت الاضطرابات الاقتصادية والتغييرات التكنولوجية المربكة كثيراً من الآباء يشكون في ازدهار مستقبل أبنائهم. أضف إلى ذلك: ديون الطلاب وزيادة أسعار الأدوية ونقص المساكن منخفضة التكلفة وعنصرية بعض أفراد الشرطة وخوف المهاجرين من الترحيل وهوس تعاطي المخدرات.. وكل هذه حقائق مرعبة في حياة كثير من الأميركيين.
وعلى رغم من ذلك، لم يحل الرئيس ترامب تلك المشكلات، بل وجعل بعضها أشد سوءاً. وفي الحقيقة، يرفض الحلول، خصوصاً بشأن الهجرة، بدلاً من أن يتخلى عن برنامج «الغضب» لإعادة انتخابه!
وعلى رغم من ذلك، بينما كنت أستمع إلى أن المرشحين يتوعدون بعضهم بعضاً، لفتت نظري ملاحظة أبداها واحد من أكثر السياسيين المستنيرين على الساحة الأميركية هو «بيت بوتيجيج» عمدة مدينة «ساوث بيند» في ولاية إنديانا.
ف«بوتيجيج» يتخيل مدى الفرحة التي سيشعر بها لو عاد به الزمن إلى «ساوث بيند» في ذروتها الصناعية. ويقول: «لكن ذلك سيكون لليلة واحدة فقط، لأنني لو بقيت على هذه الحال لفترة أطول، فربما أصاب بالاكتئاب»، مضيفاً: «إن أكثر الأمور المحزنة لن تكون بداهة الفقدان، وإنما الشفقة على الناس الذين سأراهم، لأن أحوالهم لن تكون أفضل مما عليه الناس في (ساوث بيند) في الوقت الراهن».
ويقول ذلك لأن السود والنساء الآن لديهم حرية أكبر بكثير في السعي وراء تحقيق أحلامهم، ولأن مستويات المعيشة والرعاية الصحية تحسنت كثيراً.
وربما يظن البعض أن مناظرة تجمع عشرة مرشحين ليست المكان الملائم لسرد مثل تلك القصة، لكن من الممكن لأي مرشح أن يتحدث عن تحدي العنصرية وغياب المساواة والاستقطاب السياسي، وفي الوقت ذاته يُعرب عن ثقته في إمكانية إحراز تقدم!
كاتب أميركي
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»