في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة وتركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو)- نحو صدام لا مفر منه، بسبب قرار تركيا شراء نظام دفاع جوي روسي الصنع، أطل بصيص أمل فيما يبدو من قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان. فهل يمكن أن يتجنب البلدان أزمة قد تؤدي إلى إضعاف «الناتو»، مع ابتعاد تركيا عن الغرب، وتوجهها نحو روسيا، في سبيل سد جانب من احتياجاتها الدفاعية؟
فقد أعلنت تركيا، أن تسليم نظام الصواريخ الروسية إس-400، يبدأ خلال أسبوع. وحذر مسؤولون أميركيون، منذ شهور، أن تركيا إذا مضت قدماً في الصفقة، التي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، فستواجه عقوبات أميركية على الاقتصاد التركي الضعيف بالفعل، وتعرض للخطر دورها في برنامج البنتاجون لطائرات (إف-35) المقاتلة وشراء 100 طائرة منها. لكن الرئيس دونالد ترامب خفف الضغط فيما يبدو، بعد لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليابان.
فقد ألقى ترامب باللائمة على باراك أوباما، في دفع تركيا نحو اللجوء إلى روسيا، قائلاً: إن سلفه عرقل مبيعات نظام صواريخ باتريوت الأميركي. لكن ترامب لم يذكر أن تركيا رفضت في الواقع الصفقة ثلاث مرات، لأن مطالبها بشأن التكنولوجيا والإنتاج المشترك لم تلب. وصرح ترامب أن أردوغان لم يلق معاملة جيدة، حين كان يريد الصواريخ الأميركية.
لكن هل بوسع مثل هذا النهج الدبلوماسي، أن تضيق الفجوة بين الولايات المتحدة وتركيا، التي تتسع باستمرار؟ يعتقد محللون أن هذا ليس مرجحاً، فأردوغان متمسك بقرار حاسم يمكن أن يعرقل سلامة أنظمة أسلحة «الناتو»، ويثبت أنه ربح استخباراتي لروسيا. والكونجرس الأميركي، وليس ترامب، هو الذي يفرض العقوبات. وقرار أردوغان ليس فنياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، ويقصد به التنبيه إلى استياء تركيا من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو، بشأن مجموعة من القضايا، تمتد من انتقاد حكم أردوغان الاستبدادي في الداخل، إلى دور قواته في سوريا.
ويعتقد «فادي هاكورا»، الخبير في شؤون تركيا في مركز «تشاتم هاوس» البحثي في لندن، أنه إذا مضت تركيا قدماً في صفقة نظام الصواريخ الروسية إس-400، كما تؤكد كل الدلائل ذلك، فستكون «بداية تفكك علاقة تركيا طويلة الأمد بالناتو». ويشير إلى أنه «لم يحدث ذلك من قبل، أن فرض عضو من الناتو عقوبات عسكرية واقتصادية على عضو آخر. واللاعب الرئيسي في هذا ليس الرئيس ترامب، بل الكونجرس. وهناك إجماع كامل من الحزبين على معاقبة تركيا».
فقد أكد إليوت إنجل، الرئيس «الديمقراطي» للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في مطلع يونيو، بعد صدور قرار يدين عملية الشراء المزمعة أنه «لا مجال لأن تحصل تركيا على أسلحة روسية وطائرات إف-35 الأميركية معاً».
والواقع، أن العلاقات الأميركية - التركية شهدت صدامات أكثر مما شهدت من وئام، منذ عام 2013، حين انتقد أوباما تعامل أردوغان مع احتجاجات إسطنبول وحرية الصحافة. اكتنفت العلاقات منذئذ عدد من المشكلات، بما في ذلك دعم أميركا العسكري لميليشيات كردية تقاتل «داعش» في شمال سوريا. والأكراد السوريون على صلة بمقاتلي حزب «العمال الكردستاني» الذين يقاتلون أنقرة. وفي أوائل يونيو هذا العام، أصدر وزير الدفاع الأميركي بالنيابة آنذاك، باتريك شاناهان، إنذاراً لوزير الدفاع التركي، محذراً من أنه إذا لم يتم إلغاء صفقة نظام صواريخ إس-400 مع موسكو، بحلول 31 يوليو، فستشطب الولايات المتحدة تركيا من مشروع مقاتلات إف-35، الذي يجري نشره حالياً في أنحاء أوروبا. وتم سحب الطيارين الأتراك، الذين كانوا يتدربون بالفعل على الطائرات في الولايات المتحدة.
وتعتقد «أسلي أيدينتاشباش»، الخبيرة في شؤون تركيا في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» البحثي، أن تحرك تركيا يؤكد على رغبتها في الظهور كقوة عالمية أكثر استقلالية، وغير معتمدة بالكامل على الولايات المتحدة، «لكنها قد تجعل تركيا أسيرة لروسيا بأكثر بكثير من استعدادها لذلك. خروج تركيا من الغرب سيكون مناورة مؤلمة للغاية». وتعتقد «أيدينتاشباش» أيضاً أن صفقة إس-400 لا تتعلق بالنظام الدفاعي الروسي فحسب، بل «بهوية تركيا ومكانتها في العالم».
ويرى سونر تشابتاي، الخبير في شؤون تركيا بـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، و«آندي تايلور» الموظف السابق في الكونجرس، في تحليل حديث لهما نُشر في صحيفة «ذي هيل»، أن «الإمبراطوريتين ـ العثمانية والروسية ـ كانتا خصمين لدودين من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين، إلى أن انهارت الإمبراطورية الروسية عام 1917، وخاض الأتراك والروس 17 حرباً كبرى، خسر فيها الأتراك عموماً». وأضافا أن قرار تركيا بالانضمام إلى الناتو كان من أسبابه الخوف من روسيا، وأن طلب ستالين الحصول على بعض الأراضي التركية عام 1946، دفع أنقرة للانضمام إلى التحالف الغربي عام 1952. وجاء في تحليلهما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعده بالطبع بيع أسلحة لأحد أعضاء الناتو لشق صف الحلف. وأضافا: «بوسع موسكو استخدام نظام إس-400 للقيام بجهود لا تقدر بثمن لجمع المعلومات الاستخبارية ضد طائرات إف-35».
ويعتقد «سنان أولجن»، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية البحثي في ??إسطنبول، أن صفقة إس-400 إذا أُبرمت حقاً ستحدث «تنافراً بين البلدين». ويرى «أولجن» أن أميركا استغرقت وقتاً طويلاً، حتى تقدم صفقة ترضي حاجات تركيا، وهذا جاء في ظل مناخ سياسي اتسم بتآكل واسع النطاق للثقة في التزام الولايات المتحدة تجاه تركيا وأمنها. ويرى «أولجن» أنه نتيجة لهذا، تغيرت وجهة نظر تركيا في الولايات المتحدة من اعتبارها «حليفاً موثوقاً به» إلى بلد يتجاهل المصالح الأمنية القومية الأساسية لتركيا، «وهذا الفراغ في الثقة الذي تركته الولايات المتحدة هو ما سمح بوقوف روسيا إلى جانب تركيا».
*صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مت خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
فقد أعلنت تركيا، أن تسليم نظام الصواريخ الروسية إس-400، يبدأ خلال أسبوع. وحذر مسؤولون أميركيون، منذ شهور، أن تركيا إذا مضت قدماً في الصفقة، التي تبلغ قيمتها 2.5 مليار دولار، فستواجه عقوبات أميركية على الاقتصاد التركي الضعيف بالفعل، وتعرض للخطر دورها في برنامج البنتاجون لطائرات (إف-35) المقاتلة وشراء 100 طائرة منها. لكن الرئيس دونالد ترامب خفف الضغط فيما يبدو، بعد لقائه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في اليابان.
فقد ألقى ترامب باللائمة على باراك أوباما، في دفع تركيا نحو اللجوء إلى روسيا، قائلاً: إن سلفه عرقل مبيعات نظام صواريخ باتريوت الأميركي. لكن ترامب لم يذكر أن تركيا رفضت في الواقع الصفقة ثلاث مرات، لأن مطالبها بشأن التكنولوجيا والإنتاج المشترك لم تلب. وصرح ترامب أن أردوغان لم يلق معاملة جيدة، حين كان يريد الصواريخ الأميركية.
لكن هل بوسع مثل هذا النهج الدبلوماسي، أن تضيق الفجوة بين الولايات المتحدة وتركيا، التي تتسع باستمرار؟ يعتقد محللون أن هذا ليس مرجحاً، فأردوغان متمسك بقرار حاسم يمكن أن يعرقل سلامة أنظمة أسلحة «الناتو»، ويثبت أنه ربح استخباراتي لروسيا. والكونجرس الأميركي، وليس ترامب، هو الذي يفرض العقوبات. وقرار أردوغان ليس فنياً فحسب، بل سياسياً أيضاً، ويقصد به التنبيه إلى استياء تركيا من الولايات المتحدة وحلفاء آخرين في الناتو، بشأن مجموعة من القضايا، تمتد من انتقاد حكم أردوغان الاستبدادي في الداخل، إلى دور قواته في سوريا.
ويعتقد «فادي هاكورا»، الخبير في شؤون تركيا في مركز «تشاتم هاوس» البحثي في لندن، أنه إذا مضت تركيا قدماً في صفقة نظام الصواريخ الروسية إس-400، كما تؤكد كل الدلائل ذلك، فستكون «بداية تفكك علاقة تركيا طويلة الأمد بالناتو». ويشير إلى أنه «لم يحدث ذلك من قبل، أن فرض عضو من الناتو عقوبات عسكرية واقتصادية على عضو آخر. واللاعب الرئيسي في هذا ليس الرئيس ترامب، بل الكونجرس. وهناك إجماع كامل من الحزبين على معاقبة تركيا».
فقد أكد إليوت إنجل، الرئيس «الديمقراطي» للجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، في مطلع يونيو، بعد صدور قرار يدين عملية الشراء المزمعة أنه «لا مجال لأن تحصل تركيا على أسلحة روسية وطائرات إف-35 الأميركية معاً».
والواقع، أن العلاقات الأميركية - التركية شهدت صدامات أكثر مما شهدت من وئام، منذ عام 2013، حين انتقد أوباما تعامل أردوغان مع احتجاجات إسطنبول وحرية الصحافة. اكتنفت العلاقات منذئذ عدد من المشكلات، بما في ذلك دعم أميركا العسكري لميليشيات كردية تقاتل «داعش» في شمال سوريا. والأكراد السوريون على صلة بمقاتلي حزب «العمال الكردستاني» الذين يقاتلون أنقرة. وفي أوائل يونيو هذا العام، أصدر وزير الدفاع الأميركي بالنيابة آنذاك، باتريك شاناهان، إنذاراً لوزير الدفاع التركي، محذراً من أنه إذا لم يتم إلغاء صفقة نظام صواريخ إس-400 مع موسكو، بحلول 31 يوليو، فستشطب الولايات المتحدة تركيا من مشروع مقاتلات إف-35، الذي يجري نشره حالياً في أنحاء أوروبا. وتم سحب الطيارين الأتراك، الذين كانوا يتدربون بالفعل على الطائرات في الولايات المتحدة.
وتعتقد «أسلي أيدينتاشباش»، الخبيرة في شؤون تركيا في «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية» البحثي، أن تحرك تركيا يؤكد على رغبتها في الظهور كقوة عالمية أكثر استقلالية، وغير معتمدة بالكامل على الولايات المتحدة، «لكنها قد تجعل تركيا أسيرة لروسيا بأكثر بكثير من استعدادها لذلك. خروج تركيا من الغرب سيكون مناورة مؤلمة للغاية». وتعتقد «أيدينتاشباش» أيضاً أن صفقة إس-400 لا تتعلق بالنظام الدفاعي الروسي فحسب، بل «بهوية تركيا ومكانتها في العالم».
ويرى سونر تشابتاي، الخبير في شؤون تركيا بـ«معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، و«آندي تايلور» الموظف السابق في الكونجرس، في تحليل حديث لهما نُشر في صحيفة «ذي هيل»، أن «الإمبراطوريتين ـ العثمانية والروسية ـ كانتا خصمين لدودين من القرن السابع عشر إلى القرن العشرين، إلى أن انهارت الإمبراطورية الروسية عام 1917، وخاض الأتراك والروس 17 حرباً كبرى، خسر فيها الأتراك عموماً». وأضافا أن قرار تركيا بالانضمام إلى الناتو كان من أسبابه الخوف من روسيا، وأن طلب ستالين الحصول على بعض الأراضي التركية عام 1946، دفع أنقرة للانضمام إلى التحالف الغربي عام 1952. وجاء في تحليلهما أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يسعده بالطبع بيع أسلحة لأحد أعضاء الناتو لشق صف الحلف. وأضافا: «بوسع موسكو استخدام نظام إس-400 للقيام بجهود لا تقدر بثمن لجمع المعلومات الاستخبارية ضد طائرات إف-35».
ويعتقد «سنان أولجن»، الدبلوماسي التركي السابق ورئيس مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية البحثي في ??إسطنبول، أن صفقة إس-400 إذا أُبرمت حقاً ستحدث «تنافراً بين البلدين». ويرى «أولجن» أن أميركا استغرقت وقتاً طويلاً، حتى تقدم صفقة ترضي حاجات تركيا، وهذا جاء في ظل مناخ سياسي اتسم بتآكل واسع النطاق للثقة في التزام الولايات المتحدة تجاه تركيا وأمنها. ويرى «أولجن» أنه نتيجة لهذا، تغيرت وجهة نظر تركيا في الولايات المتحدة من اعتبارها «حليفاً موثوقاً به» إلى بلد يتجاهل المصالح الأمنية القومية الأساسية لتركيا، «وهذا الفراغ في الثقة الذي تركته الولايات المتحدة هو ما سمح بوقوف روسيا إلى جانب تركيا».
*صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط
ينشر بترتيب خاص مت خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»