أطلق مغردون في «تويتر» وسماً يطالبون فيه التحقيق في قضية الفلسطيني المغدور «زكي مبارك» في محكمة دولية، والبعض يتساءل لماذا أخذت قضية زكي هذا الزخم السياسي والإعلامي من بين قضايا كثيرة حدثت داخل السجون التركية وخارجها بحق مدنيين وعسكريين وصحافيين وأكراد؟
اعتقلت السلطات التركية «زكي مبارك» ورفيقه سامح شعبان ثم اقتيادهما إلى سجن سيلفيري في ضواحي اسطنبول بتهمة التجسس ووضع كل منهما في سجن انفرادي، وبعد عشرة أيام أعلن الادعاء العام التركي المقرب جداً من الرئيس أردوغان بأن زكي قد انتحر شنقاً في زنزانته وقابلت عائلة زكي ذلك بالرفض والتكذيب، كما رفضت سابقاً أي اتهامات وجهت إليه قبل وفاته، فقد ظهر شقيقه في فيديو بعيد اعتقاله يحذر من إمكانية قتل أخيه، وبالتالي رفض مزاعم انتحاره قطعياً، مؤكداً أنه لا يمكن أن ينتحر وهو يعرف أنه لم يرتكب خطأ يستحق العقاب بالسجن ناهيك عن الانتحار، ولو سلمنا جدلاً بانتحاره كونه جاسوساً يحاول الهروب من عقوبة الإعدام، فإنه لن يواجه تلك العقوبة مطلقاً حسب القانون التركي، كما أكد زكريا مبارك شقيق زكي أنه تلقى اتصالاً من أخيه يخبره أنه بريء وقال له مازحاً اعتبرها نقاهة عند الأتراك، فرد عليه ضاحكاً إنها نقاهة عند كفار قريش!
تختزل قضية التخلص من زكي مبارك كل معاني الخسة والغدر التي لا تخطر على بال إنسان، فزكي فلسطيني قدم للعمل في تركيا بعد تقاعده من السلك العسكري في فلسطين وتنقله إلى عدة محطات عقب انقسام السلطة، وكانت آخر محطاته الإمارات، ثم بلغاريا قبل انتقاله إلى تركيا، وهذه تهمة كافية لاعتقاله بحسب النظام التركي الاستبدادي الذي زعم أنه متهم بالتجسس، بعد أن استنفد كل الطرق لتغطية جريمته الشنيعة في تصفية المغدور، ثم المماطلة بتسليم جثته التي أثبت الطب الشرعي تعرضها للضرب والكسور والتعذيب قبيل الوفاة.
سجن «سيلفيري» سيئ السمعة تم تأسيسه بعد وصول أردوغان إلى مقاليد الرئاسة في تركيا لتصفية خصومه، ويعتبر السجن وصمة عار في تاريخ تركيا الحديث لما يمارس داخله من انتهاكات فجة لحقوق الإنسان وصنوف التعذيب والوحشية للمعارضين، وهو السجن ذاته الذي تمت فيه تصفية العقيد المعارض في الجيش التركي «إسماعيل شاك ماك» عام 2016 وأعلن أيضاً انه انتحر شنقاً، وتكرر هذا الفعل في سجن محافظة «اقجه قلعة» في العام ذاته مع الشاب الكردي «ديرو درويش»، الذي كان محتجزاً على ذمة التحقيق، ثم أعلن انتحاره بعمود سريره الذي لا يتجاوز طوله 160 سم خلاف طول الشاب 170 سم، ورغم حكم الإفراج عنه قبل ثلاثة أيام من وفاته، وتتكرر القصة مع الكردية «ميديا شنار» الداعمة لحزب العمل الكردستاني، وغيرها وهم كثر ممن تمت تصفيتهم بذات الطريقة الوحشية التي تمت تصفية زكي مبارك بها!
الحقيقة المروعة في قضية زكي مبارك يا سادة أن السلطات التركية لم تستطع إثبات أي تهمة عليه، فقررت تصفيته لئلا يثير أي لغط حول سير التحقيقات التي تعرض لها ونوعها وفضائح أخرى ستظهرها الأيام خصوصاً بعد تأكيد محاميه بأنه كان مقرراً أنه سيخرج بكفالة قبل يوم واحد من وفاته!
*كاتبة سعودية