القناعات دائماً ما تعدّ مسألة شخصية لدى الأفراد، لذا فإنني أتساءل هنا، لماذا تترسّخ لديّ، يوماً بعد آخر، قناعة بأن إيران ما بعد الشاه هي أجمل هدية لإسرائيل؟ أقول هذا وأنا أجهل العوامل الدقيقة التي ولّدت هذه القناعة، في وقتٍ لا يساورني شك أن هذه القناعة ليست مقتصرةٌ عليّ دون آخرين كُثر من عرب وأجانب. وبما أن إيران هي كذلك، أقلة لديّ، فهل من المعقول أن تضربها أميركا، وهي الحريصة على وجود إسرائيل وأمنها؟ إن الموضوع قد يحتاج إلى تفصيل، تنبي عنه القصة التالية. في شرفة أحد الفنادق بواشنطن، جلس الرئيس الأميركي، جيمي كارتر (1981-1977)، يتناول وجبة إفطاره، ومعه أحد الصحفيين العرب، فجرى بينهما حديث سياسي مقتضب، بدأه الصحفي، الذي كانت تربطه بالسيد الرئيس علاقة جيدة، طارحاً عليه سؤالين، الأول عن اتفاقية كامب ديفيد (عام 2000) الخاصة بالقضية الفلسطينية.
والسؤال الثاني عن الإمام الخميني والثورة الإيرانية. فأجابه كارتر عن السؤالين باقتضاب شديد، لكن عميق. قال: (إن بيجن كان مناوراً ومراوغاً، ولحق بالفلسطينيين ظلم على أيدي إسرائيل). قصده أثناء التفاوض في مؤتمر كامب ديفيد. أما إجابته عن السؤال الثاني، حول الخميني والثورة، فقال مبتسماً: (لقد كانت نتيجة لمشورة سيئة). أي أن أميركا ساندت الخميني والثورة، بعد مشورة (سيئة)، يُعتقد أن مصدرها أحد مستشاري الأمن القومي. وبالرجوع إلى عهد الرئيس كارتر، تبين أن مستشار الأمن القومي كان، زبيجنيو بريجنسكي (يهودي بولندي). الذي كان يتميّز عن زميله ذائع الصيت، هنري كيسنجر (يهودي ألماني)، في عهد ريتشارد نيكسون، بأن رؤاه كانت أبعد، وتفكيره الاستراتيجي كان أخطر. فما تلك المشورة (السيئة) التي دفعت أميركا إلى التحرك لمساندة الخميني؟ بريجنسكي، التي كانت بلاده وقتذاك تحت الحكم السوفييتي، كان يخشى من التمدد السوفييتي في مناطق أخرى من العالم، وكان ينظر إلى إيران أنها منطقة رخوة وقريبة من الحدود السوفييتية، وقريبة في الوقت نفسه من منابع البترول الخليجية، وبالتالي فإنه افترض أن حكماً أصولياً طائفياً متشدداً بقيادة الخميني سيضع حداً لمثل هذه الخشية. وهذا ما حصل، لكن كيف؟ حينما أصرّ بريجنسكي على ترويج فكرته وأقنع بها إدارته، جرى ترتيب الإطاحة بحكم الشاه، بمساعدة السفارة الأميركية في طهران، التي اخترقت مؤسسة الجيش الإيراني عن طريق (المتعاونين)، بحيث استمالت ولاءات كبار قادة الجيش لصالح الخميني، الذي كان وقتذاك في منفاه الباريسي. واستمرت (العلاقات) الأميركية - الإيرانية إلى عقود متتالية وزاهرة، ففي عهد الرئيس رونالد ريجان، عرفت صفقة (إيران كونتراجيت)، التي أظهرت تعاوناً جيداً مع أميركا، وغزو العراق ما كان لينجح في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لولا تعاون إيران. أما في عهد الرئيس باراك أوباما، فحدّث ولا حرج، حيث جرى تصنيع «داعش» من بقايا أعضاء «القاعدة» في السجون العراقية، بعدما قام رئيس الوزراء، نوري المالكي، بإطلاق سراحهم، إضافةً إلى التوقيع على اتفاقية برنامج إيران النووي. مقطع القول: إن ازدهار إسرائيل الاقتصادي واستقرار أمنها، هو نتيجة طبيعية لأعمال إيران التدميرية في عدد من الدول العربية، وتحديداً لبنان واليمن، إضافةً إلى دولتي الطوق العراق وسوريا.
*إعلامي وكاتب صحفي
والسؤال الثاني عن الإمام الخميني والثورة الإيرانية. فأجابه كارتر عن السؤالين باقتضاب شديد، لكن عميق. قال: (إن بيجن كان مناوراً ومراوغاً، ولحق بالفلسطينيين ظلم على أيدي إسرائيل). قصده أثناء التفاوض في مؤتمر كامب ديفيد. أما إجابته عن السؤال الثاني، حول الخميني والثورة، فقال مبتسماً: (لقد كانت نتيجة لمشورة سيئة). أي أن أميركا ساندت الخميني والثورة، بعد مشورة (سيئة)، يُعتقد أن مصدرها أحد مستشاري الأمن القومي. وبالرجوع إلى عهد الرئيس كارتر، تبين أن مستشار الأمن القومي كان، زبيجنيو بريجنسكي (يهودي بولندي). الذي كان يتميّز عن زميله ذائع الصيت، هنري كيسنجر (يهودي ألماني)، في عهد ريتشارد نيكسون، بأن رؤاه كانت أبعد، وتفكيره الاستراتيجي كان أخطر. فما تلك المشورة (السيئة) التي دفعت أميركا إلى التحرك لمساندة الخميني؟ بريجنسكي، التي كانت بلاده وقتذاك تحت الحكم السوفييتي، كان يخشى من التمدد السوفييتي في مناطق أخرى من العالم، وكان ينظر إلى إيران أنها منطقة رخوة وقريبة من الحدود السوفييتية، وقريبة في الوقت نفسه من منابع البترول الخليجية، وبالتالي فإنه افترض أن حكماً أصولياً طائفياً متشدداً بقيادة الخميني سيضع حداً لمثل هذه الخشية. وهذا ما حصل، لكن كيف؟ حينما أصرّ بريجنسكي على ترويج فكرته وأقنع بها إدارته، جرى ترتيب الإطاحة بحكم الشاه، بمساعدة السفارة الأميركية في طهران، التي اخترقت مؤسسة الجيش الإيراني عن طريق (المتعاونين)، بحيث استمالت ولاءات كبار قادة الجيش لصالح الخميني، الذي كان وقتذاك في منفاه الباريسي. واستمرت (العلاقات) الأميركية - الإيرانية إلى عقود متتالية وزاهرة، ففي عهد الرئيس رونالد ريجان، عرفت صفقة (إيران كونتراجيت)، التي أظهرت تعاوناً جيداً مع أميركا، وغزو العراق ما كان لينجح في عهد الرئيس جورج بوش الابن، لولا تعاون إيران. أما في عهد الرئيس باراك أوباما، فحدّث ولا حرج، حيث جرى تصنيع «داعش» من بقايا أعضاء «القاعدة» في السجون العراقية، بعدما قام رئيس الوزراء، نوري المالكي، بإطلاق سراحهم، إضافةً إلى التوقيع على اتفاقية برنامج إيران النووي. مقطع القول: إن ازدهار إسرائيل الاقتصادي واستقرار أمنها، هو نتيجة طبيعية لأعمال إيران التدميرية في عدد من الدول العربية، وتحديداً لبنان واليمن، إضافةً إلى دولتي الطوق العراق وسوريا.
*إعلامي وكاتب صحفي