يتشعب الحديث عن صفقة القرن، لكن الرافضين لا يطرحون بدائل، بل يستمرون في توظيف القضية الفلسطينية بأسلوب عاطفي، يتناقض مع مبادئ السياسة. فيما يؤدي عدم تقديم البدائل إلى تعويم القضية وإضاعة المزيد من الفرص كما حدث من قبل.
كان الإسرائيليون قبل وبعد اتفاقية كامب ديفيد على استعداد للتفاوض، على أساس حدود عام 1967، أما الآن ونتيجة للمتاجرة الطويلة دون فائدة بموضوع فلسطين، فإن الكثير من الفرص ضاعت، وأصبح الطرف الإسرائيلي يرفض العودة إلى حدود 67، وبذلك ثبت أن السادات كان على صواب، عندما انتهز الفرصة واستعاد سيناء، ولم يتوقف بجمود في طابور من ظلوا يكابرون ويضيعون الفرص الممكنة للحل.
وبالطبع لا يوجد في تاريخنا ما هو أسوأ من نكسة 67 سوى سقوط غرناطة، حينها قام العرب بتغيير لون العقال إلى الأسود. لكننا بعد النكسة لم نجد لوناً للعقال أكثر سواداً لكي نستبدله.
أعتقد أن من ينتقدون التطورات الأخيرة، يكررون الخطأ السابق مرة أخرى. ولابد من الاعتراف بأن الرد العربي على اتفاقية كامب ديفيد بمقاطعة مصر آنذاك لم يكن قراراً موفقاً، حيث تم استبعاد مصر من الجامعة العربية ونقل مقرها إلى تونس. بالمقابل لم يحدث أي تقدم في ملف الصراع من المنظور المعارض لبحث آفاق تحقيق سلام دائم وشامل.
ومع مرور الوقت وبعد دروس عديدة، نكتشف أننا بحاجة للتفريق بين السياسة وردود الفعل العاطفية. وبالتالي الذهاب إلى أي مؤتمر أو منتدى بهذا الشأن، لا يعني أن كل ما يدور فيه نهائي وغير قابل للنقاش. كما لا يعني التسليم المطلق والقبول بما يتم طرحه. المهم أن يتم التخلي عن العدمية وعن الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر، فالسياسة تعني أيضاً المبادرة والفاعلية الإيجابية التي تحدِث فارقاً في الواقع، ولا تدع طرفاً بعينه يستأثر بالتحرك منفرداً، بحجة غياب الأطراف الأخرى، أو عدم استعدادها لتقديم تصورات عملية.
وبالعودة إلى ملامح ما يسمى صفقة القرن وما اتضح من معالمها، يجري الحديث عن 50 مليار دولار، وهو رقم لتمويل مشروعات اقتصادية لتهيئة السلام وضمان ديمومته. وهنا يتوجب على الطرف الخليجي أن يطرح علامة تعجب لابد منها، لأن الصفقة المقترحة تفترض أن يكون التمويل خليجياً، مما يستدعي التساؤل: لماذا ندفع الثمن نحن؟
قد يفترض البعض قائلاً إن دول المنطقة سوف تستفيد وتكسب في المستقبل من ثمار الاستقرار. لكن قبل التعويل على الآمال المستقبلية التي لم تتحقق بعد، يقتضي سيناريو الصفقة أن نهمس في أذن من يرتبون لها بالقول، إن على من يريد أن يكون كريماً أن يكون كذلك بأمواله وليس بأموال الآخرين! بمعنى آخر، يجب أن تدفع أميركا ثمن الصفقة أكثر من غيرها، لأنها التي بادرت بتجفيف أموال «الأونروا» وامتنعت عن دفع حصتها، وسعت إلى تجويع سكان المخيمات في فلسطين، للضغط على السلطة الفلسطينية ودفعها إلى الموافقة على بنود الصفقة.
يجب أن نعتبر الحديث عن تمويل صفقة السلام مناسبة أيضاً لتغيير الصورة النمطية حول منطقة الخليج؛ إذ لا يزال الرئيس الأميركي ترامب منذ حملته الانتخابية الأولى وحتى الحملة الجديدة، يتجاهل أن دول الخليج ليست الدول الوحيدة التي تمتلك الأموال. صحيح أن لدينا ثروات، لكننا لا نحصل عليها بسهولة، ثم لماذا يجب علينا أن ندفع ثمن أخطاء الآخرين؟
من ناحية أخرى أكثر منطقية، لم يكن لدول الخليج أي دور في تقسيم تركة السلطنة العثمانية بين الدول الاستعمارية، فنحن في الخليج تعرضنا كذلك للتدخل الأجنبي. وليس الخليج من قرر أن يمنح فلسطين بوعد سياسي للصهاينة منذ أن كانوا عصابات بدائية. بل إن بريطانيا تتحمل المسؤولية منذ وعد بلفور سيئ الصيت عام 1917. فلماذا لا تدفع الفاتورة وتكفر عن الخطأ الذي ارتكبته، عندما تجاهلت حقوق الفلسطينيين ودعمت قيام دولة يهودية على حساب شعب آخر؟
*كاتب إماراتي
كان الإسرائيليون قبل وبعد اتفاقية كامب ديفيد على استعداد للتفاوض، على أساس حدود عام 1967، أما الآن ونتيجة للمتاجرة الطويلة دون فائدة بموضوع فلسطين، فإن الكثير من الفرص ضاعت، وأصبح الطرف الإسرائيلي يرفض العودة إلى حدود 67، وبذلك ثبت أن السادات كان على صواب، عندما انتهز الفرصة واستعاد سيناء، ولم يتوقف بجمود في طابور من ظلوا يكابرون ويضيعون الفرص الممكنة للحل.
وبالطبع لا يوجد في تاريخنا ما هو أسوأ من نكسة 67 سوى سقوط غرناطة، حينها قام العرب بتغيير لون العقال إلى الأسود. لكننا بعد النكسة لم نجد لوناً للعقال أكثر سواداً لكي نستبدله.
أعتقد أن من ينتقدون التطورات الأخيرة، يكررون الخطأ السابق مرة أخرى. ولابد من الاعتراف بأن الرد العربي على اتفاقية كامب ديفيد بمقاطعة مصر آنذاك لم يكن قراراً موفقاً، حيث تم استبعاد مصر من الجامعة العربية ونقل مقرها إلى تونس. بالمقابل لم يحدث أي تقدم في ملف الصراع من المنظور المعارض لبحث آفاق تحقيق سلام دائم وشامل.
ومع مرور الوقت وبعد دروس عديدة، نكتشف أننا بحاجة للتفريق بين السياسة وردود الفعل العاطفية. وبالتالي الذهاب إلى أي مؤتمر أو منتدى بهذا الشأن، لا يعني أن كل ما يدور فيه نهائي وغير قابل للنقاش. كما لا يعني التسليم المطلق والقبول بما يتم طرحه. المهم أن يتم التخلي عن العدمية وعن الشعارات التي لا تقدم ولا تؤخر، فالسياسة تعني أيضاً المبادرة والفاعلية الإيجابية التي تحدِث فارقاً في الواقع، ولا تدع طرفاً بعينه يستأثر بالتحرك منفرداً، بحجة غياب الأطراف الأخرى، أو عدم استعدادها لتقديم تصورات عملية.
وبالعودة إلى ملامح ما يسمى صفقة القرن وما اتضح من معالمها، يجري الحديث عن 50 مليار دولار، وهو رقم لتمويل مشروعات اقتصادية لتهيئة السلام وضمان ديمومته. وهنا يتوجب على الطرف الخليجي أن يطرح علامة تعجب لابد منها، لأن الصفقة المقترحة تفترض أن يكون التمويل خليجياً، مما يستدعي التساؤل: لماذا ندفع الثمن نحن؟
قد يفترض البعض قائلاً إن دول المنطقة سوف تستفيد وتكسب في المستقبل من ثمار الاستقرار. لكن قبل التعويل على الآمال المستقبلية التي لم تتحقق بعد، يقتضي سيناريو الصفقة أن نهمس في أذن من يرتبون لها بالقول، إن على من يريد أن يكون كريماً أن يكون كذلك بأمواله وليس بأموال الآخرين! بمعنى آخر، يجب أن تدفع أميركا ثمن الصفقة أكثر من غيرها، لأنها التي بادرت بتجفيف أموال «الأونروا» وامتنعت عن دفع حصتها، وسعت إلى تجويع سكان المخيمات في فلسطين، للضغط على السلطة الفلسطينية ودفعها إلى الموافقة على بنود الصفقة.
يجب أن نعتبر الحديث عن تمويل صفقة السلام مناسبة أيضاً لتغيير الصورة النمطية حول منطقة الخليج؛ إذ لا يزال الرئيس الأميركي ترامب منذ حملته الانتخابية الأولى وحتى الحملة الجديدة، يتجاهل أن دول الخليج ليست الدول الوحيدة التي تمتلك الأموال. صحيح أن لدينا ثروات، لكننا لا نحصل عليها بسهولة، ثم لماذا يجب علينا أن ندفع ثمن أخطاء الآخرين؟
من ناحية أخرى أكثر منطقية، لم يكن لدول الخليج أي دور في تقسيم تركة السلطنة العثمانية بين الدول الاستعمارية، فنحن في الخليج تعرضنا كذلك للتدخل الأجنبي. وليس الخليج من قرر أن يمنح فلسطين بوعد سياسي للصهاينة منذ أن كانوا عصابات بدائية. بل إن بريطانيا تتحمل المسؤولية منذ وعد بلفور سيئ الصيت عام 1917. فلماذا لا تدفع الفاتورة وتكفر عن الخطأ الذي ارتكبته، عندما تجاهلت حقوق الفلسطينيين ودعمت قيام دولة يهودية على حساب شعب آخر؟
*كاتب إماراتي