التفسير الرسمي لقرار الرئيس دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة، بإرجاء ضربة ضد إيران، تضمن حجتين منفصلتين. الأول استهدف إظهار قدرة ترامب على ضبط النفس والتحمل ورباطة الجأش. والثاني استهدف أنه يجب ألا نقلل من حزم ترامب واستعداده لاستخدام القوة العسكرية الهائلة. وهذان الأمران ليسا متناقضين بالضرورة. والواقع أن الحجة مفادها أن ترامب يوازن بين هاتين النزعتين. وهذا حيوي في مسعى ترامب لإقناع الجمهور المحلي بأنه ليس محرضاً متهوراً على الحرب، بل قوياً وحازماً.
لكن من الصعب المواءمة بين هذا التصور وبين الحقائق المعلومة والتصريحات المعلنة المتوافرة حالياً عما حدث. والقصة الحقيقية التي ظهرت تخبرنا شيئاً مهماً عن الطريقة التي قادتنا بها رؤية ترامب للعالم إلى ما نحن عليه.
ولمقابلة نائب الرئيس مايك بنس، يوم الأحد الماضي، مع شبكة «سي. إن. إن.» دلالة كبيرة في هذا الشأن جاءت عفوية. فقد أكد بنس أن ترامب توصل في «مرحلة متأخرة من العملية» إلى أن عدد الضحايا المحتمل من الضربة «ليس متناسباً» مع إسقاط إيران طائرة بلا طيار. والجدير بالذكر أن ترامب كتب في تغريدة ما يفيد أنه منع الضربة بعد أن علم بأنه قد تتسب في 150 ضحية. وأخبر ترامب الصحفيين أنه حصل في البداية على عدد ضحايا «غريب للغاية» قبل حصوله على عدد يمكن الوثوق فيه.
وسأل مقدم البرنامج الذي أجرى المقابلة في «سي. إن. إن» نائب الرئيس الأميركي عن سبب إجازة ترامب شن الهجوم قبل أن يحصل على تصور بخصوص عدد الضحايا المحتمل، وعن تأخر علمه بالعدد الذي ذكره «في مرحلة متأخرة للغاية من العملية». ورد «بنس» بالقول إن الرئيس حصل على تقدير لعدد الضحايا وكل المعلومات. وحين قاطعه المضيف بأن هذا حدث في النهاية، رد «بنس» أن هذا حدث في الواقع على امتداد العملية، لكن «كما أوضح الرئيس، ظهر في مرحلة متأخرة من العملية، تقديرات أكثر دقة قُدمت إليه تتعلق بالأهداف التي كان يستعد لاستخدام القوة ضدها وخلص إلى أن الرد ليس متناسباً».
هكذا، أقر نائب الرئيس بأن ترامب حصل على تقديرات الضحايا في فترة مبكرة وأجاز الضربات، لكن التقديرات لم تكن بالدقة التي حصل عليها في اللحظة الأخيرة. وذكر «نيد برايس» مساعد الرئيس باراك أوباما الخاص في شؤون الأمن القومي، أن رواية «بنس» لا تستقيم مع سير هذه العملية التي تقتضي إعطاء الرئيس معلومات دقيقة للغاية في بداية الأمر.
ومضى «برايس»، وهو الخبير بمثل هذه الأمور بحكم منصبه السابق، يقول: «من بين النقاط الأولى التي يجري إفادة الرئيس وكبار مستشاريه بشأنها هي تقديرات الضحايا التي يجب أن تكون دقيقة بأكبر قدر تستطيعه الاستخبارات». ويرى برايس، أن «نائب الرئيس اعترف فيما يبدو بأن التقديرات التي أرسلت إلى الرئيس تغيرت مع مرور الوقت». مضيفاً أن هذا يثير أسئلة عما إذا كان المستشارون «ربما أعدوا عملية لم تحجب معلومات فحسب، بل من المحتمل أنها تلاعبت بها في طريقها إلى الرئيس. فقد حصل الرئيس على معلومات لم يجر إفادته بها من قبل». وهذا يتواءم بدرجة ما مع التقارير المفصلة لواشنطن بوست التي أكدت أن ترامب حصل على عدد الضحايا المحتمل في وقت مبكر عن ذاك الذي أعلنه، وأنه أجاز هجوماً قبل أن يتراجع عنه. ومن الصعب أن نعرف إذا ما كان ترامب قد حصل على المعلومات الخاصة بتقدير سقوط 150 ضحية، نتيجة الضربة في وقت مبكر بعينه، لكن سواء كان ترامب حصل على هذا الرقم، أو حصل على رقم آخر، فلا شيء من هذا مطمئن والمزيد من التدقيق مطلوب.
وفي النهاية، فالمشكلة الحقيقية التي كشفتها هذه الفوضى تكمن في رؤية ترامب للاتفاق النووي الإيراني الذي كان من المفترض أنه يمنع طهران من امتلاك الأسلحة النووية، فترامب أعلن أن الاتفاق ضعيف ويمثل فشلاً وانسحب منه، وتعهد بأن يكون صارماً من جانب واحد، حتى يحصل على خضوع كامل من إيران بمفرده، دون إطلاق رصاصة واحدة. وهذا جعل احتمال الحرب أكثر ترجيحاً. وتفادي الحرب يتطلب العودة إلى الالتزام بالحل الدبلوماسي، لكن ترامب لا يمكنه فعل هذا، لكنه لا يريد الحرب أيضاً. ولذا، فإن مقابلة «بنس» تظهر أننا واقعون في شرك تأرجح ترامب الشديد بين الإحجام عن الحرب والإقدام عليها، حتى مع تصاعد الموقف.
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
لكن من الصعب المواءمة بين هذا التصور وبين الحقائق المعلومة والتصريحات المعلنة المتوافرة حالياً عما حدث. والقصة الحقيقية التي ظهرت تخبرنا شيئاً مهماً عن الطريقة التي قادتنا بها رؤية ترامب للعالم إلى ما نحن عليه.
ولمقابلة نائب الرئيس مايك بنس، يوم الأحد الماضي، مع شبكة «سي. إن. إن.» دلالة كبيرة في هذا الشأن جاءت عفوية. فقد أكد بنس أن ترامب توصل في «مرحلة متأخرة من العملية» إلى أن عدد الضحايا المحتمل من الضربة «ليس متناسباً» مع إسقاط إيران طائرة بلا طيار. والجدير بالذكر أن ترامب كتب في تغريدة ما يفيد أنه منع الضربة بعد أن علم بأنه قد تتسب في 150 ضحية. وأخبر ترامب الصحفيين أنه حصل في البداية على عدد ضحايا «غريب للغاية» قبل حصوله على عدد يمكن الوثوق فيه.
وسأل مقدم البرنامج الذي أجرى المقابلة في «سي. إن. إن» نائب الرئيس الأميركي عن سبب إجازة ترامب شن الهجوم قبل أن يحصل على تصور بخصوص عدد الضحايا المحتمل، وعن تأخر علمه بالعدد الذي ذكره «في مرحلة متأخرة للغاية من العملية». ورد «بنس» بالقول إن الرئيس حصل على تقدير لعدد الضحايا وكل المعلومات. وحين قاطعه المضيف بأن هذا حدث في النهاية، رد «بنس» أن هذا حدث في الواقع على امتداد العملية، لكن «كما أوضح الرئيس، ظهر في مرحلة متأخرة من العملية، تقديرات أكثر دقة قُدمت إليه تتعلق بالأهداف التي كان يستعد لاستخدام القوة ضدها وخلص إلى أن الرد ليس متناسباً».
هكذا، أقر نائب الرئيس بأن ترامب حصل على تقديرات الضحايا في فترة مبكرة وأجاز الضربات، لكن التقديرات لم تكن بالدقة التي حصل عليها في اللحظة الأخيرة. وذكر «نيد برايس» مساعد الرئيس باراك أوباما الخاص في شؤون الأمن القومي، أن رواية «بنس» لا تستقيم مع سير هذه العملية التي تقتضي إعطاء الرئيس معلومات دقيقة للغاية في بداية الأمر.
ومضى «برايس»، وهو الخبير بمثل هذه الأمور بحكم منصبه السابق، يقول: «من بين النقاط الأولى التي يجري إفادة الرئيس وكبار مستشاريه بشأنها هي تقديرات الضحايا التي يجب أن تكون دقيقة بأكبر قدر تستطيعه الاستخبارات». ويرى برايس، أن «نائب الرئيس اعترف فيما يبدو بأن التقديرات التي أرسلت إلى الرئيس تغيرت مع مرور الوقت». مضيفاً أن هذا يثير أسئلة عما إذا كان المستشارون «ربما أعدوا عملية لم تحجب معلومات فحسب، بل من المحتمل أنها تلاعبت بها في طريقها إلى الرئيس. فقد حصل الرئيس على معلومات لم يجر إفادته بها من قبل». وهذا يتواءم بدرجة ما مع التقارير المفصلة لواشنطن بوست التي أكدت أن ترامب حصل على عدد الضحايا المحتمل في وقت مبكر عن ذاك الذي أعلنه، وأنه أجاز هجوماً قبل أن يتراجع عنه. ومن الصعب أن نعرف إذا ما كان ترامب قد حصل على المعلومات الخاصة بتقدير سقوط 150 ضحية، نتيجة الضربة في وقت مبكر بعينه، لكن سواء كان ترامب حصل على هذا الرقم، أو حصل على رقم آخر، فلا شيء من هذا مطمئن والمزيد من التدقيق مطلوب.
وفي النهاية، فالمشكلة الحقيقية التي كشفتها هذه الفوضى تكمن في رؤية ترامب للاتفاق النووي الإيراني الذي كان من المفترض أنه يمنع طهران من امتلاك الأسلحة النووية، فترامب أعلن أن الاتفاق ضعيف ويمثل فشلاً وانسحب منه، وتعهد بأن يكون صارماً من جانب واحد، حتى يحصل على خضوع كامل من إيران بمفرده، دون إطلاق رصاصة واحدة. وهذا جعل احتمال الحرب أكثر ترجيحاً. وتفادي الحرب يتطلب العودة إلى الالتزام بالحل الدبلوماسي، لكن ترامب لا يمكنه فعل هذا، لكنه لا يريد الحرب أيضاً. ولذا، فإن مقابلة «بنس» تظهر أننا واقعون في شرك تأرجح ترامب الشديد بين الإحجام عن الحرب والإقدام عليها، حتى مع تصاعد الموقف.
*صحفي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»