نشر السيناتور «ماركو روبيو»، في الآونة الأخيرة، تقريراً يلقي الضوء على قضية محورية في الاقتصاد الأميركي، وهي قضية التراجع المستمر للاستثمار الأميركي في القطاع الخاص. ويرى «روبيو» أن هذا التوجه هو نتيجة نظام رأسمالية حملة الأسهم، وسعي الشركات لتحقيق الربح في مدى زمني قصير. وبعبارة أخرى، فقد تحولت صناعة القرار الاقتصادي نحو «تحقيق عائدات بسرعة وبشكل متوقع للمستثمرين، وليس بناءَ قدرات في المدى الطويل من خلال الاستثمار والإنتاج» كما جاء في تحليل روبيو.
إننا نرحب باهتمام روبيو بهذه المشكلة، لأن الاستثمار محوري في النمو الاقتصادي خاصةً في نمو الإنتاجية، وبالتالي في نمو أجور العمال. والضعف السائد في الاستثمار مقارنةً بالادخار تمخض أيضاً عن فترة من الركود طويل الأمد، الذي لا يمكننا فيه الحصول على نمو معقول إلا بمزيج من عجز كبير في الموازنة، وسياسات نقدية استثنائية ومستويات عالية من الروافع المالية. ورغم أننا معجبون بجدية تقرير روبيو، واعتماده على عدد من المفكرين يرتبطون باليسار السياسي، فإننا نختلف مع فرضيته الأساسية.
أولاً: إذا كانت رأسمالية حملة الأسهم، وسعي الشركات لتحقيق أرباح في المدى القصير، أهم سببين رئيسيين لتقلص الاستثمار، فمن المتوقع أن نرى الظاهرة على أوضح ما يكون في دول مثل الولايات المتحدة، التي بها تباينات أقوى في رأسمالية حملة الأسهم. لكن مثل هذا التوجه ظاهرة عالمية. فالاستثمار في قطاع الشركات غير المالية شهد ضعفاً، ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما أيضاً في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، خلال العقدين الماضيين. كما شهدت أكبر عشرة اقتصاديات في العالم زيادات كبيرة في إجمالي مدخرات الشركات.
وتراجع الاستثمار وزيادة المدخرات يعني أن الشركات قدمت أرباحها بأكثر مما اقترضت من مال، لتستثمره في توسيع نشاطها الاقتصادي. وهذا لم يقتصر على الولايات المتحدة، لكنه حدث أيضاً في كندا واليابان وبريطانيا وهولندا منذ نحو عام 2000. وشهدنا أيضاً حدوث هذا في ألمانيا في السنوات القليلة الماضية. صحيح أن بعض التباينات بين البلدان في هذا التوجه قد يرتبط بطبيعة المؤسسات الحاكمة للشركات، لكن حدوث هذا عبر دول كثيرة بها مؤسسات مختلفة يوحي بأنه من المرجح أن تكون هناك تفسيرات أخرى أكثر أهمية، ليست رأسمالية حملة الأسهم وسعي الشركات للربح في مدى قصير.
ثانياً: لو كانت رغبة حملة الأسهم في الحصول على عائدات، في أجل قصير، هي سبب التقلص في استثمار الشركات، لكان من المتوقع أن تتركز الظاهرة في الشركات المدرجة في البورصة، وهي أكثر الشركات تعرضاً لضغوط حملة الأسهم. لكن الأمر ليس كذلك فيما يبدو لأن حجم استثمار الشركات المدرجة في البورصة يمثل ما يقدر بأقل من نصف إجمالي الاستثمار الأميركي، لكن التقلص في صافي الاستثمار من الشركات المدرجة في البورصة يعكس التراجع في الاقتصاد بصفة عامة.
ثالثا: ليس من الواضح أن تحفز ضغوط حملة الأسهم دوماً الشركات على الجري وراء الأرباح قصيرة الأجل، على حساب فرص استثمار طويلة الأمد. فنحن نعيش في عالم لم تحقق فيه 84% من الاكتتابات العامة الأولية لأسهم شركات التكنولوجيا أرباحاً. فشركة «أوبر» تقدر قيمتها بنحو 70 مليار دولار، رغم أنها لا تحقق أرباحاً في الأساس. وأمازون لم تسجل أرباحاً ربع سنوية إلا بعد أربع سنوات من اكتتابها العام الأولي عام 1997. بالنسبة لهذه الشركات، لا تخلق رأسمالية حملة الأسهم فيما يبدو تحيزاً منهجياً نحو التوجه إلى الربح في الأجل القصير بل على العكس، حملة الأسهم مستعدون لدفع أسعار مرتفعة للشركات أملاً في تحقيق أرباح في المستقبل البعيد.
رابعاً: لسنا متأكدين تماماً أن يتمخض دوماً نهج أطول أجلاً يتبع بناء المؤسسة، دون ضغط من حملة الأسهم، عن تقسيم أكثر كفاءة لحصص الاستثمار. فقد شرعت «جنرال موتورز»، على سبيل المثال، في مسعى استثماري كبير خلال العقد السابق على إفلاسها. وشرعت شركة «جنرال اليكتريك» في عدد من عمليات الاستحواذ بهدف الاستثمار طويل الأمد، قبل عقد من اقترابها من الانهيار في عامي 2017 و2018.
ويبقى أن نقول إن هناك تفسيرات محتملة أخرى كثيرة لضعف الاستثمار، مثل تزايد سلطة الاحتكار في الاقتصاد الأميركي، مما قد يؤدي إلى تقليص ميل الشركة إلى الاستثمار، وأيضاً انخفاض أسعار البضائع الرأسمالية، التي قد تقلص مقدار الادخار الذي يمكن أن يستوعبه الاستثمار. وشهدنا كذلك تحولاً في اقتصادنا نحو قطاعات لا تحتاج إلى رأسمال كبير مثل الخدمات والمنتجات الرقمية، التي تقلص مباشرة حجم الاستثمار المطلوب للإنتاج. وروبيو محق في أن التراجع في الاستثمار قضية خطيرة، وتقريره في الآونة الأخيرة قدم مساهمة قيمة في الجدل، لكن يتعين تشخيص المشكلة بشكل صحيح، لأنه حينها فقط نستطيع معالجة الأسباب الرئيسية بشكل ملائم.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
أولاً: إذا كانت رأسمالية حملة الأسهم، وسعي الشركات لتحقيق أرباح في المدى القصير، أهم سببين رئيسيين لتقلص الاستثمار، فمن المتوقع أن نرى الظاهرة على أوضح ما يكون في دول مثل الولايات المتحدة، التي بها تباينات أقوى في رأسمالية حملة الأسهم. لكن مثل هذا التوجه ظاهرة عالمية. فالاستثمار في قطاع الشركات غير المالية شهد ضعفاً، ليس فقط في الولايات المتحدة وإنما أيضاً في بريطانيا وفرنسا وألمانيا، خلال العقدين الماضيين. كما شهدت أكبر عشرة اقتصاديات في العالم زيادات كبيرة في إجمالي مدخرات الشركات.
وتراجع الاستثمار وزيادة المدخرات يعني أن الشركات قدمت أرباحها بأكثر مما اقترضت من مال، لتستثمره في توسيع نشاطها الاقتصادي. وهذا لم يقتصر على الولايات المتحدة، لكنه حدث أيضاً في كندا واليابان وبريطانيا وهولندا منذ نحو عام 2000. وشهدنا أيضاً حدوث هذا في ألمانيا في السنوات القليلة الماضية. صحيح أن بعض التباينات بين البلدان في هذا التوجه قد يرتبط بطبيعة المؤسسات الحاكمة للشركات، لكن حدوث هذا عبر دول كثيرة بها مؤسسات مختلفة يوحي بأنه من المرجح أن تكون هناك تفسيرات أخرى أكثر أهمية، ليست رأسمالية حملة الأسهم وسعي الشركات للربح في مدى قصير.
ثانياً: لو كانت رغبة حملة الأسهم في الحصول على عائدات، في أجل قصير، هي سبب التقلص في استثمار الشركات، لكان من المتوقع أن تتركز الظاهرة في الشركات المدرجة في البورصة، وهي أكثر الشركات تعرضاً لضغوط حملة الأسهم. لكن الأمر ليس كذلك فيما يبدو لأن حجم استثمار الشركات المدرجة في البورصة يمثل ما يقدر بأقل من نصف إجمالي الاستثمار الأميركي، لكن التقلص في صافي الاستثمار من الشركات المدرجة في البورصة يعكس التراجع في الاقتصاد بصفة عامة.
ثالثا: ليس من الواضح أن تحفز ضغوط حملة الأسهم دوماً الشركات على الجري وراء الأرباح قصيرة الأجل، على حساب فرص استثمار طويلة الأمد. فنحن نعيش في عالم لم تحقق فيه 84% من الاكتتابات العامة الأولية لأسهم شركات التكنولوجيا أرباحاً. فشركة «أوبر» تقدر قيمتها بنحو 70 مليار دولار، رغم أنها لا تحقق أرباحاً في الأساس. وأمازون لم تسجل أرباحاً ربع سنوية إلا بعد أربع سنوات من اكتتابها العام الأولي عام 1997. بالنسبة لهذه الشركات، لا تخلق رأسمالية حملة الأسهم فيما يبدو تحيزاً منهجياً نحو التوجه إلى الربح في الأجل القصير بل على العكس، حملة الأسهم مستعدون لدفع أسعار مرتفعة للشركات أملاً في تحقيق أرباح في المستقبل البعيد.
رابعاً: لسنا متأكدين تماماً أن يتمخض دوماً نهج أطول أجلاً يتبع بناء المؤسسة، دون ضغط من حملة الأسهم، عن تقسيم أكثر كفاءة لحصص الاستثمار. فقد شرعت «جنرال موتورز»، على سبيل المثال، في مسعى استثماري كبير خلال العقد السابق على إفلاسها. وشرعت شركة «جنرال اليكتريك» في عدد من عمليات الاستحواذ بهدف الاستثمار طويل الأمد، قبل عقد من اقترابها من الانهيار في عامي 2017 و2018.
ويبقى أن نقول إن هناك تفسيرات محتملة أخرى كثيرة لضعف الاستثمار، مثل تزايد سلطة الاحتكار في الاقتصاد الأميركي، مما قد يؤدي إلى تقليص ميل الشركة إلى الاستثمار، وأيضاً انخفاض أسعار البضائع الرأسمالية، التي قد تقلص مقدار الادخار الذي يمكن أن يستوعبه الاستثمار. وشهدنا كذلك تحولاً في اقتصادنا نحو قطاعات لا تحتاج إلى رأسمال كبير مثل الخدمات والمنتجات الرقمية، التي تقلص مباشرة حجم الاستثمار المطلوب للإنتاج. وروبيو محق في أن التراجع في الاستثمار قضية خطيرة، وتقريره في الآونة الأخيرة قدم مساهمة قيمة في الجدل، لكن يتعين تشخيص المشكلة بشكل صحيح، لأنه حينها فقط نستطيع معالجة الأسباب الرئيسية بشكل ملائم.
لورانس سامرز: أستاذ بجامعة هارفارد ورئيسها السابق ووزير سابق للخزانة الأميركية والمستشار السياسي للرئيس باراك أوباما بين عامي 2009 و2010.
آنا ساتنسبيري: باحثة في الاقتصاد بجامعة هارفاردينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»