بات بعض رموز «الصحوة» يضربون أخماساً بأسداس في محطتهم التي كانت فيما مضى ملتقى للأجيال، واليوم صارت محطة مهجورة تصفر فيها الرياح وتتكدس حولها العربات المعطوبة، حيث توصلوا وهم في ذلك المكان النائي إلى حقيقة أن الزمن ليس زمنهم، وأن القطار سريع ولا يمكن اللحاق به بالعربات القديمة، فضلاً عن تغيير مساره.
وأمام هذا الواقع الجديد، رأى بعض أقطاب الصحوة أن يعتذر عمّا قد سلف من إفساد الحياة العامة بالشدة والغلظة والتشدد والكراهية والإيهام بأن هناك حرباً على الدين وأنهم حماته والذائدين عنه، كما فعل الواعظ الشهير عايض القرني في برنامج تلفزيوني عُرض في رمضان، وآثر بعضهم الآخر الانسحاب وفرش السجاجيد هناك والجلوس وتذاكر أيام اللعلعة على المسارح والصراخ على المنابر.
وفي المقابل، يبدو أن الأمل يحدوا من كانوا في زمن الصحوة صغاراً يحلمون بأن يكون لهم شأنٌ يوماً في دنيا الصحوة التي اعتقدوها خالدةً مخلدةً، وأن يشعروا بذواتهم وهم يرون الحشود تفسح الطريق أمامهم ثم تهتف لهم، غير مدركين أن الماضي لا يعود، إذ شُوهدوا مؤخراً وقد استعانوا بالعربات القديمة لإدراك القطار السريع الذي ينطلق في المنطقة من دون ما نشؤوا عليه من خزعبلات، لعلّ وعسى أن يدركوا القطار ويصعدوا إلى مؤخرته، ثم ينتقلوا تدريجياً من مقاعد الركاب إلى مقصورة القيادة، ويتحكموا في مساره ويعيدوه إلى نقطة الصفر الصحوية.
ولأنه لا قِبل للعربات باللحاق بالقطارات، ولا أحد عاقل سيخلي مقعدَه في القطار ليجلس في عربة، فقد ارتأى «فروخ» الصحويين أنّ الطريقة المثلى للعودة إلى السيطرة على المجتمعات هي بتخويف ركاب القطار من مسار الرحلة، وأنها قد تهوي بهم في واد سحيق أو تدخلهم في نفق مظلم، أملاً في تدافع الركاب نحو المخارج والقفز من القطار والعودة إلى أحضان الصحوة تائبين مستغفرين من ذنب الذهاب إلى المستقبل.
انتهى زمن الصحوة بلا شك، وبلا رجعة، لكن أفكار الصحوة ما تزال ملقاةً على قارعة الطريق، وثمةَ مَن يحاول التقاطها وإزالة الغبار والأتربة عنها ليعيد الموال القديم، من سرقة حياة الناس، والتغرير بالشباب، والتربّص بكل جديد على أنه غزو فكري، والوصاية على المجتمع، وتجييش الصدور، والحطّ من شأن العقول، وتقسيم البشر إلى أتباع لهم وتشريفهم بكلمة «ملتزمين» يدافعون عن الدين، وغير أتباع لهم والنيل منهم بكلمة «غير ملتزمين» يعادون الدين، والتصدي بالكذب والبهتان لكل من لا يوافقهم الرأي، والدسّ عليه بالتزوير والتحريف.
وبطبيعة الحال، لن يصدر الصحويون الجدد أشرطة كاسيت كما فعل أسلافهم، ولن يطبعوا كتباً ملونة بعناوين مثيرة، وسيصعب عليهم استغلال المنابر والمساجد والملتقيات، لكن كل هذا يبقى ضمن الأدوات التي تتغير مع تغير الزمن، أما الفكر الصحوي الضال نفسه، فيتم بثه من جديد بأدوات هذا العصر، عبر الفيديوهات القصيرة، والرسائل النصية التي ينشرونها في تطبيقات التواصل الاجتماعي، والتفاعل والحضور وبثّ الفكر الصحوي حيثما يتجمع الناس افتراضياً.
*كاتب إماراتي
وأمام هذا الواقع الجديد، رأى بعض أقطاب الصحوة أن يعتذر عمّا قد سلف من إفساد الحياة العامة بالشدة والغلظة والتشدد والكراهية والإيهام بأن هناك حرباً على الدين وأنهم حماته والذائدين عنه، كما فعل الواعظ الشهير عايض القرني في برنامج تلفزيوني عُرض في رمضان، وآثر بعضهم الآخر الانسحاب وفرش السجاجيد هناك والجلوس وتذاكر أيام اللعلعة على المسارح والصراخ على المنابر.
وفي المقابل، يبدو أن الأمل يحدوا من كانوا في زمن الصحوة صغاراً يحلمون بأن يكون لهم شأنٌ يوماً في دنيا الصحوة التي اعتقدوها خالدةً مخلدةً، وأن يشعروا بذواتهم وهم يرون الحشود تفسح الطريق أمامهم ثم تهتف لهم، غير مدركين أن الماضي لا يعود، إذ شُوهدوا مؤخراً وقد استعانوا بالعربات القديمة لإدراك القطار السريع الذي ينطلق في المنطقة من دون ما نشؤوا عليه من خزعبلات، لعلّ وعسى أن يدركوا القطار ويصعدوا إلى مؤخرته، ثم ينتقلوا تدريجياً من مقاعد الركاب إلى مقصورة القيادة، ويتحكموا في مساره ويعيدوه إلى نقطة الصفر الصحوية.
ولأنه لا قِبل للعربات باللحاق بالقطارات، ولا أحد عاقل سيخلي مقعدَه في القطار ليجلس في عربة، فقد ارتأى «فروخ» الصحويين أنّ الطريقة المثلى للعودة إلى السيطرة على المجتمعات هي بتخويف ركاب القطار من مسار الرحلة، وأنها قد تهوي بهم في واد سحيق أو تدخلهم في نفق مظلم، أملاً في تدافع الركاب نحو المخارج والقفز من القطار والعودة إلى أحضان الصحوة تائبين مستغفرين من ذنب الذهاب إلى المستقبل.
انتهى زمن الصحوة بلا شك، وبلا رجعة، لكن أفكار الصحوة ما تزال ملقاةً على قارعة الطريق، وثمةَ مَن يحاول التقاطها وإزالة الغبار والأتربة عنها ليعيد الموال القديم، من سرقة حياة الناس، والتغرير بالشباب، والتربّص بكل جديد على أنه غزو فكري، والوصاية على المجتمع، وتجييش الصدور، والحطّ من شأن العقول، وتقسيم البشر إلى أتباع لهم وتشريفهم بكلمة «ملتزمين» يدافعون عن الدين، وغير أتباع لهم والنيل منهم بكلمة «غير ملتزمين» يعادون الدين، والتصدي بالكذب والبهتان لكل من لا يوافقهم الرأي، والدسّ عليه بالتزوير والتحريف.
وبطبيعة الحال، لن يصدر الصحويون الجدد أشرطة كاسيت كما فعل أسلافهم، ولن يطبعوا كتباً ملونة بعناوين مثيرة، وسيصعب عليهم استغلال المنابر والمساجد والملتقيات، لكن كل هذا يبقى ضمن الأدوات التي تتغير مع تغير الزمن، أما الفكر الصحوي الضال نفسه، فيتم بثه من جديد بأدوات هذا العصر، عبر الفيديوهات القصيرة، والرسائل النصية التي ينشرونها في تطبيقات التواصل الاجتماعي، والتفاعل والحضور وبثّ الفكر الصحوي حيثما يتجمع الناس افتراضياً.
*كاتب إماراتي