فيما يسعى الرئيس دونالد ترامب إلى إغلاق العديد من التحقيقات التي يجريها الكونجرس، فإنه يقدم حجة مفادها أن التدقيق المستمر يعرقل العمل الأكثر أهمية في البلاد. وقال الرئيس بعد خروجه غاضباً من اجتماع مع قادة الكونجرس في 22 مايو المنصرم، والذي كان يفترض أن يناقش البنية التحتية، «لقد قلت منذ البداية إنكم على الأرجح لا يمكنكم السير في مسارين. يمكنكم المضي في مسار التحقيق، ويمكنكم السير في مسار الاستثمار.. دعونا ننجز الأشياء من أجل الشعب الأميركي».
والواقع، فإن الكونجرس قادر تماماً على التركيز على القضايا التي تتصدر قائمة أولويات الأميركيين، حتى مع القيام بدور إشرافي قوي. وهذا ما يفترض أن يفعله.
يقوم مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون بإصدار مشاريع قوانين بشكل سريع، في الوقت الذي تقوم فيه ما لا يقل عن ست من لجانه بالتحقيق في المسائل المتعلقة بالرئيس وإدارته، بما في ذلك خفض تكاليف الأدوية الموصوفة، وتعزيز قانون الرعاية بأسعار معقولة، وتشجيع المزيد من أرباب العمل على تقديم خطط للتقاعد. ومن خلال الاطلاع على قائمة وعود الحملة الانتخابية، قام الديمقراطيون في مجلس النواب أيضاً بالتصويت على تعزيز عمليات التحقق من خلفية مشتري الأسلحة، والحد من التفاوت في الأجور بين الجنسين، وإعادة تفويض قانون «العنف ضد المرأة» لعام 1994. وهذا يعد كثيراً بالنسبة لما يصفه ترامب بالحزب الذي لا يفعل شيئاً.
وفي هذه الأثناء، لا تتم معالجة أي من هذه القضايا -أو أي شيء آخر- في مجلس الشيوخ الذي يقوده الجمهوريون. والعمل الوحيد الذي يبدو أنه يثير اهتمام زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ «ميتش ماكونيل» (جمهوري) هو التأكيد على من يرشحهم ترامب، خاصة في المحاكم: وحتى الآن تشكل الترشيحات 70% من كل أصوات أعضاء مجلس الشيوخ.
إن إنجاز الأمور قد يكون أكثر ما يتمناه ترامب من أجل البقاء، كما أظهر آخر رئيس وجد نفسه في مرمى العزل. في عام 1998، عندما أصبحت رئاسة بيل كلينتون غارقة في فضيحة تتعلق بعلاقته مع متدربة في البيت الأبيض، تم اختبار إتقانه لما كان يسمى آنذاك «التقسيم إلى أقسام منفصلة». ويوماً بعد يوم، كان كلينتون يحرص على التأكد من أن الأميركيين يرون رئاسة فعالة. ووافق كلينتون هو والمشرعون على تشريع لتقديم 1.2 مليار دولار لتقليل مساحات فصول المدارس الابتدائية، وهو أمر كان كلينتون قد وعد به في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه بعد أيام من سماع الأمة اسم «مونيكا لوينسكي» لأول مرة.
وعمل كلينتون أيضاً مع السيناتور في ذلك الوقت «جون ماكين» (جمهوري) لإصدار مشروع قانون مدعوم من الحزبين لمناهضة التبغ والذي حصل على تأييد 13 جمهورياً آخر وفشل في منع تعطيل القانون في مجلس الشيوخ بعد نقاش دام أربعة أسابيع.
وبينما كان كلينتون غاضباً بشأن معاملته على يد المستشار المستقل «كينيث ستار» و«الجمهوريين»، الذين كانوا يسيطرون على «كابيتول هيل» (الكونجرس)، رفض أسئلة بشأن الموضوع بينما كان يمارس عمله في العلن. لم يستطع منع التحقيق من المضي قدماً، أو الكونجرس من محاولة عزله من منصبه. وفي ديسمبر 1998، صوّت مجلس النواب على مادتي العزل ضده، بتهمة الحنث باليمين وعرقلة العدالة. لكن في هذا الأسبوع بالذات، بلغت نسبة التأييد لعمل كلينتون في استطلاع الرأي الذي أجراه مركز جالوب 73%، ليست فقط الأعلى طوال رئاسته، بل إنها واحدة من أفضل النسب المسجلة لأي رئيس تنفيذي منذ منتصف ستينيات القرن. وبحلول ذلك الوقت، بات من الواضح أن التهم الموجهة ضده لم تتم في مجلس الشيوخ، والذي برأه بعد ثمانية أسابيع بقليل. من خلال قيامه بعمله، أنقذ كلينتون رئاسته. وحتى في هذه البيئة المستقطبة، لا تزال هناك فرص أمام ترامب لفعل الشيء نفسه.
ربما تكون هناك دفعة كبيرة لإعادة بناء البنية التحتية للبلاد، وهي غير مطروحة على الطاولة بسبب معارضة «الجمهوريين» للتكلفة، مثل المعارضة الديمقراطية. لكن الكثيرين في كلا الحزبين يتوقون لإبرام صفقات بشأن بعض القضايا، مثل خفض أسعار الأدوية الموصوفة وتمرير مشروع قانون للإغاثة من الكوارث. إذا لم يكن هناك اتفاق على الموازنة بحلول الأول من أكتوبر، ستصيب التخفيضات التلقائية في الإنفاق البرامج التقديرية الدفاعية وغير الدفاعية.
ومع ذلك، فإن القيام بأي من هذا يتطلب شيئاً ما لم نره حتى الآن من ترامب، وهو القدرة على التركيز على عمله، بدلاً من رعاية شعوره المتضخم بالنصر. إن التحقيقات ستستمر. وأي شيء آخر يتم إنجازه سيعود بالكامل إلى ترامب.
*كاتبة أميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»