انتخابات البرلمان الأوروبي لهذا العام بعثت برسائل قوية إلى سياسيي الاتحاد الأوروبي. غير أن فهم هذه الرسائل قد يكون أسهل بكثير من عمل شيء حيالها. وهذا واضح وجلي بشكل خاص في المملكة المتحدة حيث تلقى الحزبان الرئيسان ضربة قوية.
فمع شعور بالإحباط من عملية بريكسيت استغرقت قرابة ثلاث سنوات من النقاش الوطني، وما زالت عاجزة عن التوصل لنتيجة حاسمة، توجه الناخبون البريطانيون لمكاتب الاقتراع بأعداد كبيرة من أجل إذلال الأحزاب الرئيسة. إذ تراجع المحافظون إلى المرتبة الخامسة في انتخابات فاز بها «حزب بريكست»، وهو حزب جديد استفاد من الغضب السياسي. ولئن كان أداء حزب العمال أفضل قليلاً من أداء غريمه التقليدي، فإنه عرف تراجعاً مهماً في دعم الناخبين، بما في ذلك بين الكتل الناخبة التي تعد آمنة تاريخياً.
ولعل هذه النتيجة تتضمن رسالتين واضحتين؛ الأولى أن جزءاً مهماً من السكان قد ملّ وضاق ذرعاً بـ«مقاربة الوسط المبهمة» تجاه بريكسيت، والتي تميزت بالتردد وعدم الحسم بدلاً من اختيار سواء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (انسحاب يفضل أن يكون عبر اتفاق خروج منظم مع البلدان الأعضاء الأخرى)، أو إجراء استفتاء ثان لتوفير طريق أكثر شرعية للبقاء داخل الاتحاد.
والثانية، أن الناخبين يريدون الخروج من شلل تشريعي تسبب في هدر وقت البرلمان البريطاني في نقاشات ومناورات سياسية طويلة، وذلك على حساب كل المبادرات الأخرى تقريباً.
هذه الانتخابات يمكن قراءتها أيضاً باعتبارها تأييداً لقرار تيريزا ماي بالتنحي عن منصبها كرئيسة للوزراء، بعد فترة حكم أضعفَها عجزُ البرلمان عن الحسم بخصوص بريكست. غير أنه رغم الرسائل الواضحة من الناخبين، فإن من سيخلفها في 10 داونينغ ستريت لن يجد صعوبة في الخروج من الطريق المسدود إلا إذا شدد على واحد من "الحلول الركنية"، وبذلك يضمن تنازلات ومقايضات صعبة، لكن لا مفر منها. وإلى ذلك، فإن فترة طويلة أخرى، بحثاً عن الوسط صعب المنال، ستصبح أكثر صعوبة بسبب وضع اقتصادي ما فتئ يتدهور.
وفي غياب تقدم واختراق، قد يزداد التأثير التراكمي للسنوات الثلاث الأخيرة من حالة عدم اليقين الاقتصادي والمؤسساتي، ما يحدث هشاشة أكبر في قرارات الاستهلاك، والنشاط الاستثماري، وتدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة. كما سيواجه النمو والإنتاجية ومستوى المعيشة تحديات إضافية من اقتصاد عالمي أضحى متحولاً وغير ودي، وخاصة بالنسبة لاقتصاد منفتح على الخارج مثل اقتصاد المملكة المتحدة. ولذا، فإن الرحلة إلى نتيجة لبريكسيت، وأياً تكن الوجهة النهائية، قد تصبح خطيرة ومكلفة على نحو متزايد بالنسبة للمملكة المتحدة.
غير أن الرسائل القوية للانتخابات الأوروبية لم تقتصر على المملكة المتحدة، إذ تحمل إضاءات للمشهد السياسي الأميركي قبل انتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية.
وفي انتخابات عرفت ارتفاعاً ملحوظاً في ما كان تاريخياً نسبةَ مشاركةٍ منخفضة، يجدر بالسياسيين في الكثير من البلدان الأوروبية الأخرى تأويل هذه المشاركة المكثفة للناخبين برغبتهم في إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل. وبالنظر إلى النتائج الجيدة التي حققتها أحزاب الخضر في عدد من البلدان، مثل ألمانيا، فإن التركيز على الاستدامة البيئية يبدو مطلوباً بقوة ووضوح.
غير أن تآكلاً آخر للوسط السياسي (أي يسار الوسط ويمين الوسط) يعني ازدياد خطر الانقسام والتجزؤ في البرلمان الأوروبي وخارجه، في وقت أصبح فيه لدى الأجزاء الأقل وسطية من الطيف السياسي –وخاصة الخضر واليمين المتطرف– صوت وتمثيل وتأثير أكبر حالياً. غير أنه لديها أيضاً آراء مختلفة بشأن الأولويات والتوقيت.
وخلاصة القول إن الناخبين الأوروبيين أعطوا رسائل واضحة لسياسييهم؛ لكن الاشتغال عليها لن يكون سهلاً. وفي غياب قيادة سياسية شجاعة، فإن النتيجة يمكن أن تكون مزيداً من الإحباط، والغضب السياسي والركود الاقتصادي، مع ازدياد خطر الاستقطاب الوطني والإقليمي الذي يرافق كل ذلك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
فمع شعور بالإحباط من عملية بريكسيت استغرقت قرابة ثلاث سنوات من النقاش الوطني، وما زالت عاجزة عن التوصل لنتيجة حاسمة، توجه الناخبون البريطانيون لمكاتب الاقتراع بأعداد كبيرة من أجل إذلال الأحزاب الرئيسة. إذ تراجع المحافظون إلى المرتبة الخامسة في انتخابات فاز بها «حزب بريكست»، وهو حزب جديد استفاد من الغضب السياسي. ولئن كان أداء حزب العمال أفضل قليلاً من أداء غريمه التقليدي، فإنه عرف تراجعاً مهماً في دعم الناخبين، بما في ذلك بين الكتل الناخبة التي تعد آمنة تاريخياً.
ولعل هذه النتيجة تتضمن رسالتين واضحتين؛ الأولى أن جزءاً مهماً من السكان قد ملّ وضاق ذرعاً بـ«مقاربة الوسط المبهمة» تجاه بريكسيت، والتي تميزت بالتردد وعدم الحسم بدلاً من اختيار سواء الانسحاب من الاتحاد الأوروبي (انسحاب يفضل أن يكون عبر اتفاق خروج منظم مع البلدان الأعضاء الأخرى)، أو إجراء استفتاء ثان لتوفير طريق أكثر شرعية للبقاء داخل الاتحاد.
والثانية، أن الناخبين يريدون الخروج من شلل تشريعي تسبب في هدر وقت البرلمان البريطاني في نقاشات ومناورات سياسية طويلة، وذلك على حساب كل المبادرات الأخرى تقريباً.
هذه الانتخابات يمكن قراءتها أيضاً باعتبارها تأييداً لقرار تيريزا ماي بالتنحي عن منصبها كرئيسة للوزراء، بعد فترة حكم أضعفَها عجزُ البرلمان عن الحسم بخصوص بريكست. غير أنه رغم الرسائل الواضحة من الناخبين، فإن من سيخلفها في 10 داونينغ ستريت لن يجد صعوبة في الخروج من الطريق المسدود إلا إذا شدد على واحد من "الحلول الركنية"، وبذلك يضمن تنازلات ومقايضات صعبة، لكن لا مفر منها. وإلى ذلك، فإن فترة طويلة أخرى، بحثاً عن الوسط صعب المنال، ستصبح أكثر صعوبة بسبب وضع اقتصادي ما فتئ يتدهور.
وفي غياب تقدم واختراق، قد يزداد التأثير التراكمي للسنوات الثلاث الأخيرة من حالة عدم اليقين الاقتصادي والمؤسساتي، ما يحدث هشاشة أكبر في قرارات الاستهلاك، والنشاط الاستثماري، وتدفقات الاستثمارات الخارجية المباشرة. كما سيواجه النمو والإنتاجية ومستوى المعيشة تحديات إضافية من اقتصاد عالمي أضحى متحولاً وغير ودي، وخاصة بالنسبة لاقتصاد منفتح على الخارج مثل اقتصاد المملكة المتحدة. ولذا، فإن الرحلة إلى نتيجة لبريكسيت، وأياً تكن الوجهة النهائية، قد تصبح خطيرة ومكلفة على نحو متزايد بالنسبة للمملكة المتحدة.
غير أن الرسائل القوية للانتخابات الأوروبية لم تقتصر على المملكة المتحدة، إذ تحمل إضاءات للمشهد السياسي الأميركي قبل انتخابات نوفمبر 2020 الرئاسية.
وفي انتخابات عرفت ارتفاعاً ملحوظاً في ما كان تاريخياً نسبةَ مشاركةٍ منخفضة، يجدر بالسياسيين في الكثير من البلدان الأوروبية الأخرى تأويل هذه المشاركة المكثفة للناخبين برغبتهم في إصلاح الاتحاد الأوروبي من الداخل. وبالنظر إلى النتائج الجيدة التي حققتها أحزاب الخضر في عدد من البلدان، مثل ألمانيا، فإن التركيز على الاستدامة البيئية يبدو مطلوباً بقوة ووضوح.
غير أن تآكلاً آخر للوسط السياسي (أي يسار الوسط ويمين الوسط) يعني ازدياد خطر الانقسام والتجزؤ في البرلمان الأوروبي وخارجه، في وقت أصبح فيه لدى الأجزاء الأقل وسطية من الطيف السياسي –وخاصة الخضر واليمين المتطرف– صوت وتمثيل وتأثير أكبر حالياً. غير أنه لديها أيضاً آراء مختلفة بشأن الأولويات والتوقيت.
وخلاصة القول إن الناخبين الأوروبيين أعطوا رسائل واضحة لسياسييهم؛ لكن الاشتغال عليها لن يكون سهلاً. وفي غياب قيادة سياسية شجاعة، فإن النتيجة يمكن أن تكون مزيداً من الإحباط، والغضب السياسي والركود الاقتصادي، مع ازدياد خطر الاستقطاب الوطني والإقليمي الذي يرافق كل ذلك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»