بحسب صحيفة «بوليتيكو» يرحل خبراء الاقتصاد عن إدارة الأبحاث الاقتصادية في وزارة الزراعة الأميركية، حيث استقال ستة منهم في يوم واحد الشهر الماضي. والسبب أنهم يفرّون من الاضطهاد، بسبب نشر تقارير تلقي الضوء على سياسات الإدارة الحالية.
غير أن هذه التقارير تعكس تماماً الواقع، ومن ثم، تنحاز بوضوح ضد ترامب. وعلى رغم من ذلك، فتعتبر المناطق الريفية الأميركية جزءاً رئيسياً من قاعدة تأييد الرئيس. وفي الحقيقة تعتبر هذه المناطق هي الأجزاء الوحيدة في الدولة، التي يحظى فيها ترامب بمعدلات تأييد إيجابية كبيرة. لكن مواطنيها أيضاً هم أكبر الخاسرين في ظل سياسات إدارته.
وفي عام 2016، قال ترامب: إنه سيكون «رئيساً جمهورياً من نوع مختلف»، لكن على أرض الواقع، كانت أجندته الاقتصادية أجندة «جمهورية» نموذجية: فطبّق تخفيضات ضريبية كبرى لمصلحة الشركات والأثرياء، بينما قلّص شبكات الأمان الاجتماعي. وكانت السياسة الوحيدة الكبرى الخارجة عن المذهب «الجمهوري» هي: الحمائية، وشغفه بشنّ حروب تجارية. وبالطبع، تضرّ جلّ تلك السياسات بصورة غير متناسبة بسكان المناطق الريفية.
وتجاوزت التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب المزارعين، لأنهم ليسوا شركات، وقليل منهم أثرياء. وأوضحت إحدى الدراسات، مؤججة غضب الإدارة، أنه بقدر ما شاهد المزارعون تطبيق تخفيضات ضريبية، ذهبت معظم المنافع إلى ال10? الأكثر ثراء، بينما عانى فقراء المزارعين من زيادة ضريبية طفيفة.
وفي الوقت ذاته، يعتبر التعدي على شبكة الأمان الاجتماعي مضرة بصورة خاصة بالمناطق الريفية الأميركية، التي تعتمد بشدة على برامج الضمان الاجتماعي. فمن بين 100 مقاطعة توجد بها أعلى نسبة سكان يحصلون على مساعدات في صورة قسائم غذاء، هناك 85 مقاطعة ريفية، ومعظم المقاطعات المتبقية في مدن صغيرة. وكان لتوسيع برنامج «ميديكد» للرعاية الطبية لأصحاب الدخل المحدود، في ظل قانون الرعاية الصحية المحتملة (أوباماكير)، الذي تحاول الإدارة الحالية القضاء عليه، عظيم الأثر على المناطق الريفية.
وتعتبر هذه البرامج ضرورية للأميركيين في المناطق الريفية، حتى وإن لم يتلقوا بصورة مباشرة مساعدات حكومية، ذلك أن برامج الأمان الاجتماعي تعزز القوة الشرائية، ومن ثم تساعد في توفير فرص عمل في المناطق الريفية. و«ميديكيد» عامل محوري في الحفاظ على بقاء المستشفيات في المناطق الريفية، فمن دونه، ستتراجع قدرة الأميركيين المقيمين فيها على تلقى رعاية صحية بشكل عام.
لكن ماذا عن الحمائية؟ يعتمد قطاع الزراعة الأميركية اعتماداً كبيراً على الانفتاح على الأسواق العالمية، وبدرجة أكبر من الاقتصاد الأميركي ككل. فزارعو فول الصويا يصدرون نصف ما ينتجون، وزارعو القمح يصدرون 46 % من محصولهم. والصين على وجه الخصوص أصبحت سوقاً رئيسة للمنتجات الزراعية الأميركية. ولهذا السبب دفعت المعارك «التويترية»، التي أججت احتمالات اندلاع حرب تجارية، أسواق الحبوب الأميركية إلى أدنى مستوياتها في 42 عاماً.
ومن المهم أن ندرك، أن التهديد ضد المزارعين الأميركيين لا يقتصر فقط على الثأر الأجنبي المحتمل من الرسوم الجمركية المفروضة من قبل إدارة ترامب. فهناك قاعدة أساسية في الاقتصاد الدولي مفادها أنه على المدى الطويل، ينتهي المطاف بالضرائب المفروضة على الواردات بكونها ضرائب على الصادرات أيضاً، وذلك لأنها تؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار. وإذا انزلق العالم إلى حرب تجارية، فستتقلص الواردات والصادرات الأميركية، وسيكون المزارعون، أهم قطاع تصديري في الولايات المتحدة، هم أكبر الخاسرين.
فلماذا إذن يؤيد سكان المناطق الريفية إدارة ترامب؟ يرجع الأمر بصورة كبيرة إلى عوامل ثقافية، ذلك أن الناخبين في المناطق الريفية أكثر عداء تجاه المهاجرين على وجه الخصوص، من الناخبين في المناطق الحضرية، ولاسيما في المجتمعات التي يوجد فيها أعداد ضئيلة من المهاجرين.
كما أن الناخبين في المناطق الريفية يشعرون بالازدراء من قبل النخب في المناطق الساحلية، ونجح ترامب في التعبير عن غضبهم. وبالطبع، سيتصرف كثير من الناخبين الريفيين بغضب، إذا قرؤوا هذا المقال، لكن ليس ضد ترامب، وإنما ضدي ولسان حالهم: «هل تعتقد أننا أغبياء؟!».
لكن على رغم من ذلك، فسيبدأ ذلك التأييد في الانحسار، إذا أدرك الناخبون في المناطق الريفية مدى تضررهم من سياسات الإدارة الحالية.
غير أن المتحمسين لترامب سيكررون مزاعمهم، ويقولون: إن «التخفيضات الضريبية ساعدت المزارعين»، على رغم من أنه زعم زائف تماماً. أو أنهم سيحاولون قمع الحقيقة، ومن ثم اضطهاد خبراء الاقتصاد في وزارة الزراعة الأميركية، الذين يحاولون القيام بعملهم فحسب.
بيد أن الهجوم على الحقيقة ستكون له تداعيات تتجاوز السياسة. فإدارة الأبحاث الاقتصادية في وزارة الزراعة ليس من المفترض أن تكون إدارة للاحتفاء بسياسات أي شخص موجود في السلطة. ودورها، بحسب بيان تكليفها، هو «إجراء أبحاث اقتصادية موضوعية عالية الجودة لتثقيف وتعزيز عملية صنع القرار في القطاعين العام والخاص».
والآن، بينما تتراجع قدرة إدارة الأبحاث على أداء وظيفتها بوتيرة سريعة، نتيجة عدم إيمان الإدارة الأميركية الحالية بالسياسات المرتكزة على الحقائق، فإن من سيدفع الثمن هم سكان المناطق الريفية، وسيكون أشدّ مؤيدي ترامب هم أكبر ضحاياه!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/05/09/opinion/trump-rural-america.html
غير أن هذه التقارير تعكس تماماً الواقع، ومن ثم، تنحاز بوضوح ضد ترامب. وعلى رغم من ذلك، فتعتبر المناطق الريفية الأميركية جزءاً رئيسياً من قاعدة تأييد الرئيس. وفي الحقيقة تعتبر هذه المناطق هي الأجزاء الوحيدة في الدولة، التي يحظى فيها ترامب بمعدلات تأييد إيجابية كبيرة. لكن مواطنيها أيضاً هم أكبر الخاسرين في ظل سياسات إدارته.
وفي عام 2016، قال ترامب: إنه سيكون «رئيساً جمهورياً من نوع مختلف»، لكن على أرض الواقع، كانت أجندته الاقتصادية أجندة «جمهورية» نموذجية: فطبّق تخفيضات ضريبية كبرى لمصلحة الشركات والأثرياء، بينما قلّص شبكات الأمان الاجتماعي. وكانت السياسة الوحيدة الكبرى الخارجة عن المذهب «الجمهوري» هي: الحمائية، وشغفه بشنّ حروب تجارية. وبالطبع، تضرّ جلّ تلك السياسات بصورة غير متناسبة بسكان المناطق الريفية.
وتجاوزت التخفيضات الضريبية التي أقرها ترامب المزارعين، لأنهم ليسوا شركات، وقليل منهم أثرياء. وأوضحت إحدى الدراسات، مؤججة غضب الإدارة، أنه بقدر ما شاهد المزارعون تطبيق تخفيضات ضريبية، ذهبت معظم المنافع إلى ال10? الأكثر ثراء، بينما عانى فقراء المزارعين من زيادة ضريبية طفيفة.
وفي الوقت ذاته، يعتبر التعدي على شبكة الأمان الاجتماعي مضرة بصورة خاصة بالمناطق الريفية الأميركية، التي تعتمد بشدة على برامج الضمان الاجتماعي. فمن بين 100 مقاطعة توجد بها أعلى نسبة سكان يحصلون على مساعدات في صورة قسائم غذاء، هناك 85 مقاطعة ريفية، ومعظم المقاطعات المتبقية في مدن صغيرة. وكان لتوسيع برنامج «ميديكد» للرعاية الطبية لأصحاب الدخل المحدود، في ظل قانون الرعاية الصحية المحتملة (أوباماكير)، الذي تحاول الإدارة الحالية القضاء عليه، عظيم الأثر على المناطق الريفية.
وتعتبر هذه البرامج ضرورية للأميركيين في المناطق الريفية، حتى وإن لم يتلقوا بصورة مباشرة مساعدات حكومية، ذلك أن برامج الأمان الاجتماعي تعزز القوة الشرائية، ومن ثم تساعد في توفير فرص عمل في المناطق الريفية. و«ميديكيد» عامل محوري في الحفاظ على بقاء المستشفيات في المناطق الريفية، فمن دونه، ستتراجع قدرة الأميركيين المقيمين فيها على تلقى رعاية صحية بشكل عام.
لكن ماذا عن الحمائية؟ يعتمد قطاع الزراعة الأميركية اعتماداً كبيراً على الانفتاح على الأسواق العالمية، وبدرجة أكبر من الاقتصاد الأميركي ككل. فزارعو فول الصويا يصدرون نصف ما ينتجون، وزارعو القمح يصدرون 46 % من محصولهم. والصين على وجه الخصوص أصبحت سوقاً رئيسة للمنتجات الزراعية الأميركية. ولهذا السبب دفعت المعارك «التويترية»، التي أججت احتمالات اندلاع حرب تجارية، أسواق الحبوب الأميركية إلى أدنى مستوياتها في 42 عاماً.
ومن المهم أن ندرك، أن التهديد ضد المزارعين الأميركيين لا يقتصر فقط على الثأر الأجنبي المحتمل من الرسوم الجمركية المفروضة من قبل إدارة ترامب. فهناك قاعدة أساسية في الاقتصاد الدولي مفادها أنه على المدى الطويل، ينتهي المطاف بالضرائب المفروضة على الواردات بكونها ضرائب على الصادرات أيضاً، وذلك لأنها تؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار. وإذا انزلق العالم إلى حرب تجارية، فستتقلص الواردات والصادرات الأميركية، وسيكون المزارعون، أهم قطاع تصديري في الولايات المتحدة، هم أكبر الخاسرين.
فلماذا إذن يؤيد سكان المناطق الريفية إدارة ترامب؟ يرجع الأمر بصورة كبيرة إلى عوامل ثقافية، ذلك أن الناخبين في المناطق الريفية أكثر عداء تجاه المهاجرين على وجه الخصوص، من الناخبين في المناطق الحضرية، ولاسيما في المجتمعات التي يوجد فيها أعداد ضئيلة من المهاجرين.
كما أن الناخبين في المناطق الريفية يشعرون بالازدراء من قبل النخب في المناطق الساحلية، ونجح ترامب في التعبير عن غضبهم. وبالطبع، سيتصرف كثير من الناخبين الريفيين بغضب، إذا قرؤوا هذا المقال، لكن ليس ضد ترامب، وإنما ضدي ولسان حالهم: «هل تعتقد أننا أغبياء؟!».
لكن على رغم من ذلك، فسيبدأ ذلك التأييد في الانحسار، إذا أدرك الناخبون في المناطق الريفية مدى تضررهم من سياسات الإدارة الحالية.
غير أن المتحمسين لترامب سيكررون مزاعمهم، ويقولون: إن «التخفيضات الضريبية ساعدت المزارعين»، على رغم من أنه زعم زائف تماماً. أو أنهم سيحاولون قمع الحقيقة، ومن ثم اضطهاد خبراء الاقتصاد في وزارة الزراعة الأميركية، الذين يحاولون القيام بعملهم فحسب.
بيد أن الهجوم على الحقيقة ستكون له تداعيات تتجاوز السياسة. فإدارة الأبحاث الاقتصادية في وزارة الزراعة ليس من المفترض أن تكون إدارة للاحتفاء بسياسات أي شخص موجود في السلطة. ودورها، بحسب بيان تكليفها، هو «إجراء أبحاث اقتصادية موضوعية عالية الجودة لتثقيف وتعزيز عملية صنع القرار في القطاعين العام والخاص».
والآن، بينما تتراجع قدرة إدارة الأبحاث على أداء وظيفتها بوتيرة سريعة، نتيجة عدم إيمان الإدارة الأميركية الحالية بالسياسات المرتكزة على الحقائق، فإن من سيدفع الثمن هم سكان المناطق الريفية، وسيكون أشدّ مؤيدي ترامب هم أكبر ضحاياه!
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2019/05/09/opinion/trump-rural-america.html