تتجلى العديد من السمات التقليدية المميزة للقوى العظمى بين روسيا والولايات المتحدة في الأزمة الحالية في فنزويلا: القوى المتنافسة بالوكالة على أرض الواقع، وتوجيه أصابع الاتهام للدبلوماسية والرؤى المتباينة بشكل صارخ حول النظام العالمي. لكن، بينما يبدو الأمر وكأنه مواجهة للحرب الباردة، فالأمر بالنسبة لروسيا يتعلق بمسألة أخرى، وهي وضع قواعد لعلاقات القوى الكبرى المتنافسة في عالم ما بعد الحرب الباردة.
في فنزويلا، وبين الولايات المتحدة وروسيا بشكل عام، لا يوجد انقسام أيديولوجي بشأن العقائد التي تشكّل العالم، مثل الشيوعية في مقابل الرأسمالية كما كان من قبل. والحصة الكبيرة التي راكمتها روسيا في فنزويلا على مدى العقدين الماضيين لها علاقة كبيرة بالفرص الجيوسياسية والاقتصادية، لكن التقارب الروسي مع الاشتراكية البوليفارية للزعيم الفنزويلي السابق هوجو شافيز ليس له دور فيه.
وبدلاً من ذلك، فالقضية التي تظهر على السطح في خضم أزمة فنزويلا هي: مطالبة الولايات المتحدة لروسيا بأن تكف عن التدخل في نصف الكرة الغربي، أو على الأقل التوقف عن مساعدة الأنظمة التي تتعارض مع مبدأ مونرو الذي تذرع به مستشار الأمن القومي جون بولتون في الآونة الأخيرة لتبرير ذلك. (مبدأ مونرو هو بيان أعلنه الرئيس الأميركي جيمس مونرو في 2 ديسمبر 1823، وينادي بضمان استقلال كلِّ دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي بغرض اضطهادهم، أو التّدخّل في تقرير مصيرهم). ويرد الروس بأنه على الولايات المتحدة التوقف عن عمليات تغيير الأنظمة المستمرة منذ عقدين من الزمان، والتي تتضمن دعم الثورات المناهضة لموسكو في الساحة الخلفية لروسيا. وخلاف ذلك، فإن من يحكم في فنزويلا لا يهم روسيا بشكل خاص، بحسب ما يرى الخبراء.
يقول «فيودور لوكيانوف»، محرر الشؤون الروسية في مجلة «جلوبال أفيرز» الرائدة في السياسة الخارجية، ومقرها موسكو: «إن العلاقة التي نشأت بين روسيا وفنزويلا كانت مصادفة. فقد كانت بشكل أساسي مبادرة هوجو شافيز الذي كان يسعى إلى موازنة اعتماد بلاده على الولايات المتحدة». وأضاف موضحاً: «بالطبع تم دعم هذا بحماس في موسكو. لكن يشار إلى أنه في ذلك الوقت، أوائل العقد الأول من القرن الـ21، كان شافيز غنياً وبإمكانه دفع ثمن الأسلحة والمشورة الروسية. لكن منذ وفاة شافيز، لم يثبت خليفته أنه يتمتع بالمهارة أو يحظى بشعبية، ما جعل كثيرين في موسكو يشعرون بالقلق بشأن استثماراتنا الضخمة في نظام ربما يكون غير مستقر».
إن الانكشاف المالي (تعرض الأموال للخسارة) لروسيا في فنزويلا ضخم، بما في ذلك قروض بقيمة 17 مليار دولار لشراء أسلحة روسية وتطوير صناعة النفط في فنزويلا. تظل معظم هذه الديون مستحقة، وربما ترفض أي حكومة فنزويلية جديدة سدادها. كما تستثمر شركة النفط الروسية المملوكة للدولة بكثافة في شركة النفط الفنزويلية، والتي قد تكون أيضاً موضع شك بعد تغيير النظام.
ولا يبدو أن تغيير النظام مطروحاً في الوقت الحالي، بعد عدة أيام من المحادثات الدبلوماسية المكثفة، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الأميركي مايك بومبيو في فنلندا (ومع نظيره الفنزويلي «خورخي أريزا» في موسكو لإجراء مشاورات).
ويقول المحللون الروس إنهم يشكون بشدة في أن الولايات المتحدة تخطط للقيام بتدخل عسكري في فنزويلا على غرار الغزو الأميركي لبنما عام 1989. وحتى لو حدث هذا، فإن روسيا لن تكون راغبة في القيام بالكثير لمعارضته.
ويرى المحللون أنه لا توجد قوات روسية في فنزويلا، لكن كان هناك منذ فترة طويلة مستشارون عسكريون روس لدى الجيش الفنزويلي، وربما يعمل مقاولون من القطاع الخاص هناك.
وفي ديسمبر الماضي، زارت قاذفتا قنابل استراتيجيتان روسيتان من طراز «تو-160» فنزويلا وسط موجة من اهتمام وسائل الإعلام والإدانة الرسمية في واشنطن، لكن الخبراء قالوا إنها كانت مجرد ممارسة للعلاقات العامة، وسرعان ما عادت الطائرات إلى الوطن.
ومن جانبهما، تمتلك كل من كوبا والصين حصصاً كبيرة في كثير من قطاعات الإنتاج الفنزويلية. وغالباً ما تخلط الولايات المتحدة ذلك مع الدعم الروسي لحكومة نيكولاس مادورو، خاصة تدخل كوبا، لكن المحللين الروس يقولون إن كوبا لديها علاقة منفصلة مع فنزويلا، وإن هناك القليل من التنسيق مع روسيا.
وفي خضم النزاع السياسي بين موسكو وواشنطن بشأن فنزويلا، هناك مسألة «التدخل» في مناطق الشعوب الأخرى. يقول «أندريه كورتونوف»، مدير مجلس الشؤون الدولية الروسية التابع لوزارة الخارجية الروسية، إن الولايات المتحدة تستهين بمبادئها الخاصة بالنظام العالمي الليبرالي عندما تطالب روسيا بالتوقف عن دعم حكومة مادورو.
*صحفي كندي متخصص في الشؤون الروسية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»